جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

في رثاء الاتحاد الاشتراكي… جثةُ حزبٍ ما زالت لم تُدفن.

520140445_1443430316842444_2440753793244413449_n

جريدة البديل السياسي – بقلم: محمد الحدوشي .

كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذات زمنٍ حلمًا كبيرًا، يحمل بين جنباته آمال شعب، ويختزن في ذاكرته وجع أجيال ناضلت من أجل وطن حرّ وديمقراطي.

حزبٌ لم يكن مجرد إطار تنظيمي، بل كان مدرسة في النضال، ومحرابًا للفكر، ومنارة تضيء للمجتمع دروب التغيير.

غير أن هذا الحزب، الذي كتب تاريخه بالدم والدموع، لم يمت فجأة… بل احتُضر على مهل، وها نحن نعيش فصول نهايته البائسة، وهو جثة سياسية تتعفّن في قسم الإنعاش، دون أن يجد من يتجرأ على إعلان وفاته أو يملك الشجاعة لدفنه كما يليق بتاريخ الشهداء والمضحين.

الاتحاد الاشتراكي، الحزب الذي لطالما مثّل ضمير الأمة، أصبح اليوم بلا ضمير ولا ملامح. لا هو حيٌّ فتُرجى منه صحوة، ولا هو ميتٌ فنطوي صفحته ونبكي عليه كما يُبكى على الكبار.

بل هو كيان مُنهك، تتآكله الصراعات، ويغرق في فوضى القرارات المرتجلة، ويفتقد إلى بوصلة سياسية وأخلاقية تقوده نحو المستقبل. إنه جسد مريض، لا ينقصه الأطباء، بل تنقصه النيات، والحسّ التاريخي، والغيرة الصادقة. لقد أصيب هذا الحزب بأورام خبيثة أنانية قاتلة، وتكالب على المواقع، واغتيال متعمّد للمبدإ، واستقالة جماعية من الصرامة والشجاعة والتضحية. نعم، هناك رجال ونساء أطهار في الصفوف، ولكن كم من أعضاء بقي فيهم “الاتحادي” الحقيقي؟

ذاك الذي يؤمن بأن السياسة تضحية لا غنيمة، وأن الكرسي وسيلة لا غاية؟ من أوصل الحزب إلى هذا الانحدار؟ إنهم أولئك الذين تسلّلوا إليه بخيوط المكر، وارتدوا عباءته دون أن يحملوا روحه. إنهم من نسوا عبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمان اليوسفي ، ومحمد اليازغي، وكل أولئك الذين وهبوا أعمارهم من أجل أن يكون “الاتحاد” فكرة وطنية متجاوزة للذوات. لقد تحوّل الحزب على أيديهم إلى دكان سياسي، وإلى منبر للمناورة لا للمبادرة، وصار الرئيس يُقاد بدل أن يقود، يتريّث حيث يجب أن يحسم، ويتراجع حيث ينبغي أن يواجه.

فليعلم الجميع أن الاتحاد الاشتراكي لم يمت بعد، ولكنه يحتضر في صمت. هو في قسم الإنعاش، وجثته الثقيلة تحتاج من يتكفّل بإعادة الروح لا بالتأبين. ومهما كانت حالته، فلا أحد يملك حق إعلان وفاته، لأن من حق هذا الشعب أن يرى حزبه التاريخي يعود من الغيبوبة، ولكن بشروط: استئصال الأورام، وتنظيف الجسد من الخونة، والعودة إلى المدرسة الاتحادية كما بناها الرواد، صرامة في القرار، شجاعة في الموقف، ووطنية لا تباع في المزاد.

التاريخ لن يرحم من صمت، ولن يغفر لمن تواطأ. فمن كان قادرًا على إنقاذ الحزب ولم يفعل، فعليه أن يتحمّل وزر الجريمة. لأن الاتحاد الاشتراكي ليس مجرد حزب…

إنه ذاكرة وطن، وخيانة الذاكرة أشد من خيانة السياسة. ويا اتحاديي الزمن الجميل اتحدوا، فالجثة لم تُدفن بعد، وربما بقي في الجسد نفسٌ أخير… ينتظر قبلة حياة من صادقٍ لم ينسَ قسم البدايات.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي