جريدة البديل السياسي
في خطوة مثيرة للجدل وتفتقر لأي بعد وطني أو تاريخي أو حتى شعبي، شهدت منطقة فرخانة التابعة لجماعة بني انصار عمالة الناظور تثبيت نصب تذكاري على شكل صليب في موقع وصفه السكان بأنه يحمل رمزية عسكرية وتاريخية مؤلمة ارتبطت بالاستعمار الإسباني وحروبه في الريف.
نصب أثار موجة من الغضب والاستنكار، ليس فقط بسبب رمزيته، بل لكونه جاء في وقت تغيب فيه المبادرات الحقيقية للاعتراف بالذاكرة التاريخية المحلية وتكريم الشهداء والمقاومين الذين سقطوا دفاعا عن الأرض والهوية. وعلى إثر هذا أصد المستشار البرلماني ورئيس جماعة بني انصار السابق “يحيى يحيى”، بيانا قويا جاء تحت عنوان دعم الساكنة المحلية في بني أنصار وفرخانة، كشف عن وجود استياء شعبي واسع من هذا الفعل الذي اعتبره إهانة صريحة للكرامة الجماعية للمنطقة، ومحاولة لإعادة تطبيع رموز الحقبة الاستعمارية، على حساب تجاهل تام لذاكرة المقاومة وتضحيات ابناء المنطقة في مواجهة آلة الحرب الإسبانية.
النصب المثير للجدل لم يسبق بتشاور مع الساكنة أو الفعاليات المحلية، ولم يطرح للنقاش في المجالس المنتخبة، بل تم بشكل مبهم، وأحيط بتكتم مريب. في المقابل، يطالب أبناء المنطقة منذ سنوات بإقامة فضاءات تخلد رموز المقاومة الوطنية، كموقع معركة أنوال أو ذكرى الشهداء، وهي مطالب قوبلت بالتجاهل، في الوقت الذي يسمح فيه بنصب رموز لا تحظى بأي إجماع محلي أو وطني او عقائدي او ديني.
ويؤكد البيان على خطورة المسار الذي تنهجه بعض المؤسسات الرسمية ويقصده هنا مجلس جماعة بني انصار ، والتي تفتقر لحس الانتماء وتعيد إنتاج منطق التغريب الثقافي وطمس الهوية، مشددا على ضرورة مساءلة المسؤولين عن السماح بإقامة هذا النصب، وتحديد خلفياته، والجهات التي روجت له، والغرض من تكريسه في هذا التوقيت بالذات.
كما إدانة البيان الاستفزاز الذي سببه هذا الفعل لأسر الشهداء وقدماء المقاومين وجيش التحرير، معتبرا أن الصمت الرسمي يزيد من عمق الجراح الرمزية التي لم تندمل بعد، خاصة لدى الجيل الذي لا يزال يحتفظ بذاكرة القمع والتهجير والاستعمار.
وفي ختام البيان، دعا يحيى يحيى إلى “إعادة الاعتبار للذاكرة الجماعية، وبناء نصب رمزي يخلد للتاريخ المشرف لمنطقة فرخانة ومحيطها”، مع التأكيد على أن المرحلة تتطلب مصالحة حقيقية مع الذات التاريخية للمنطقة، لا فرض رموز مستوردة لا تنتمي للوجدان الشعبي.
لقد آن الأوان، أن تتحرك الجهات الرسمية لوقف مثل هذه الانزلاقات، والانخراط في عملية إنصاف رمزية وتاريخية حقيقية للريف وأهله، لا أن تتحول مناطقنا إلى ساحات لتجارب رمزية هجينة، تفرض من فوق دون أدنى اعتبار للمجتمع المحلي أو لتاريخه الحي.
تعليقات
0