بقلم: [ رشيد اخراز ] – جريدة البديل السياسي
في عالم يتسارع إيقاعه يومًا بعد يوم، وتضيق فيه المسافات الظاهرة بينما تتسع الهوة العاطفية بين القلوب، يبقى حب الوالدين لأبنائهم النبع الوحيد الذي لا ينضب، مهما جفّت ينابيع العطاء الأخرى. إنه حب لا يشترط ولا يُطالب، حب يفيض بالصبر والبذل والتضحية، ومع ذلك، كم من الأبناء يمرون على هذا الحب مرور الكرام، غافلين، حتى يستيقظوا على صوت الفقد والرحيل، حيث لا تنفع دموع ولا يجدي ندم.
الأم التي سهرت على مرضك، وخافت عليك من نسمة الهواء، والأب الذي ضحى بأحلامه ليبني لك طريق المستقبل، كلاهما لا يطلب منك مقابلاً ماديًا، ولا ينتظر منك جائزة، بل يكفيهما أن تكون بخير، أن تبتسم، أن تنجح، أن تذكرهما بكلمة طيبة. ومع ذلك، كم من المرات نتجاهل مكالمة هاتفية منهم، أو نؤجل زيارتهم إلى حين، متناسين أن «الحين» قد لا يأتي أبدًا، وأن ساعة الندم لا تدق إلا بعد أن يصمت كل شيء.
كم من القصص المؤلمة نسمعها كل يوم: ابن لم يرَ والدته منذ شهور، بحجة انشغاله، حتى جاءه الخبر الصاعق: “أمك في ذمة الله”. أو ابنة لم تتحدث مع والدها بسبب خلاف صغير، وظلت تقسو عليه بصمتها، حتى وُضع بين يديها بلا حراك. وحينها فقط، تنهار القلوب وتتعالى شهقات «ليتني»… ليتني زرتها، ليتني اعتذرت، ليتني عبّرت عن حبي، ليت… و«ليت» لا تعيد زمنًا ولا توقظ راحلًا.
إن برّ الوالدين ليس مجرد واجب ديني أو خُلق اجتماعي، بل هو أيضًا علاج لقلوبنا نحن الأبناء، ووقاية من شعور الفقد القاسي.
فكم من ابنٍ بارٍ يعيش اليوم.
تعليقات
0