جريدة البديل السياسي
جل رؤساء الجماعات الترابية، يؤرقهم سؤال مصادر الثروات التي ظهرت عليهم، بعد سنوات طويلة من تحملهم مسؤولية التسيير والأمر بالصرف، وذلك لأن الجميع يعرف كيف كانت حالتهم المادية والاجتماعية، قبل دخول الانتخابات، وكيف تحولوا إلى رجال أعمال كبار يدخلون في شراكات مع منعشين عقاريين ومستثمرين لتبادل المصالح والاستفادة من امتيازات المنصب.
هناك رؤساء جماعات ترابية ظهر فشلهم الذريع في تنمية الجماعات الترابية التي يتحملون مسؤولية تسييرها لسنوات طويلة، ويفوزون في الانتخابات ويصنعون الأغلبيات المطلقة، دون معارضة لتسهيل المصادقة على المقررات والصفقات العمومية، حيث ظهر تحقيقهم لقفزة كبيرة على مستوى تحقيق حلم الثروة والنفوذ وربط علاقات متشعبة مع المركز، لضمان الاستمرار في التسيير والفوز بالتزكيات بشكل دائم، مقابل دفع المواطن لفواتير تراكمات الفشل وإهمال قضايا الشأن العام.
وللتستر على ثروات رؤساء جماعات وبرلمانيين، تضغط بعض القيادات الحزبية بكل قوة لعرقلة تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعطيل تفعيل قانون الإثراء غير المشروع، حفاظا على القواعد الانتخابية التي ترتبط بالأشخاص وليس البرامج الانتخابية وقضاء المصالح الضيقة لفئة قليلة، وتجنب سؤال من أين لك هذا؟ أو هاجس تبرير الثروات.
ويعمد العديد من المنتخبين والمسؤولين إلى تسجيل ثروات في أسماء الأقارب والزوجات والشركاء، لتفادي استفسارات التصريح بالممتلكات وخلط الأوراق، أمام تتبع ملايير الفساد التي تدخل جيوبهم وتكون على حساب ملفات اجتماعية حارقة ووجه المؤسسات وثقة المواطن فيها، فضلا عن صرف الملايير في الحملات الانتخابية لشراء الأصوات الانتخابية، خارج دعم الأحزاب الذي تتلقاه من ميزانية الدولة.
ويرتبط التكتم بطرق ملتوية على فساد رؤساء جماعات ترابية، بجرائم نهب الرمال والمقالع العشوائية، رغم الحملات المتقطعة التي تقوم بها لجان المراقبة، والتسويات التعميرية التي تبلغ قيمتها الملايير والعلاقات مع لوبي العقار وابتزاز المستثمرين والضغط عليهم بالشطط في استعمال السلطة والاختباء خلف جفاف القانون، فضلا عن التلاعب في الصفقات العمومية والشراكات مع الجمعيات والتعاونيات لاستغلال المال العام في كسب تعاطف الناخبين.
إن العلاقات المتشابكة لمنتخبين ومسؤولين ذهبت بعيدا، لتصل حد التأسيس لجبهة خفية تحمي الفساد والمفسدين، بتسخير صفحات مشبوهة على المنصات الاجتماعية وحماية من يقومون بتسييرها ضد المتابعات القضائية وتمويل أصحاب السوابق القضائية، واستغلال فوضى النشر، لردع كل جهة تحاول الاقتراب من الكشف عن الثروات المرتبطة بالفساد، باستعمال سلاح التشهير والطعن في الأعراض والتهديد المبطن.
إن المثير بخصوص ما يحدث ببعض الجماعات الترابية، التي تعيش وسط الفوضى المصطنعة، وتنامي القطاعات غير المهيكلة، والغرق في الديون وتنامي العشوائية، ومنح مئات رخص البناء الانفرادية والشهادات الإدارية المشبوهة للتقسيم والتحفيظ ونهب الرمال وغير ذلك من الخروقات والتجاوزات، هو أن رؤساء هذه الجماعات أصبحوا يتحكمون في كل شيء بربط علاقات متشعبة، حيث أصبح الناخب لا يجد من ينافسهم من الأصل في ساحة الانتخابات، وإذا ظهر منافس فإن أمامه الخضوع للرئيس والدخول تحت جلباب الحزب المعني، أو محاربته بطرق خبيثة ليكون عبرة لغيره، وهكذا يتم ترسيخ أن الفساد قدر محتوم، والفوضى هي الأصل، والتطبيع مع الفشل لا مفر منه، وهي كلها مؤشرات خطيرة على السلم الاجتماعي والثقة في المؤسسات الرسمية، فهل من قارئ للرسالة وعمقها؟
تعليقات
0