كتاب وآراء

غشاء بكارة / قصة قصيرة/ ذ:عبد المجيد طعام

غشاء بكارة / قصة قصيرة/ عبد المجيد طعام

من مجموعة كليشيهات مشروخة

إلى كل الذين يناضلون من أجل هدم أصنام الكليشيهات الجاهزة

وهو يستعد للسفر إلى المدينة الجامعية ، أحس لأول مرة بحركة الزمن وقد استحالت نسائم لطيفة تنعش وجهه وتتلاعب بشعره الأسود الكثيف ، أحس لأول مرة بالزمن وقد استحال نورا أضاء العتبات المظلمة في قريته الصغيرة المحاصرة بين جبال من الأجداد والصخور الصلبة. لاحينما ولج بوابة الجامعة صرخ بكل ما حملته رئتيه من هواء جديدة : ” هاأنذا وصلت أيتها الجامعة ! هاأنذا تحررت من كل الجبال الباردة ! هاأنذا أنا ! ”

منذ أن سجل في شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أصبح لا يتحدث إلا عن الفلسفة ، ثم أصبح يتحدث بالفلسفة ، في كل أحاديثه الفلسفية كان يعبر عن هوس البحث عن نصفه الآخر ، قال لأصدقائه الذين يتقاسمون معه غرفة ضيقة بالحي الجامعي :” على المثقف أن يبحث عن نصفه الآخر المثقف ، لا أتصور نفسي أعيش مع نصفي غير المثقف ، أريد نصفا متحررا من كل الكليشيهات الجاهزة لنبذر معا بذور التغيير ، أن الأوان أن نتحمل مسؤوليتنا لننجب جيلا يبني مجتمعا جديدا ”

عقد علاقات صداقة مع كل الذين يشاركونه نفس الأفكار ، كان يقضي معهم ليالي بيضاء داخل الغرفة الضيقة ، يناقشون يرسمون مشاريع التغيير ، في كل نقاشاتهم كانوا يكتشفون فيلسوفا أو مفكرا جديدا ، يحفظون بعض أطروحاته و أقواله وعناوين كتبه ،إلى أن حطوا الرحال عند كارل ماركس نصبوا خيمتهم بجانبه وقرروا ألا يرحلوا .

كلما تعرف على شركاء جدد في الأفكار ومشاريع التغيير كان يقدم نفسه فيقول : ّ معكم السي محمد ” وحينما يشعر باستغراب الشركاء ، يلجأ إلى التبرير يقول مثلا :” أعرف أنكم تستغربون عندما تسمعون اسمي ، ولكن ” السي محمد” هي من بقايا إرث أرستقراطي لازلت أحمله من قريتي المستقرة في سفح جبال من أجداد وصخور صلبة تأبى التفتت بسرعة … أنا أقوم يوميا بمراجعات ! ! ”

حينما التقى لأول مرة حورية لم يجد أي حرج عندما قال لها :”معك السي محمد “وهو يقدم نفسه لهذه الطالبة الجامعية التي سكنت أحلامه قبل أن يراها . تعرف على حورية صدفة وهما يقفان في الطابور الطويل أمام مطعم الحي الجامعي ، دخلا معا إلى المطعم ، مرا معا أمام الطباخين الذين يلقون أشياء تشبه الطعام على الصحن المقسم إلى حصص غير متساوية ، حملا صحنيهما واتجها نحو الطاولة وجلسا معا ، كانا يأكلان ويتبادلان حديثا مقتضبا ،وأحيانا كانا يسرقان نظرات من عيني بعضهما ، كان السي محمد يأكل ببطء شديد ليطيل زمن اللقاء ، وكانت حورية تشعر بلذة طعام تسبب لها في أمراض كثيرة ، أحبت الطعام وأحست بدغدغة تسري في جسدها . حدثها السي محمد عن طفولته القاسية وإرادته لتغيير القدر ، حكى لها كيف أن أباه كان يريده فلاحا يحافظ على أرض الأجداد ، قال لها :”كان أبي يريدني فلاحا ، وأنا أريد أن أصبح أستاذ فلسفة … أستاذ يحمل أفكار التنوير والحداثة يحطم الطابوهات ويمزق الكليشيهات و يعمل من أجل تغيير المجتمع ” وباندفاع الإرادة القوية التي تعلمها من نيتشه قال لها : ” اخترت الفلسفة لأن الفلسفة هي الإنسان ! إنها طريق التغيير! سأصبح أستاذا ثوريا ! أنا أومن بالتغيير أحورية! ”

كل ما كان بين السي محمد وحورية حدث بالصدفة ، حتى الحب الذي نشأ بينهما قويا ، نشأ في الطابور وداخل المطعم بالصدفة وامتد في الزمن مدة سنتين ، حصل فيهما على إجازة في الفلسفة ، بينما حصلت هي على إجازة في الفرنسية .

قررا أن يتحكما في زمن الحب ، أخرجاه من قانون الصدفة حينما ولجا معا المدرسة العليا للأساتذة ، تخرجا منها بعد سنة ، لكن الصدفة كانت بجانبها مرة أخرى ، تم تعيينهما للعمل في نفس المدينة ،فاتفقا أن يعيشا معا تحت سقف واحد خاصة وأن أشياء كثيرة تجمع بينهما : الحب ، سنوات الدراسة الجامعية ، الأفكار ، الأحلام ، مشاريع التغيير ، كانا يشتركان في نفس الأسئلة الوجودية.

كل ترتيبات الزفاف مرت بسرعة، وكانا على موعد مع ليلة العمر ، الليلة التي أثثت مخيالهما بفانتازمات فيها الكثير من الحرية والإيمان بالمناصفة في المتعة واللذة الحميمية.

في قريته القابعة في سفح الجبال المتكونة من الأجداد والصخور الصلبة ، أين توقف الزمن منذ قرون عديدة ، جهزت له عائلته الممتدة غرفة ألبسوه سلهام جده سيدي بن عبد السلام وأدخلوه على حورية ، جلس بجانبها على السرير الصلب، رفع عنها غطاء الوجه وقال لها :” مرحبا بك حورية عمري ، في بيت ابي وجدي ”

نظرت إليه نظرات عشق وقالت له:” أحبك أ محمد ” رفع عينيه نحوها باستغراب مريب وقال لها :” محمد حاف ؟ أظن أنك تعرفين أن اسمي السي محمد …اسمي بالكامل هو : السي محمد بن سيدي بن عبد السلام ” ظنت أنه يريد إضحاكها من أجل مداعبتها كما كان يفعل أيام الدراسة ، فابتسمت ابتسامة مغرية ، لأنها تعرف أن محمد تخلص من رواسب ارستقراطية وهمية ، وتشبع بالأفكار الماركسة والديمقراطية والحداثة والتنوير .

من وراء باب الغرفة الموصدة كان يقف أبوه وأمه وأخواته وإخوته وعماته وخالاته وأعمامه وأخواله ، كانوا ينتظرون أن يرمي لهم بلباس نومها الأبيض الشفاف وقد خضبته دماء الشرف ، لكن محمد تعطل في مهمته الرجولية ، فارتفعت حدة القلق بين كل الحاضرين ” ماذا حدث ؟ هل أصيب السي محمد بعين أو سحر ؟ هل زوجته ليست عذراء ؟ ” كانت نفس الأسئلة التي لم تطرح علنا تنتقل بين كل الحاضرين ، فجأة علا صراخ حورية ، في البداية انتاب كل الذين اصطفوا وراء الباب الموصدة شعور بالافتخار بقوة وفحولة ” السي محمد ” ، لكن فانتاوم الرجل الفحل سرعان ما انهار حينما فتح محمد الباب ودفع بحورية خارج الغرفة ” ماذا وقع السي محمد ؟ ” صرخ عمه الكبير بن سيدي عبد السلام ” إنها امرأة ، إنها ليست عذراء ، لقد خدعتني الفاجرة مدة ثلاث سنوات ” رد محمد بهستيريا.

بعد أيام قليلة، أرسل محمد رسالة إلى حورية كتب فيها : ” حبيبتي حورية ، اعتذر على ما بدر مني ، لم يكن بإمكاني أن أخرج من الغرفة دون قميص نومك الأبيض الشفاف مخضبا بالدماء ، كل القبيلة كانت تنتظر أن ترى دم الشرف والرجولة ، لم أجد كيف أنقذ رجولتي أمام القبيلة من وسيلة إلا أن أتهمك بفقدان العذرية ، لا زلت أتذكر يوم فقدت عذريتك معي تحت إلحاحي ، أتذكر ذلك يوم جيدا .. لقد كنا رائعين ونحن نمارس الجنس بحرية مجنونة ، لا زلت أتذكر كل التفاصيل ، ذلك اليوم كان استثنائيا ، مارسنا الجنس احتفالا بنيلنا الإجازة ، أنت نلت الإجازة في الفرنسية لغة موليير وعصر الأنوار ، وأنا نلت الإجازة في الفلسفة التي لا يمكن للإنسان أن يكون إنسانا بدونها … حبيبتي حورية قررت أخيرا أن أتخلص من سلطة الجبال والأجداد ، لقد قمت بمراجعات جدية لكل الرواسب العالقة بي ، أصبحت مهيأ لأتحدى كل الطابوهات وأصنام الكليشيهات سأنزع عني سلهام جدي وأتخلى عن السي محمد بن سيدي عبد السلام لأصبح فقط محمد المثقف المتنور الحداثي … حبيبتي أنا انتظر صفحك عني لنبدأ معا مشروع التغيير … أحبك ”

دون أن تقرأ رسالة محمد ، حذفت حورية رقمه من لائحة أرقام هاتفها ، حرقت كل صوره وذكرياته ، وبدأت أول خطوة في مشروع التغيير الذي أسسته وهي طالبة جامعية .

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار