جريدة البديل السياسي
ظلت مناصب السلطة على مستوى الإدارة الترابية حكرا لعقود طويلة على الرجال، بل إن المنصب ظل مرتبطا بالقصر، من خلال تسميتهم كعمال صاحب الجلالة، وهي الصفة التي لم تقترن حتى بوزراء الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن المغربي.
كان العامل يملك صلاحيات عديدة ويمسك بخيوط جميع المصالح الخارجية والداخلية، ولم يكن منصب الوالي قد ظهر للوجود، ما جعله الآمر والناهي والمتحكم في الخريطة السياسية لدائرة نفوذه، بل إن اختصاصاته قد وصلت عتبة القضاء.
تغير مفهوم السلطة، وأصبح العامل فاعلا تنمويا لا حاكما تأتمر بأوامره القطاعات، بعد أن تم تفويض عدد من الاختصاصات لفاعلين آخرين. من هذا المنطلق لم يعد العامل مقاوما سابقا أو رجل أمن صارم، بل أضحى العامل مؤسسة قائمة الذات تضع التنمية المحلية في صلب اهتماماتها، وتسجل بمبادراتها انخراطها في المفهوم الجديد للسلطة، متجاوزة المفهوم المخزني القديم المرتكز على الهاجس الأمني والضبطي.
في آخر مجلس وزاري، عين ملك البلاد محمد السادس سيدتين في منصب عامل، إحداهما على رأس عمالة مقاطعة عين الشق، فيما تتولى الأخرى مهام العامل المكلف بالشؤون الداخلية الجهوية بولاية مراكش-آسفي. وهذه المبادرة ليست الأولى فقد سبقتها تعيينات أخرى ساهمت في تأنيث السلطة الإدارية ترابيا، ولكنها تندرج ضمن حركية تعرفها وزارة الداخلية في اتجاه تعزيز مشاركة النساء في مناصب المسؤولية.
يرصد تاريخ مملكتنا العديد من القائدات الحاكمات، أولهن كنزة الأوربية ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية التي تزوجت من إدريس الأول، وكانت سيدة سلطة بامتياز بمساهمتها في إرساء قواعد الدولة الإدريسية. وعلى المنوال نفسه، سارت زينب النفزاوية في العهد المرابطي، والتي قال عنها المؤرخ ابن خلدون “إنها قد جمعت بين الرئاسة والجمال”.
كما حكمت السيدة الحرة شمال المغرب، وتميزت بالعلم الغزير والذكاء الحاد والحنكة السياسية، وهي زوجة قائد تطوان محمد المنظري، وحاكمة تطوان لما يزيد عن ثلاثة عقود، وزوجة السلطان أحمد الوطاسي. وقد اهتمت السيدة الحرة بتدبير شؤون تطوان والشاون. وبنفس “البروفايل”، ظهرت خناثة بنت الشيخ بكار المغافري، وهي أديبة وعالمة وسياسية أمازيغية مغربية، وأول امرأة تتولى الوزارة في المغرب كانت زوجة ومستشارة للسلطان المولى إسماعيل.
زينب العدوي.. أول امرأة في منصب والي
تعد زينب العدوي أول والي امرأة في تاريخ المغرب، وهي منتوج للمدرسة العمومية. ولدت زينب في مدينة الجديدة سنة 1960، واهتمت منذ حصولها على البكالوريا بالاقتصاد وتوجت مسارها الجامعي بالحصول على الإجازة في الاقتصاد من جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا للاقتصاد من الجامعة نفسها، ثم دكتوراه الدولة حول موضوع “مجلس الحسابات المغربي: من مراقبة المشروعية إلى مراقبة جودة الأداء، أية فعالية؟”.
تم تعيينها سنة 1984 قاضية للحسابات، وهي أول امرأة مغربية تتقلد هذا المنصب، كما شغلت منصب رئيس فرع بالمجلس الأعلى للحسابات من 1993 حتى 2004 وهي تحمل رتبة قاضية من الدرجة الاستثنائية. عينت من قبل الملك عضوا في اللجنة الاستشارية للجهوية، ونشطت عدة دورات وورشات عمل خصوصا في مجال مراقبة المالية العمومية والتدبير والتدقيق، وتولت رئاسة المحكمة الجهوية للمراجعين بالرباط سنة 2004. وهي أيضا عضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2011، وفي الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة منذ 2012.
في سنة 2007، ألقت العدوي درسا دينيا ترأسه الملك محمد السادس تحت عنوان: “حماية الأموال العمومية في الإسلام”، علما أن والدها أحمد العدوي قد سبق له أن صلى بالملك محمد السادس في مسجد حي المحيط بالرباط.
في 20 يناير 2014، تم تعيينها في منصب والي جهة الغرب، وأصبحت أول امرأة تحصل على لقب والي في المغرب، وفي 13 أكتوبر 2015 عينها الملك محمد السادس في منصب والي جهة سوس ماسة ووالي ولاية أكادير، ثم عينت واليا مفتشا عاما للإدارة الإقليمية اعتبارا من 25 يونيو 2017. أي أنها أمسكت في حيز زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات ثلاث مناصب قيادية لم يسبق لأي امرأة مغربية أن تبوأتها.
سيعيد الملك محمد السادس زينب إلى دائرة اختصاصها مساء يوم الاثنين 22 مارس 2021، حين استقبلها بالقصر الملكي بفاس، وعينها في منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ودعاها إلى الحرص على قيام هذه المؤسسة بمهامها الدستورية، سيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، ومن أجل ذلك جندت قضاتها من أجل أداء مهامهم بكل فعالية ونجاعة. ولعل تشديد بلاغ مجلس زينب العدوي على أنه يعتزم تفعيل صلاحيات مراقبة التصاريح الإجبارية بالممتلكات كآلية مساعدة على تخليق الحياة العامة، خير دليل على الصعوبات التي تعانيها المحاكم المالية في حماية المال العام من التلاعب والاعتداء، ولا تجد حرجا في الاقتراب من عش الدبابير وهي تسائل مؤسسة دستورية حول صرف أموال البرلمان بالرغم من الطبيعة السيادية للمؤسسة، ناهيك عن تصديها للحماية التي تتمتع بها الهيئات النقابية وعدد من الهيئات العمومية المستقلة.
العدوي، التي تقف في الجبهة الأولى لمكافحة الفساد المالي، حاصلة على وسام الكفاءة الوطنية من درجة ضابط سنة 2013، وهي متزوجة ولها ابنان.
خديجة بن الشويخ.. عامل عمالة مقاطعة الحي الحسني
ولدت خديجة بن الشويخ بمدينة آسفي بتاريخ 23 أكتوبر 1956. حصلت على الإجازة في البيولوجيا والجيولوجيا من كلية العلوم بالرباط سنة 1978، وعلى دبلوم المدرسة العليا لتكوين الأساتذة سنة 1979 وعلى دبلوم مفتشة التعليم الثانوي سنة 1990.
بدأت مسارها المهني سنة 1979 كأستاذة لمادة العلوم الطبيعية بآسفي. وشغلت بين سنتي 1985 و1990 منصب مفتشة بيداغوجية بمندوبية التعليم بكل من آسفي والصويرة، قبل أن يتم تعيينها منسقة جهوية للمفتشية بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجديدة.
عينت خديجة بن الشويخ سنة 2004 مندوبة لوزارة التربية الوطنية بسيدي البرنوصي، قبل أن تتقلد، سنة 2008، منصب مديرة مركزية مكلفة بالتعليم الخاص والتعليم الأولي بوزارة التربية الوطنية. ومنذ يناير 2009 تقلدت منصب مديرة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالدار البيضاء الكبرى. وهو المنصب التي ظلت تشغله إلى أن حظيت بتاريخ 29 يناير 2015، بالثقة الملكية، فعينها ملك البلاد عاملا على عمالة مقاطعات ابن مسيك. وفي 7 فبراير 2019، حظيت خديجة مجددا بثقة جلالة الملك الذي عينها عاملا على عمالة مقاطعة الحي الحسني.
من المفارقات العجيبة أن يترأس وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي السابق، محمد ساجد، مراسيم تنصيب خديجة بن الشويخ، في منصب عامل عمالة الحي الحسني، وهو الرجل الذي جمعته محطات عديدة مع خديجة، خاصة حين كان عمدة لمدينة الدار البيضاء، وهي حينها في منصب عامل عمالة مقاطعات بن مسيك، ومديرة للأكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء – سطات، لاحقا.
ومن المفارقات أيضا، أن تتوالى امرأتان على كرسي عمالة مقاطعة الحي الحسني، ما يعد مفخرة لهذه العمالة وللمغرب برمته، علما أن خديجة خلفت في هذا المنصب حنان التجاني.
وللإشارة فإن خديجة بن الشويخ حاصلة على وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 2016.
حنان التجاني.. ابنة الحي الحسني تصبح عاملة في منطقتها
ولدت حنان التجاني سنة 1981 بالدار البيضاء، وتحديدا في الحي الحسني، ودرست في المدرسة العمومية ابتدائيا وثانويا، وحصلت على شهادة البكالوريا من ثانوية عبد العزيز الفشتالي، قبل أن تلتحق بالجامعة التي لم تكن تبعد عن حيها إلا بمسافة قصيرة، هناك تشبعت بالقانون. مارست السلطة جاذبيتها على ابنة التجاني، واجتازت بنجاح امتحان ولوج مدرسة تكوين أطر وزارة الداخلية، وتم تعيينها بعد التخرج قائدة في مدينة الرباط، قبل أن يتم تكليفها بنفس المهمة بعمالة مراكش بتاريخ 29 شتنبر 2013. تسلقت سريعا أدراج سلاليم السلطة، معززة مسيرتها المهنية بشهادات عليا، إذ نالت دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص. لم تعش حنان بعيدا عن الشأن المحلي للمنطقة، فقد كان والدها الغوتي التجاني مستشارا جماعيا في عهد رئيس المقاطعة السابق محمد كمو. ويعتبر والد حنان جزءا من منظومة التربية والتعليم بالمنطقة وصاحب مؤسسة تعليمية خصوصية بحي الألفة.
قضت خمس سنوات في منصب العامل، وفتحت باب مكتبها لاستقبال المواطنين بأقل بروتوكول ممكن، وحين ودعت ساكنة المنطقة بعد نصف عقد من الحب المتبادل والعمل الميداني، حاولت جاهدة تحريك عجلة النماء ونجحت في أكثر من مناسبة في نزع الاعتراف بعصاميتها وقدرتها على حلحلة عدد من الملفات التي ظلت عالقة منذ سنوات، كما عجزت في مرات أخرى عن تحريك بركة التنمية الراكدة.
في أغلب مداخلاتها، كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حاضرة بقوة، إذ تنوه بجهود كافة المتدخلين في أجهزة الحكامة الإقليمية والمحلية والمجتمع المدني والفاعلين الجمعويين، وتعترف بالمجهودات المبذولة لإنجاح هذه المبادرة، بل إنها لا تتردد في دعوة الجهات المسؤولة إلى بذل المزيد من الجهد لإنجاح هذا الورش التنموي الذي يواصل المساهمة في تحسين مؤشرات التنمية البشرية الوطنية.
في لحظة تنصيب خليفتها، اعترفت فعاليات المجتمع المدني بدور حنان في مكافحة تنامي الأحياء الصفيحية، وكيف كانت تسعد لسماع دعوات أمهات وربات بيوت وهن يودعن براريكهن نحو شقق على الأقل تصون كرامتهن وكرامة أسرهن.
في فترة حكمها زار الملك محمد السادس عمالة الحي الحسني ثماني مرات.
فوزية إمنصار.. أول امرأة مغربية في منصب عامل
ولدت فوزية إمنصار يوم 12 يوليوز سنة 1951 بمدينة الصويرةـ والدها كان فقيها عالما وهو الفقيه العربي التناني. بعد عبورها في المدرسة العمومية بمختلف محطاتها، التحقت بالمعهد العالي للتجارة وتسيير المقاولات بالدار البيضاء حيث نالت شهادة السلك العالي، ما أهلها لدخول وزارة المالية كمفتشة، دون أن تقطع الصلة بالتعليم والتحصيل العلمي إذ التحقت بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالرباط، معززة رصيدها المعرفي في مجال تدبير الشأن العام في قانون المالية بالخصوص، حيث عينت سنة 1986 رئيسة مصلحة بالوكالة الحضرية للدار البيضاء.
في بداية التسعينات، دخلت فوزية تجربة سياسية، حين خاضت الاستحقاقات الانتخابية بمسقط رأسها بالصويرة، معتمدة على رصيدها المعرفي ومشروعها الانتخابي ورغبتها في إشراك المرأة في تدبير الشأن المحلي، إلا أن صناديق الاقتراع أفرزت الوجوه التقليدية المتمكنة من خيوط اللعبة الانتخابية، فتعود إلى وظيفتها بالوكالة الحضرية للدار البيضاء حيث واجهت كل أشكال الفوضى العقارية ووقفت في وجه لوبيات الفساد بما عرف عنها من جدية وإصرار ووفاء لقوانين التعمير، وبعد عشر سنوات سيتم تعيينها في منصب مديرة للوكالة الحضرية للرباط – سلا، لتصبح أول امرأة تنال هذا المنصب.
في 10 شتنبر سنة 2003، عينت فوزية إمنصار مديرة للوكالة الحضرية للدار البيضاء حاملة صفة عامل، وشكلت إلى جانب الوالي السابق إدريس بنهيمة ثنائيا بث الفزع في صفوف المتطاولين على الملك العمومي، وكانت مسؤولة عن إصدار التراخيص لكل المشاريع المتعلقة بالتعمير وإعداد التراب، سواء كانت ذات طابع اقتصادي او اجتماعي. وعرف عن إمنصار صرامتها في الموافقة على التراخيص.
بعد تسع سنوات، وتحديدا في يوم الجمعة 11 ماي 2012، سيوشحها ملك البلاد بوسام العرش من درجة فارس وسيعينها في منصب عامل على عمالة عين الشق، لتصبح أول امرأة تنال هذه الصفة وتجلس على كرسي الإدارة الترابية للعمالة. ولأنها المرأة الوحيدة من بين الولاة والعمال فقد استوعبت جيدا الحكمة من التعيين وأهداف الزج بها في سياق حركية مسؤولي الإدارة الترابية تعزيزا للحكامة الترابية الجيدة وإدارة القرب، بما يتيح لأجهزة الدولة النهوض بمهامها بالنجاعة والكفاءة اللازمتين مواكبة للمشاريع والأوراش التي تعرفها مختلف جهات المملكة.
ما أن تمرست فوزية بالإدارة الترابية حتى تم تعيينها عاملا على عمالة المحمدية خلفا لعبد العزيز دادس، الذي أسندت له مهام كبرى في وزارة الداخلية، وفي تجربتها بفضالة أطلق عليها محتلو الأرصفة والمتربصون بالعقارات لقب “مدام طراكس”.
وحين اختارت فوزية سبيل السلطة كان شقيقها مصطفى إمنصار يشغل عدة مناصب في جهاز الأمن الوطني أبرزها منصب والي إقليم أكادير.
ليلى حموشي.. من جماعة الزمامرة إلى دائرة القرار بوزارة الداخلية
ولدت ليلى حموشي بمدينة فاس يوم 18 أبريل 1969، عرفت في مراحلها الدراسية بالتفوق وروح المبادرة، وبعد حصولها على شهادة البكالوريا اختارت الهجرة إلى فرنسا، حيث نالت دبلوم مهندس معماري من المدرسة المتخصصة في الهندسة المعمارية بباريس. وبمجرد عودتها ستلتحق بوزارة الداخلية قسم الجماعات المحلية وسيتم تعيينها سنة 1999 كمهندسة معمارية، رئيسة مصلحة التصاميم والتعمير ببلدية الزمامرة بإقليم الجديدة، مدشنة مسارها المهني بالاشتغال في العالم القروي، وفي هذه الربوع أبانت ليلى عن كفاءة عالية وصرامة لا حدود لها في تطبيق قوانين التعمير، إلى أن تولت ابتداء من سنة 2005، مهمة رئيسة مصلحة بالوكالة الحضرية للقنيطرة وسيدي قاسم، ثم مهام رئيسة قسم بنفس الوكالة سنة 2006، فمهام مفتشة جهوية للسكنى والتعمير وتهيئة المجال بسطات، وهي نفس المهام التي زاولتها حموشي ابتداء من سنة 2011 بإقليم القنيطرة، قبل أن تعين بنفس الإقليم مديرة للمركز الجهوي للاستثمار بتاريخ 15 ماي 2014.
من المفارقات الغريبة أن تنال ليلى شرف منصب عامل، في اليوم العالمي للمرأة من سنة 2016، لتنضاف إلى كل من فوزية إمنصار وزينب العدوي. ومن المصادفات أن ليلى وزينب قلدتا مناصب مسؤولية في مدينة القنيطرة، وكانت ليلى حموشي قد تم تعيينها سنة 2014 مديرة للمركز الجهوي للاستثمار بالقنيطرة، وساهمت بشكل كبير في تقوية وتأهيل فضاء الاستثمار وتشجيع المقاولة في هذا الإقليم، ضمن استراتيجية سياسة السلطات المحلية والجهوية، وكانت لها بصمات تقنية وإدارية في إبراز مؤهلات المدينة والجهة للتنمية الاقتصادية، بعد أن أعطى الملك محمد السادس الانطلاقة للمخطط الاستراتيجي للتنمية المستدامة لإقليم القنيطرة (2015 – 2016)، حيث برزت القنيطرة أيضا بمشروع الميناء الأطلسي، ومشروع الاستثمار لشركة السيارات الفرنسية، وهذه المشاريع الكبرى كانت ليلى ساهرة على تنزيلها على أرض الواقع.
إلى جانب مهامها الوظيفية، سيعينها عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، ضمن أعضاء اللجنة الإدارية لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لفائدة رجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية.
بشرى برادي.. من تدبير قطاع الماء والكهرباء إلى عمالة عين الشق
في إطار الحركة الإدارية الجديدة، وفي سياق التعيينات الملكية التي صادق عليها المجلس الوزاري المنعقد يوم الاثنين 12 ماي 2025، تفضل الملك محمد السادس بتعيين بشرى برادي عاملة على عمالة مقاطعة عين الشق بالدار البيضاء.
وجاء تعيين بشرى برادي على رأس عمالة مقاطعة عين الشق، لتعوض منير حمو، الذي قضى حوالي تسع سنوات على رأس الإدارة الترابية لهذه العمالة، وكان هذا التعيين في سياق خطوة تعكس ثقة الدولة في الكفاءات النسائية الوطنية.
جاءت برادي إلى هذا المنصب محملة بتجربة مهنية واسعة، حيث تولت سابقا منصب المديرة العامة للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة وسيدي بنور، حيث تزامن تعيينها مع فترة جائحة كورونا، وقبلها قادت نفس الوكالة بمدينة آسفي لمدة لا تزيد عن تسعة أشهر. كما سبق لها أن شغلت مسؤوليات مهمة داخل شركة ليديك، من خلال إدارتها لبرنامج “إنماء” الذي يدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها الملك محمد السادس يوم 18 ماي 2005، بهدف تعميم الولوج لخدمات الماء الشروب والتطهير والكهرباء لسكان الأحياء المحرومة من هذه الخدمات، التي تم تأهيلها بكل من الدار البيضاء، المحمدية، المنصورية، مديونة، النواصر.. علما أن العديد من مدراء وكالات توزيع الماء والكهرباء قد تقلدوا مناصب على رأس الإدارة الترابية في كثير من أقاليم المملكة.
بشرى برادي هي مهندسة دولة متخرجة من المدرسة الوطنية العليا للكهرباء والميكانيك بالدار البيضاء، وتخصصت في مجال التدقيق والتحكم الإداري في قطاع الكهرباء، حيث بصمت على مسار دراسي متميز باحتلالها المرتبة الأولى لثلاث سنوات متتالية، وعرفت في وسطها التعليمي بالتفوق والنباهة وحصد النتائج. ينتظر من هذا التعيين أن يحدث دينامية جديدة على مستوى عمالة عين الشق، لاسيما في مجالات البنية التحتية، تحسين الخدمات، وفك الاختناقات المرورية، بما يواكب التحولات التي تعرفها العاصمة الاقتصادية ويلبي تطلعات سكان المنطقة، لاسيما وأن المدينة تشهد أوراشا مفتوحة استعدادا للاستحقاقات الرياضية، فضلا عن دورها كعاملة في سل شعرة الاحتقان السياسي من عجين الانتخابات القادمة.
حنان الرياحي.. القائدة التي اختزلت المسافات نحو السلطة
في خطوة غير مسبوقة في الإدارة الترابية المغربية، تم تعيين حنان الرياحي في منصب “عامل مكلف بالشؤون الداخلية الجهوية” بولاية مراكش آسفي، وذلك ضمن لائحة التعيينات التي صادق عليها جلالة الملك محمد السادس خلال المجلس الوزاري الذي انعقد يوم الاثنين 12 ماي الماضي.
ويعتبر هذا التعيين سابقة في تاريخ الإدارة المغربية، حيث يتم لأول مرة إسناد صفة “عامل” للمسؤول عن قسم الشؤون الداخلية. هذا المنصب الذي كان يعرف سابقا بـ”مدير الشؤون الداخلية” داخل الولايات والعمالات، كما حمل سابقا تسمية “قسم الشؤون العامة” وكان القائمون عليه يشرفون على رجال السلطة من دون أن يحملوا صفة “عامل”، وهو ما يمثل تحولا ليس فقط على المستوى الشكلي بل في هيكلة الإدارة الترابية. ومن بين المهام التي ستتولى الرياحي مسؤوليتها: “متابعة الحركة الانتقالية للقياد وأعوان السلطة، إدارة ملفات الموظفين على المستوى الترابي، والتنسيق بين مختلف المصالح الجهوية ذات الصلة بالشأن المحلي. كما يُتوقع أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، بما يساهم في تحسين فعالية الخدمات الإدارية المقدمة للمواطنين”.
يأتي تعيين الرياحي في هذا المنصب الرفيع في سياق تعزيز هيكلة الإدارة الترابية المغربية، والتي تهدف إلى تطوير الأداء الإداري على المستوى الجهوي. يعكس هذا التعيين التزام الدولة بتطوير أداء المصالح الداخلية وتحسين التنسيق بين الهياكل الجهوية، مما يسهم في تحسين جودة الخدمات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي.
وحسب المتتبعين للشأن السياسي، فإن هذه الخطوة تمثل أيضا تحولا مهما في مسار تمثيلية النساء في المناصب القيادية في المغرب. فقد أصبحت حنان الرياحي أول امرأة تتولى مسؤولية قطاع حساس يشرف على أعوان السلطة والشيوخ والقياد، مما يعكس التوجهات الحديثة نحو تعزيز دور النساء في المناصب القيادية داخل الإدارة الترابية. يعتبر هذا القطاع من أهم الأقسام التي تساهم في تسيير العمل الميداني للسلطات المحلية، وله تأثير مباشر على العمل الحكومي الميداني.
تتمتع حنان الرياحي بتاريخ طويل من الكفاءة في سلك الإدارة الترابية، حيث شغلت العديد من المناصب الإدارية الهامة. بدأت مسيرتها المهنية كقائدة للمقاطعة الحضرية الثانية بمدينة العيون، ثم تولت في عام 2023 منصب رئيسة للدائرة الحضرية الأولى بالعيون في إطار حركة انتقالية. في نفس العام، تم نقلها إلى ولاية طنجة لتولي رئاسة دائرة حضرية هناك، مما أتاح لها فرصة اكتساب خبرات متنوعة في إدارة الشؤون الحضرية.
طامو والزاهية.. عاملتان في جلباب قائدتين
تنتمي القائدة طامو إلى فرقة أولاد بن العادل من قبيلة أولاد الصغير عرب تريفة، وزوجها هو القائد امبارك الهبيل من تغاسروت ببني عتيق. حينما تأخر إنجابها، ترددت على زيارة ضريح سيدي علي البكاي، فصادفت زيارتها قضاء الله فأنجبت الولد الوحيد في 18 أبريل 1907 وأطلقت عليه اسم المزار أي “البكاي” والذي سيصبح أول وزير أول في عهد محمد الخامس وفي تاريخ الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون البلاد منذ الاستقلال.
طاما، أو القايدة طامو، شخصية تاريخية تنتمي إلى فرقة أولاد بن العادل من قبيلة أولاد الصغير، رافقت زوجها لهبيل في مساره النضالي حين حاربت إلى جانبه المستعمر بشراسة، ونابت عنه حين اعتقل عدة مرات عديدة إلى أن توفي في سجون المستعمر، فأصبحت “القايدة” طاما أرملة، لكنها رفضت عروض الزواج من أعيان القبيلة وقررت حمل الرسالة، حيث ركبت الخيل وانطلقت محتمية بمسدسها، ترتدي ثياب الرجال، وحين تعود إلى بيتها لتتعهد ابنها الوحيد امبارك لهبيل بالعناية والتربية، وقد ساعدها على تربيته أشقاؤها.
لكن أول امرأة ستحمل صفة “رجل سلطة”، هي القايدة الزاهية، التي عينها السلطان محمد الخامس في هذا المنصب وفوض لها صلاحيات الكثير من عمال الأقاليم، خاصة تلك الواسعة الأطراف. وعرفت الزاهية بشجاعتها وقدرتها على تغيير كثير من الأنماط السائدة، كما عرفت بحزمها وصرامتها في تدبير الشأن المحلي لنفوذ حكمها. كيف لا وهي سليلة أسرة ضاربة في عمق الحركة الوطنية، إذ كان والدها مقاوما لا يشق له غبار، حرص على تعليم ابنته في زمن كان فيه التعليم حكرا على الذكور.
ساعدها زوجها الذي كان مسؤولا في قطاع البريد على السير بعيدا في درب الإدارة الترابية، وظل اسمها حاضرا بقوة في زمن كانت السلطة تحمل مسمى “المخزن”.
تعليقات
0