البديل الدولي

باحثة تونسية: النزاع الحدودي بين الجزائر والمغرب يتجاوز الجغرافيا ليصبح رمزاً للسيادة

جريدة البديل السياسي

قالت الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية خديجة محسن-فنان إن قضية الحدود بين الجزائر والمغرب تمثل أحد أعمدة التوتر المستمر بين البلدين، مشيرة إلى أن هذه الحدود ليست مجرد خط جغرافي، بل ركيزة للسرد الوطني والسياسي لكل من الجزائر والمغرب.

وأوضحت الباحثة التونسية في مقال نشرته بموقع “أورينت21” الفرنسي، أن “مسألة الحدود، بما تمثله من رمز للسيادة، لا تزال تشكل موضوعاً حساساً في العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تعكس امتداداً للصراعات التاريخية والسياسية”.

 

تناولت الكاتبة الجذور التاريخية للنزاع الحدودي بين المغرب والجزائر، موضحة أن المشكلة تعود إلى الحقبة الاستعمارية، عندما فرضت فرنسا السيطرة على الجزائر في عام 1830. وأشارت إلى أن هزيمة السلطان المغربي عبد الرحمن في معركة وادي إسلي عام 1844 أمام القوات الفرنسية، التي كان يقودها المارشال توماس روبير بوجو، دفعت إلى توقيع معاهدة لالة مغنية عام 1845. وأضافت: “هذه المعاهدة حددت الحدود الشمالية عند وادي كيس، لكنها تركت المناطق الجنوبية دون ترسيم واضح”.

وأوضحت الكاتبة أن الموقف الفرنسي تجاه الصحراء الجنوبية تغير في الخمسينيات من القرن الماضي بعد اكتشاف موارد طبيعية هائلة، مثل الحديد والمنغنيز والنفط، قائلة: “مع اكتشاف هذه الموارد، أصبح الإقليم ذا أهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا، ليس فقط لاقتصادها، ولكن أيضاً في إطار الحرب التي كانت تخوضها ضد جبهة التحرير الوطني الجزائرية”.

وأكدت محسن-فنان أن المغرب، بعد حصوله على الاستقلال عام 1956، أعاد طرح مطالباته الإقليمية التي شملت أجزاء من الأراضي الجزائرية. واستشهدت بخريطة “المغرب الكبير”، التي نشرتها صحيفة “العلم”، لسان حال حزب الاستقلال، والتي تضمنت الأراضي الممتدة إلى موريتانيا والسنغال. وقالت الكاتبة: “اعتبر علال الفاسي، أحد قادة الحزب، أن الحدود الطبيعية للمغرب تمتد جنوباً حتى حدود السنغال، مستنداً إلى أسباب جغرافية وتاريخية وقانونية”.

وأشارت الكاتبة إلى أن الملك محمد الخامس تبنى هذه المطالبات في عام 1958، وهو ما شكّل بداية للصدام مع الجزائر التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الفرنسي. وأضافت: “مع حصول الجزائر على استقلالها عام 1962، رفضت قيادتها بقيادة أحمد بن بلة أي تعديل على الحدود الموروثة عن الاستعمار، مؤكدة أن كل شبر من الأرض قد تحرر بدماء الشهداء”.

وتطرق المقال إلى الدور الفرنسي في هذه المسألة، موضحة أن فرنسا حاولت خلال مفاوضات إيفيان عام 1962 تقسيم الصحراء أو إدارتها بشكل مشترك بين المغرب والجزائر. ولكن الجزائر رفضت هذه الفكرة، كما تقول محسن-فنان: “اعتبرت الجزائر أن أي تسوية تقضي بفصل الصحراء عنها ستكون بمثابة انتقاص خطير من سيادتها الوطنية”.

وتحدثت الكاتبة عن حرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر 1963، واصفة إياها بأنها “لم تكن مجرد نزاع حول الأرض، بل تعبير عن صراع سياسي عميق بين نظامين مختلفين: الملكية المغربية والجمهورية الجزائرية”. وأضافت: “هذه الحرب التي دارت في المناطق الحدودية قرب تندوف تركت أثراً عميقاً في العلاقات الثنائية بين البلدين”.

واستعرضت محسن-فنان الجهود الدبلوماسية التي بذلت لإنهاء النزاع الحدودي، مثل اتفاقيات إفران عام 1969 وتلمسان عام 1970، وأخيراً اتفاقية الرباط عام 1972، التي صادق عليها المغرب والجزائر في أوقات مختلفة. لكنها أكدت أن هذه الاتفاقيات لم تُنهِ التوتر، حيث استمرت قضية “الوحدة الترابية” كجزء أساسي من الخطاب الوطني المغربي.

وفي سياق آخر، أوضحت محسن-فنان أن التوترات الحالية تتجاوز المسائل التاريخية والجغرافية لتشمل القضايا السياسية والأمنية. وأشارت إلى الاعتقالات الأخيرة التي طالت الكاتب الجزائري بوعلام صنصال بسبب تصريحاته المؤيدة “للمغربية” في قضية الصحراء، وكذلك الضغوط التي تعرضت لها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورئيسها عزيز غالي بسبب مواقفها المعارضة. وعلقت: “هذه القضايا تؤكد أن النزاع الحدودي لم يعد مجرد تاريخ قديم، بل هو عنصر حيّ في الخطاب الوطني لكل من الجزائر والمغرب”.

كما أشارت إلى أن إغلاق الحدود بين البلدين منذ عام 1994 يعكس عمق الخلافات السياسية والتاريخية. وقالت: “مسألة الحدود ليست مجرد مشكلة جغرافية أو نزاع سياسي، بل تعكس ديناميكيات معقدة لصراع الهوية والسيادة في منطقة المغرب العربي”.

وأكدت أن الحلول الدبلوماسية، رغم صعوبتها، تبقى السبيل الوحيد لتخفيف حدة التوتر، مشددة على أن التعاون بين البلدين قد يكون مفتاحاً للاستقرار والتنمية في المنطقة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار