ضيف البديل

عنوان: “فلاش من بوبلاو – حي الكرم والروح الواحدة” ..بقلم الاستاذ جمال الغازي

بقلم الاستاذ جمال الغازي – جريدة البديل السياسي 

عنوان: “فلاش من بوبلاو – حي الكرم والروح الواحدة” .

 

في أعماق الذاكرة، حيث تزدهر الحكايات البسيطة التي تشع دفئا وإنسانية، يقف حي بوبلاو شاهدا على زمن عاش فيه الناس بأرواحهم أكثر مما امتلكوه من ماديات.

هذا الحي الشعبي الذي اعتلى الجبل كحارس للمدينة، كان ملاذا للقلوب المتعبة، وبيتا مفتوحا لكل من طرق بابه. هناك، في بوبلاو، كان الكرم شريعة، والجيرة الطيبة واحة أمان في صحراء الحياة القاسية.

فوق طرقاته الترابية وأزقته التي تلتف كخيوط الماضي، تشكّلت ملامح حي بوبلاو، الذي جمع في صدره أطيافا من مختلف الأصول، من مجندين سابقين في الجيش الإسباني إلى عائلات ريفية واخرى تقول انها من اصول عربية هجرت البوادي بحثا عن حياة أكثر رحمة.

رغم تواضع البيوت وتراكم التعب في وجوه ساكنيه، كان الحي ينبض بروح عظيمة لا تعرف الضيق، وكرم لا يخبو، كأنه نهر لا ينضب.

من بين هؤلاء السكان، تبرز صورة خالتي خديجة، المرأة الشبذانية(نواحي قرية اركمان) التي كانت تجسد الجيرة الصادقة والكرم النبيل. لم تكن مجرد جارة، بل كانت أما ثانية لكل من عرفها. بوجهها المشرق وابتسامتها الدافئة، جعلت من بيتها محطة لكل صغير وكبير، وملجأ لكل جائع أو متعب.

أتذكر، كطفل صغير، رائحة خبز “ثشنيفت” التي كانت تصنعه بيديها بحب وإتقان. ما إن تلامس تلك الرائحة أنفي حتى أفقد صبري، وأهرع إلى عقر دارها، غير مبال بشيء سوى الحصول على قطعة من ذلك الخبز الساخن.

كانت تستقبلني بضحكة تفيض حبا، تقدم لي خبزا يفيض دفئا، وأقسم أن طعمه يفوق كل عسل الحلويات التي عرفناها يوما من الأيام.

لم تكن خالتي خديجة استثناءا، بل كانت رمزا لروح الحي بأكمله. في بوبلاو، لم تكن الجيرة مجرد حدود بين البيوت والجدران، بل كانت علاقة أعمق وأصدق، كأن الجميع عائلة واحدة.

الأفراح كانت تُقسم بين البيوت، والأحزان كانت تُحمل على أكتاف الجميع، فلا يترك أحد بمفرده في مواجهة الحياة ولا ترى احد يبكي في ركن غريب بعيد.

وسط هذا التآلف، وُلدت لغة الحي الخاصة، “ثعرابت نبوبلاو”، التي كانت انعكاسا للانسجام بين سكانه. مزيج ساحر من الريفية والدارجة المغربية، نُسجت كوسيلة للتفاهم والانفتاح، تُحكى بها الحكايات، وتُدار بها الحوارات، وتنقل بها المشاعر.

كانت بصمة فريدة، لم تُسمع خارج أزقة الحي، لكنها حملت روح المكان وذكرياته.

بوبلاو لم يكن مجرد حي، بل كان حياة مكتملة بنكهتها الخاصة، حياة علّمتنا معنى الكرم الحقيقي، والبساطة النبيلة، وكيف يمكن للأرواح المتواضعة أن تصنع من الحجارة والحلم عالمًا أجمل. حيٌ ظل خالدًا في الذاكرة، لأن القلوب التي بنت قصصه كانت أصدق من الزمان نفسه

. يتبع… بقلم: جمال الغازي.

دخول

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار