جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

عشرون دقيقة بين الخوف والنجاة…بقلم الأستاذ جمال الغازي

548176457_738662202505937_4776890734015579941_n

جريدة البديل السياسي – بقلم الأستاذ جمال الغازي 

عشرون دقيقة بين الخوف والنجاة

 

_______________’__________

كان الرنين المغناطيسي اكثر ما يوقظ خوفي.

لا اخافه لذاته، بل اخاف مما قد يكشفه، مما يسكن داخلي ولا افطن له، اخاف ان يضعني وجها لوجه امام حقيقة لم اتهيأ لها بعد.

في الليلة التي سبقته لم يزرني النوم.

تزاحمت الافكار في رأسي بلا رحمة، وتسللت الوساوس واحدة تلو الاخرى. تخيلت جاذبيته تحرك بقايا 1984 تلك القوة الخفية قد تنتزع من جسدي ما تبقى من ضعف او وجع. حتى خيالي تآمر علي، وصورت لي الالة ككائن صامت يعرف عني اكثر مما اعرف عن نفسي.

قررت ان اواجه خوفي بشيء من الحكمة. قبل الدخول اخبرت الممرض بقلقي، فناولني زرا صغيرا وقال بهدوء مطمئن: اضغط عليه اذا شعرت بشيء. كان ذلك الزر اشبه بحبل نجاة، الزر هذا لا قيمة في حجمه بل فيما يمنحه من طمأنينة.

في صباح العيادة كان المكان هادئا على غير العادة، فالاعياد المسيحية جعلت الممرات شبه خالية. خلعت ملابسي واحذيتي، وكأنني اتخفف من ثقل الحياة لا من الثياب. ثم ادخلت الى ممر ضيق، ثم الى آلة على شكل قبر ابيض بلا ملامح. اغلقوا اذني بحاجز عازل حتى لا اسمع ضجيج الالة، ومع ذلك كان صوت قلبي اعلى من كل شيء.

اغمضت عيني.

لا اريد ان ارى شيئا لعشرين دقيقة.

شعرت كأنني في عالم معلق بين الحياة والانتظار، في برزخ صامت لا يؤنسه سوى الدعاء. يا الهي سلم. كان قلبي يدق بعجلة، والزمن ثقيلا كأنه لا يريد ان يمضي.

حاولت ان اخدع عقلي. تارة اتركه يحلم، وتارة اوقظه ليتذكر انني ما زلت حيا، ان النفس تدخل وتخرج، وان هذه اللحظة مهما طالت ستنتهي . مرت الدقائق ببطء مرعب، لكنها مرت.

ثم جاءني صوت الممرض، ووجهه يحمل بشارة الخلاص. قال مبتسما: لقد نجحت، انتهى الفحص. اخرجني من ذلك القبر شيئا فشيئا، واسندني حتى وقفت ببطء. ثم قال انتظر، ساعطيك قرصا مدمجا، اما النتيجة فسنرسلها الى الطبيب.

وهكذا انتهى رعب اليوم.

قد يبدو الامر بسيطا في نظر الاخرين، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لي. فالنفس التي ذاقت الخوف من قبل لا تنساه بسهولة. تبقى الجروح القديمة حية في الذاكرة، تعود في كل مرة على هيئة حلم مفزع، تذكرني ان الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على العبور رغم حضوره.

انا خائف إذا انا موجود!

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي