جريدة البديل السياسي
مليود الشعبي: من فتى فقير إلى إمبراطور الخير والعمل الحلال رحمة الله عليه معامل تشغل الناس وبيوت تعيش بفضل الله وبصمته
اعداد بدر شاشا
في قلب المغرب، بين أحضان الريف الصغير وقرى الأطلس، وُلد شاب بسيط، لم يعرف الفخامة ولا المال، ولم تكن حياته سوى كفاح يومي. هذا الشاب كان مليود الشعبي، الذي سيصبح لاحقًا أحد أعظم رجال الأعمال في المغرب، ليس فقط بفضل نجاحه الاقتصادي، بل بفضل أثره الخيري والاجتماعي العميق، وإيمانه بأن النجاح الحقيقي يأتي من العمل الصادق والقيم الثابتة.
بداية بسيطة، حلم كبير
ولد مليود الشعبي في قرية صغيرة قرب الصويرة عام 1930، في أسرة فقيرة تكافح من أجل البقاء. طفولته كانت مليئة بالتحديات؛ منذ الصغر كان يعمل في الزراعة وفي الأعمال اليدوية لمساعدة أسرته. لم يكن لديه أي موارد، إلا عزيمته وإيمانه بأن الحياة يمكن أن تكون أفضل، وأن الفقر ليس نهاية الطريق.
كان يرى في كل يوم فرصة لبناء ذاته، وفي كل تحدٍ درسًا للحياة. لم يكن يحلم بالثراء فقط، بل بحياة كريمة، وفرص للآخرين، وترك أثر إيجابي في مجتمعه
بسبب درس صغير وقع له غير حياته
البداية العملية: البناء والعقار
مع تقدمه في السن، انتقل الشعبي للعمل في المقاولات والبناء في القنيطرة، حيث تعلم كل تفاصيل المهنة واكتسب خبرة عملية لا تُقدّر بثمن. لم يكن مجرد عامل؛ بل كان يراقب السوق ويحلل الفرص، ويبحث دائمًا عن مشروع صغير يمكن أن يتحول إلى نجاح كبير.
في سنوات قليلة، استطاع أن يؤسس أول شركاته الصغيرة في مجال البناء، ثم توسع تدريجيًا إلى العقار والإسكان الاقتصادي، مقدمًا مساكن تناسب القدرة الشرائية للمغاربة البسطاء، مع الحرص على الجودة والأسعار العادلة.
دخول عالم الصناعة: السيراميك أولًا
مع مرور الوقت، قرر الشعبي أن يتحرك نحو الصناعة. أسس أول مصنع للبلاط والسيراميك في المغرب، وهو مشروع جمع بين خبرته في البناء وحاجة السوق المحلي إلى مواد البناء.
لم يكن هذا المصنع مجرد مشروع تجاري، بل كان بداية إمبراطورية صناعية، حيث أصبح معروفًا في السوق المغربية وبدأت علامته التجارية تأخذ مكانتها بين الشركات الرائدة.
تأسيس مجموعة Ynna Holding
مع توسع أعماله، أسس الشعبي مجموعة Ynna Holding، التي جمعت تحتها شركاته في مجالات متعددة: البناء، الصناعة، مواد البناء، الطاقة، التجارة، والتوزيع، والسياحة.
أبرز شركاته ومشاريعه:
Super Cerame: صناعة البلاط والسيراميك.
Electra: الكابلات الكهربائية والمكونات الصناعية.
Aswak Assalam: سلسلة متاجر وهايبرماركت لتوزيع المواد الاستهلاكية.
Ryad Mogador: فنادق تهتم بالقيم الأخلاقية، دون بيع الكحول.
Chaabi Lil Iskane: مشاريع إسكان اقتصادي واجتماعي لدعم الأسر المغربية.
والمزيد والمزيد
هذه المشاريع لم توفر فرص عمل لعشرات الآلاف من الأشخاص فحسب، بل كانت نموذجًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، التي تجمع بين الربح والمسؤولية.
العمل الحلال والقيم الثابتة
كان الشعبي ملتزمًا بمبادئه منذ البداية: العمل الحلال، الصدق في التجارة، احترام القيم الاجتماعية والدينية. لم يسمح أبدًا ببيع الكحول في فنادقه أو أسواقه، رغم أن ذلك كان مصدر ربح كبير.
هذا المبدأ جعل أعماله نموذجًا يحتذى به في المغرب، ومثالًا حيًا على أن النجاح يمكن أن يكون شريفًا ومستدامًا، دون التفريط في الأخلاق أو القيم.
البصمة الخيرية والاجتماعية
لكن نجاحه لم يكن محدودًا بالأعمال التجارية فقط؛ بل امتد إلى مجال الخير والعطاء. أسس الشعبي مؤسسات لتقديم الدعم للأسر الفقيرة، الطلاب، الأرامل، والمناطق النائية.
من أبرز أعماله:
بناء مدارس ومراكز تعليمية في القرى المغربية.
تقديم منح دراسية للطلاب المتفوقين.
دعم مشاريع الإسكان الاقتصادي للأسر محدودة الدخل.
تقديم مساعدات مباشرة للأسر المحتاجة من خلال مؤسسة مليود الشعبي للتضامن والخير.
هكذا أصبح الشعبي رمزًا للعطاء، يؤمن أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالمال فقط، بل بما تقدمه للآخرين من فرص وحياة كريمة.
إرث خالد بعد الرحيل
توفي مليود الشعبي في 2016 عن عمر يناهز 85 عامًا، تاركًا إرثًا ضخمًا: مصانع تشغل آلاف العمال، مشاريع خيرية تدعم الأسر، وتعليمًا وفر فرصًا للشباب، وأخلاقًا يحتذى بها.
لقد أظهر مليود الشعبي أن الإنسان يمكنه أن يبدأ من لا شيء، أن يبني إمبراطورية اقتصادية كبيرة، وأن يترك أثرًا اجتماعيًا خالدًا، كل ذلك بالحلال والعمل الجاد والمبادئ الثابتة.
قصة مليود الشعبي هي أكثر من نجاح اقتصادي؛ إنها حكاية كفاح وعطاء، رمز للصبر والإيمان والكرم، وقدوة لكل من يسعى لتحقيق النجاح دون أن ينسى أصله وقيمه.


تعليقات
0