“صيكوك” .. وجبة تستوقف سير السيارات على جنبات الطريق
كريمة الصاوي – جريدة البديل السياسي :
نحن من أبناء منطقة الريف وكلّ مرة نمر فيها من هذا الطريق، لا بد وأن نتوقف لتناول صيكوك، ونشتري اللبن والزبدة لأخذهما معنا”.. هكذا قال جمال العيساوي الذي توقف رفقة أصدقائه لتناول وجبة “صيكوك”، ليستطرد صديقه محمد الجابري :”إنها أكلة لذيذة وصحية، واللبن فيها يساعد الجسم على التخلص من السموم، هذا ما نعرفه عن فوائد هذه الأكلة”.
صيكوك.. هي وجبة مغربية تقليدية تعد في البيوت، وتباع في الأسواق أيضا، لكن اللافت هو انتشار باعة متخصصين في هذه الوجبة الشعبية، على جنبات الطريق في مختلف مدن المملكة.. ففي الطريق الرابط بين الناظور وبركان ، عبر عبر زايو ، اكتست طبيعة المكان حلة الربيع، حيث الخضرة على مد البصر، منظر يغري بالتوقف عنده، لكن الإغراء يتضاعف مع وجود “صيكوك”، الوجبة التي تجبر المسافرين على التوقف لتناولها.
تقول رقية ، إحدى بائعات صيكوك، وهي سيدة تجاوزت الستين من العمر، وخطوط الزمن والتعب علّمت على تقاسيم وجهها، إلا أنها لم تسلبها البشاشة، وعيناها الزرقاوان تنبض إصرارا وحياة: ” أعد صيكوك بالشعير، حيث أقوم بغسله لأزيل عنه شوائب وتراب الحصاد، وأقوم ببسطه فوق حصير تحت أشعة الشمس حتى ينشف، أقوم بتنقيته يدويا بإزالة ما تبقى من حجارة صغيرة، ومن ثم يطحن في المطحنة، ولا يتم طحنه بالكامل، بل يُترك خشنا قليلا”.
وتضيف رقية : ” طبخ الشعير يتم على البخار، فأملأ قدرا من الماء، يوضع فوقه إناء آخر ذو ثقوب تسمح بصعود بخار الماء عند غليانه، و في ذلك الإناء ذو الثقوب أضع الشعير الذي سبق وسقيته بكوب ماء، أكرر هذه العملية ثلاث مرات إلى أن ينضج الشعير، ثم أتركه جانبا حتى يبرد”.
تحضير صيكوك يحتاج مكونين أساسيين هما: الشعير ـ وقد شرحت رقية كيفية تحضيره ـ واللبن ـ وهو حليب تم خضه إلى أن صار لبنا رائبا.. وتقول رقية :” لدي خمس بقرات أحلبهن… فيما مضى كنت أستعمل طريقة تقليدية في خض الحليب، كانت جد متعبة، تتطلب مجهودا عضليا كبيرا، أما الآن فأستعمل محركا كهربائيا لخض الحليب، واستخلاص الزبدة، للحصول على اللبن”.
يتم مزج الشعير مع اللبن للحصول على صيكوك ، هذا المزج يتم عند الطلب، وهناك من الزبائن من يضيف قليلا من الملح وآخرون يفضلون إضافة السكر لتحلية طبقهم، بحسب رقية التي هي واحدة من نساء قرويات من ساكنات المراعى المجاورة، يعشن على فلاحة وزراعة الأرض، وقد وجدن مورد رزق إضافي لهن من بيع صيكوك.
تقولرقية : “أستعمل يوميا حصة كيلوغرامين من الشعير، أبيع زبدية صيكوك بثلاثة دراهم، و بعشرين درهما قنينة بسعة خمس لترات لبنا”.. ويعد الثمن المناسب للطبق أحد عوامل شعبية الأكلة، فهو غذاء للغني و الفقير.. كما أن صيكوك يستوقف المسافرين ليس فقط لإشباع جوعهم، بل لمنحهم الانتعاش في فترات الحر، لكونه طبقا يؤكل باردا، ويكثر الإقبال عليه خاصة في فصلي الربيع والصيف، حيث يتوفر إنتاج الحليب والألبان، التي تعد مكونا أساسيا لهذا الطبق الشعبي بامتياز، دون إغفال القيمة الغذائية المهمة لمكونيه.
محمد انجار، أستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة ، وخبير في علوم التغذية يقول في مدونته : “مزج حبوب الشعير مع اللبن طريقة تجعل الجسم يستفيد من كلا المكونين، لأن البكتيريا اللبنية هي الوحيدة القادرة على حل حمض الفيتيك الموجود في الحبوب والذي يشد الأملاح المعدنية الثنائية كالحديد والمنغنيز والزنك والكالسيوم”.. ويضيف أن “صيكوك وجبة تساعد على علاج السرطان، وتقي من التقرحات المعدية والإمساك وانتفاخ الأمعاء، وتساعد على تجنب عسر الهضم، وتحول دون الإصابة بالأنيميا، وتساعد على الحد من السمنة كما تعد أحسن غذاء للمصابين بالسكري وارتفاع الضغط والكوليستيرول “.
ويعتقد البعض أن أصل تسمية “صيكوك” أمازيغيّة، لكن بالرجوع إلى معجم “لسان العرب”، نجد مفردة “اصماك اللبن، أي خثر جدا حتى صار كالجبن. . ولبن صمكيك وصمكوك هو اللزج.. والصمكيك من اللبن الخاثر جدا وهو حامض”، وعند انتقال كلمة صمكوك للتداول في العامية، تم استبدال الميم في صمكوك بياء، فأصبحت صيكوك.
يرتبط صيكوك عند المغاربة عادة بالكسكس، حيث أن طريقة إعداد الشعير هي نفسها طريقة إعداد الكسكس، وعشاق هذه الأكلة قد خبروا فوائدها على صحتهم فلم يكتفوا بتناولها في بيوتهم، بل قد يضطر بعضهم إلى التوقف في طريق سفرهم للاستمتاع بهذا الطبق المغذي والمنعش في أحضان الطبيعة.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار