جريدة البديل السياسي – بقلم: عبدالمومن سنوسي
هكذا سردوا لنا الحكاية….
وعدة أولاد منصور.
يحتفل سكان مدينة السعيدية عامة،وأولاد منصور خاصة بوعدتهم المسمات -وعدة أولاد منصور-من كل سنة،والاحتفال هذا ليس بوليد العصر،بل يفوق عمره عدة قرون،ونأسف كل الاسف لإهمال تاريخ هذا التراث العريق والعتيق،إذ نادرا ما نسمع عن موسم أو وعدة بهذا الحجم و الإقبال الذي يتكثف سنة بعد سنة…والحقيقة،التي لاغبار عليها هي أننا لا نملك المراجع والمصادر الكافية لكشف نقاب هذه المعجزة المنصورية،بإستثناء مصدر واحد يتمثل في شخص جدي رحمه الله( 1882-1988م).
وحتى نقرب القراء الكرام والرأي العام من معرفة خبايا هذه -الأسطورة- المنصورية التي ظلت غامضة لدى أجيال عديدة ،نسرد عليكم ما يلي :
من هو سيدي منصور ؟ الواقع أن لا أحد يعرف أين نشأ وتربى وعلى يد من ترعرع،ومن أية قبيلة ينحدر ،والى أي نسب ينتسب ……كل هذه الأسئلة لا نملك لها الجواب،فكل ما نعرفه عنه هو أنه أتى من الجهة الوسطى للملكة قاصدا – أو ربما كان رحالا – أهل عجرود ،السعيدية حاليا، وتشاء الأقدار أن يحط رحاله عند قبيلة تدعى -أولاد رمضان-التي مازال نسلها موجود الى حد الأن ،فرحب به جدهم /طلحة/ على أساس أنه طالبا للعمل ،فقبلوه راعيا وأمينا لأبقارهم وأغنامهم و(دولتهم) كما كان سائدا في ذللك التاريخ….وتدور الأيام والشهور ،فيكتشف أولاد رمضان ولاءه وطاعته وإخلاصه لهم …فإزداد حبهم له وعطفهم عليه ،خاصة عندما وقفوا على حقيقة لم يصدقونها في بداية الأمر .
وتتلخص،هذه الحقيقة التي تعتبر أغرب من الخيال،في أنه كان يجلس في وسط غابة كثيفة وتلتف حوله الحيوانات والطيور المختلفة،وهي تقوم بحركات غير مفهومة،فيبادلها سيد منصور بنفس اللغة…
عند هذا الحد تضاعف رفقهم به وطلب منه بل ترجاه جدهم طلحة بأن يقعد ويجلس في منزله يأكل ويشرب،ويعيش مع أبنائه …فأبى الولي الصالح الرذوخ لطلبه،ورحل إلى إحدى الغابات المجاورة ،قرب مقبرته الحالية،وهناك كان يلتقي بالاولياء الصالحين وخصوصا ،سيدي ميمون وسيدي موسى…
أسرار الوعدة:
حدثنا جدي عن أبيه عن جده قال: يروى أن رجلا يدعى بنعرعار،أتى من نواحي بني يدرار،هاربا بعد أن إرتكب جريمة قتل دفاعا عن عرضه،في يوم من أيام الصيف المحرقة ،فقصد بل إلتجئ الى سيدي منصور وأهل الضحية يلاحقونه عازمين على قتله،فأخفاه بعدما سرد عليه قصته،ولما تجمهرت خيول أهل الثأر توسل إليهم سيدي منصور طالبا العفو والصلح،لكنهم رفضوا وهددوه بالقتل إن هو رفض تسليمه لهم وتستر عليه،وبينما هم يتوعدونه بالهلاك ،إنحنى سيدي منصور أرضا وسجد سجدتين ورفع يديه الى السماء ،وكانت الإستجابة قريبة سريعة،ففي رمشة عين تحولت السماء الزرقاء الصافية الى غيوم سوداء فإنطلق البرق الخاطف والرعد المزمجر، وسقطت أمطار أكثر من غزيرة،وإمتلأت الوديان وإنقلبت الدنيا رأسا على عقب،وإرتخت الارض وأصبحت قابلة لإبتلاع أي شيئ…فاحتار أهل الثأر واصابهم الحمق،ففروا مذعورين تاركين خيولهم مغروسة الأرجل في الأرض وهي تصهل صهيلا،وإندلعت الحيرة في قلوب الناس ، وأختلفت التفسيرات بين الغرابة والمعجزة…وتناقلت الألسنة حادثة سيدي منصور وضيفه بن عرعار،والخيول المغروسة…فإزدادت ثقتهم به كثيرا ،وأصبح إسمه مبجلا معروفا لدى الكبير والصغير وفي كل القبائل والدواوير والمدن المجاورة …وقالوا وقيل عن سيدي منصور في ذللك الوقت ولازالوا يرددون ذلك حتى الساعة:( سيدي منصور آ القايم غراس الكوم في الصمايم…بييت أرعودها تزكزل صبح ويدان حاملا…) وظل هذا الإسم منقوشا على كل لسان الى درجة أن سكان المنطقة لازالوا يحلفون ويقسمون به كقولهم: حق سيدي منصور حق غراس الكوم .
ومن ثم فقد أصبح من الضروري إعطاء لقب لدواويره فكان إسم ولقب أولاد منصور نسبة الى إسمه ،هو اللقب الرائد الى يومنا هذا.مازلنا نحمل في الوثائق الرسمية ( دوار لعراعرة أولاد منصور ) ونعتقد هنا بقوة ،بأن سيدي منصور لم يترك ولدا ولا نسلا ،بل الذي أنجب وترك ذريته هو خادمه بن عرعار الذي أنقذه من موت حقيقي……..
وبعد وفاة سيدي منصور ،أمسى سكان المنطقة ،بما فيهم أولاد منصور ولعثامنة وبني منكوش ……يحيون ذكراه ،إلى أن تحولت بعد مرور الزمن إلى وعدة ،يعلن عنها قرابة الاسبوع ،فيحضرها القريب والبعيد،فينصبون الخيام ويطعمون الطعام المسقي بالعسل والسمن ،وفي الاخير ينادي مناد فيجتمعون على شكل دائرة يتوسطهم فقيه فيقرؤون معه الفاتحة ،ويتضرعون الى الله سبحانه وتعالى لينعم عليهم بالخير والبركة ويدعون الله بقولهم اللهم إسقي عبادك وبهيمتك وأنشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
وتجدر الإشارة هنا ،بأن الوعدة كان يحتفل بها عند حدود 15 غشت (اوت) أي أن إحياء الذكرى يرجع بالاساس الى ذكرى ( الخيول المغروسة ) والامطار التي تهاطلت في موسم معروف بحرارته الملهبة والمحرقة ،ونظرا لأسباب إقتصادية وإجتماعية ،تتلخص في عدم القدرة على إطعام جميع المقبلين والوافدين ،أجمع واتفق المنظمون لهذه الوعدة بتأخير تاريخ إحياءها.
بقلم: عبدالمومن سنوسي
تعليقات
0