جريدة البديل السياسي |البديل الاقتصادي

لحم برازيلي بثمن مغربي… لغز الاستيراد الذي يطارد جيوب المواطنين.

téléchargement (9)

جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار.

تبدو قصة البقر البرازيلي المستورد إلى المغرب وكأنها حكاية من الأدب الساخر، لكنها للأسف واقع يعيشه المواطن يومياً.

فالبقر القادم من وراء المحيط، وخاصة سلالة “نكوس” البرازيلية المعروفة بانخفاض تكلفة تربيتها وإنتاج لحمها بثمن هزيل مقارنة بالسلالات الأخرى، يجد طريقه إلى أسواقنا ليباع للمستهلك المغربي بثمن يعادل — بل في بعض الأحيان يضاهي — سعر اللحم المحلي، بما في ذلك لحم الأبقار المركبة المغربية التي تُعد تكلفة إنتاجها متوسطة. تناقض غريب لا تفسير اقتصادي واضح له.

في سيدي بنور، المدينة التي ارتبط اسمها بالإنتاج الفلاحي الوطني، تتعاقب الشاحنات المحملة بالمواشي المستوردة نحو المجازر المحلية، حيث تُذبح وتوزع على الأسواق، دون أن يلمس المواطن أي أثر للوعود التي قيل يوماً إنها ستنعش قدرته الشرائية وتكسر حدة الأسعار.

فاللحم المستورد — خصوصاً لحم أبقار “نكوس” الأقل كلفة — الذي كان يُنتظر أن يشعل المنافسة ويضغط على السوق، اكتفى بأن يشارك اللحم الوطني رفوف الجزّارين… بنفس الثمن تقريباً، وكأن شيئاً لم يتغير. الأسئلة تتزاحم في أذهان الناس: كيف يدخل اللحم بثمن منخفض ويخرج إلى السوق بثمن مرتفع؟ أين تتبخر الفوارق؟

وما الذي يعطل آليات المنافسة التي يُفترض أن تحمي المستهلك من “اجتماع المصالح” الذي قد يخنق السوق؟ في خضم هذا الجدل، يجد المواطن نفسه يتساءل عن دور الجهات المكلفة بالرقابة، بدءاً بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الذي يُفترض أن يضمن الجودة والشفافية، مروراً بمجلس المنافسة الذي ينبغي أن يراقب دينامية الأسعار ويحمي السوق من أي ممارسات تعطل التوازن، وصولاً إلى جمعيات حماية المستهلك التي تبدو وكأنها تصرخ في فضاء لا يجيب فيه أحد.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه الوعود بإغراق السوق باللحم المستورد لتخفيض الأسعار، يواصل المواطن مراقبة الفاتورة التي ترتفع بلا رحمة، وكأنه المتضرر الوحيد في معادلة لم تُصَمَّم لصالحه. فالبقر يُذبح في المجزرة، لكن الشعور السائد هو أن القدرة الشرائية هي التي تدفع الثمن الحقيقي.

هكذا تتحول قصة الاستيراد — التي كان يُنتظر أن تكون خلاصاً — إلى لغز يثير الاستغراب ويدفع الرأي العام للتساؤل عن منطق الأسعار، وعن المستفيد الفعلي من هذه العملية التي لم تُثمر إلا مزيداً من الحيرة. ويبقى الأمل أن تأتي الشفافية لتضع النقاط على الحروف، قبل أن يفقد المواطن ثقته في قدرة السوق على الإنصاف.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي