جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

مدرسة العالم الأزرق… حيث نتخرج بشهادة في الجهل… بقلم: حليمةصومعي.

542691282_2211570452643147_1216823892207624682_n

جريدة البديل السياسي – بقلم: حليمةصومعي.

أصبحنا اليوم نعيش داخل شاشة صغيرة، نكتب ونتناقش ونحلل، نحلم ونثور ونحكم على الآخرين بكبسة زر.

نحسب أننا نرتقي فكريًا ونتوسع إدراكًا، لكننا في الحقيقة ندور في دائرة ضيقة من الجهل المقنع بالمعرفة. نغوص في “العالم الأزرق”، هذا الفضاء الذي وعدنا بحرية التعبير، فإذا به يقيد عقولنا بخيوط خفية من التكرار والتبعية. كل منشور يشبه الآخر، وكل رأي هو صدى لآخر سابق، حتى أصبح الفكر سلعة رخيصة تُباع باللايك وتُقاس بالمشاهدات.

منصات التواصل التي كان يُفترض أن تكون جسورًا للتواصل، تحولت إلى ساحات للصراخ. لا أحد يصغي، لا أحد يبحث عن الحقيقة.

الكل يريد أن يتكلم، أن يُثبت أنه على صواب، حتى لو لم يقرأ، ولم يتأكد، ولم يفكر.

نتناقش في السياسة بلا وعي، وفي الدين بلا علم، وفي القيم بلا تربية. نُهاجم بدل أن نحاور، نُسقط بدل أن نبني، ونقضي ساعات طويلة أمام الشاشات دون أن نخرج بفكرة واحدة تنفعنا أو تنفع غيرنا

. كأننا في مدرسة كبيرة، لكن بلا معلمين، بلا قيم، بلا تربية. مدرسة يتخرج منها جيل يعرف كل شيء… إلا الحقيقة.

جيل يظن أن الثقافة هي كثرة الكلام، وأن الوعي هو مخالفة الآخرين، وأن الحرية هي أن تسيء وتتهم وتُحاكم دون دليل. لقد صار الجهل اليوم أنيقًا، يتخفى خلف الشاشات، يرتدي بدلة التحليل، ويتحدث بلغة الأرقام والمصطلحات.

لكنه جهل قاتل، يستهلك عقولنا ووقتنا، ويجعلنا ندور في نفس الدائرة، دون خطوة واحدة نحو النور. العالم الأزرق لم يعد فقط مرآة لواقعنا، بل صار صانعه.

فإذا لم ننتبه، سيستمر في تشكيلنا كما يشاء، حتى نصبح نسخًا متشابهة، بلا فكر، بلا هوية، وبلا وعي. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذا الفضاء ذاته يحمل في طياته إمكانيات هائلة لو أحسنا توجيهه.

فكما تنتشر فيه الفوضى بسرعة، يمكن للوعي أن ينتشر أيضًا بقوة مضاعفة. المسألة ليست في الوسيلة، بل فيمن يستخدمها.

فحين ندرك أن الكلمة مسؤولية، والرأي التزام، والنقاش طريق للفهم لا ساحة للغلبة، سيتحول العالم الأزرق من مدرسة للجهل إلى جامعة للوعي، ومن فوضى فكرية إلى ورشة بناء للمستقبل.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي