احتلال الأرصفة العمومية وأزمة المارة في المدن المغربية: بين لقمة العيش وحق المواطنين في السير الآمن يجب الإصلاح وإيجاد حلول فعالة لمعالجتها

بدر شاشا باحث – جريدة البديل السياسي
احتلال الأرصفة العمومية وأزمة المارة في المدن المغربية: بين لقمة العيش وحق المواطنين في السير الآمن يجب الإصلاح وإيجاد حلول فعالة لمعالجتها
تشهد المدن المغربية ظاهرة متزايدة تؤثر على حياتها اليومية وجمالية مراكزها، وهي احتلال الأرصفة العمومية من قبل الباعة المتجولين. بينما يسعى هؤلاء الباعة إلى كسب قوت يومهم وتلبية احتياجاتهم المعيشية، يعاني المواطنون من تراجع ملحوظ في حقهم الأساسي في استخدام الأرصفة بأمان. أصبح نزول الراجلين إلى الشوارع بدلاً من السير على الأرصفة مشهداً مألوفاً يعكس اختلالاً في التوازن بين حاجة بعض المواطنين للعمل بشكل غير رسمي ومتطلبات الراحة والأمان للمارة. ورغم أهمية الرزق لهؤلاء الباعة، يبقى التساؤل قائماً: كيف يمكن تحقيق التوازن بين مصالح الجميع؟
الأرصفة كمجال عام للجميع
الأرصفة، في الأصل، هي مساحات عامة مخصصة لسير الراجلين بأمان بعيداً عن خطر السيارات والمركبات. ويُعد الحفاظ على الأرصفة خالية من العوائق جزءاً لا يتجزأ من سلامة المواطن ومن واجبات البلديات والسلطات المحلية. ولكن اليوم، تتعرّض الأرصفة للاحتلال من قبل العديد من الباعة المتجولين الذين يقومون بفرش بضاعتهم، مما يجبر المارة على النزول إلى الشارع، متعرضين لخطر المركبات. ويشكل هذا التعدي على الأرصفة تحديًا حقيقيًا يواجهه السكان في معظم المدن المغربية، حيث أصبح المشي البسيط تجربة تنطوي على مخاطر.
الأطفال وكبار السن، على وجه الخصوص، هم الأكثر تأثراً بهذا الوضع، حيث يتوجب عليهم الانتقال إلى الشارع بسبب عدم توفر الأرصفة المخصصة لهم. وهنا يكمن الخطر، حيث يُعرض حياتهم للخطر بسبب السيارات والمركبات التي قد لا تتوقع وجودهم في الطريق. وبالتالي، فإن احتلال الأرصفة يؤثر بشكل مباشر على مستوى الأمان العام ويخلق حالة من التوتر والقلق لدى العائلات التي ترغب في تجنب المناطق التي يكثر فيها الباعة المتجولون.
الباعة المتجولون ومصاعب العيش الكريم
لا يمكن إنكار حقيقة أن معظم الباعة المتجولين ينتمون إلى فئات تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وغالباً ما يكونون من ذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل الذين يسعون لكسب لقمة العيش بطرق بديلة. وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، يجد البعض منهم أنفسهم مضطرين إلى الاستعانة بفضاءات الأرصفة كحل سريع لعرض بضاعتهم.
إلا أن هذا الحل، وإن كان مؤقتًا ومبررًا من الناحية الاقتصادية، يفرض مشكلات جمة على النظام العام. فالازدحام الناتج عن كثرة الباعة يخلق اضطرابات في السير ويعطل حركة المرور، إضافة إلى تراجع جمال المدن وانتشار مظاهر الفوضى. كما يؤثر ذلك سلباً على التجار الرسميين الذين يدفعون الضرائب ويمتثلون للأنظمة، حيث يجدون منافسة غير عادلة تؤثر على مبيعاتهم.
صحة المواطن بين التلوث والمخاطر المرورية
يمثل النزول إلى الشارع بالنسبة للمارة تهديداً صحيًا وأمنيًا على حد سواء. فمن ناحية، يُعرض نزول الراجلين إلى الشارع حياتهم للخطر من السيارات ووسائل النقل المختلفة. إذ تتزايد احتمالات وقوع حوادث السير خاصة في الشوارع الرئيسية والمزدحمة. كما أن الأطفال وكبار السن يتعرضون للخطر الأكبر، حيث لا يتمتعون بالقدرة على رد الفعل السريع في مواجهة السيارات.
من الناحية الصحية، يمكن أن يؤدي تزايد النشاط التجاري غير المنظم في الشوارع إلى مشكلات صحية مرتبطة بالنظافة العامة والتلوث. فتراكم النفايات وتجمع الحشرات، الناتج عن عدم تنظيم عرض السلع في أماكن محددة، يمكن أن يشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض. أضف إلى ذلك، التلوث السمعي الناجم عن الازدحام والضوضاء، والذي يُعدّ سببًا آخر لتأثر الصحة النفسية والعصبية للساكنة.
دور السلطات في تنظيم المجال العام
تُعدّ مسؤولية السلطات المحلية أساسية في إيجاد حلول متوازنة لهذه الأزمة. فمن جهة، تحتاج السلطات إلى وضع قوانين صارمة لحماية الأرصفة وضمان حق الراجلين في السير بأمان، ومن جهة أخرى، يتوجب عليها إيجاد بدائل واقعية لهؤلاء الباعة تضمن لهم مصدر رزق دون انتهاك حقوق الآخرين.
يمكن تحقيق ذلك عبر إنشاء أسواق مخصصة للباعة المتجولين في مناطق استراتيجية، حيث يستطيعون عرض سلعهم بطريقة منظمة بعيداً عن الأرصفة والطرقات. ومن الممكن أيضاً تنظيم عملية الحصول على تصاريح بيع مؤقتة ضمن ضوابط معينة، تُحدد من خلالها الأماكن المخصصة للباعة، ما سيقلل من الفوضى ويحافظ على النظام العام.
كما يلعب الوعي المجتمعي دورًا هامًا في التعامل مع هذه القضية، حيث يجب تثقيف المواطنين حول أهمية الالتزام بالمجال العام واحترام حق الآخرين. يمكن أيضاً تكثيف الحملات التوعوية والإعلامية التي تهدف إلى تثقيف الباعة المتجولين حول أهمية الالتزام بالأماكن المخصصة للبيع وحماية الأرصفة العامة.
تجارب دولية وإمكانية التطبيق في المغرب
استفادت عدة دول من تجارب ناجحة في تنظيم عمل الباعة المتجولين دون الإخلال بالنظام العام، حيث قامت بعض المدن بإنشاء أسواق خاصة بالباعة وتنظيم حملات للتدريب على الأعمال التجارية، مما ساهم في تحسين دخل الباعة وتقليل الفوضى. كما أن بعض الدول مثل سنغافورة وكولومبيا نجحت في تطبيق نظام الترخيص المؤقت، حيث يحصل الباعة على تصاريح لعرض سلعهم في أماكن معينة ولفترات زمنية محددة.
يمكن للمغرب الاستفادة من هذه التجارب عبر تكييفها مع الظروف المحلية، وذلك بوضع برامج دعم تهدف إلى تأهيل الباعة المتجولين وتوجيههم نحو خيارات تجارية مستدامة. هذا النوع من البرامج لا يساعد فقط في تقليل التعدي على الأرصفة، ولكنه أيضًا يعزز من فرصهم في بناء مشاريع دائمة قد تساعدهم على تحسين مستوى معيشتهم.
حلول مقترحة لتحقيق التوازن بين الباعة وحق الراجلين
إلى جانب توفير بدائل تنظيمية، يمكن التفكير في حلول عملية تحافظ على توازن المصالح، ومنها وأتمنى تطبيقها
. إنشاء أسواق مؤقتة في أماكن محددة تسمح للباعة المتجولين بعرض بضاعتهم بعيداً عن الشوارع والأرصفة.
. تنظيم حملات توعية بالتنسيق مع الجمعيات المحلية لتثقيف الباعة حول أهمية الالتزام بالأماكن المخصصة للبيع.
. توفير فرص عمل بديلة للباعة المتجولين عبر برامج تدريبية تهدف إلى تعزيز قدراتهم في مجالات أخرى.
. إصدار تصاريح بيع مؤقتة ضمن ضوابط محددة بحيث يمكن للباعة العمل في أوقات وأماكن معينة بدون التأثير على حركة المرور وحقوق المارة.
. تعاون السلطات مع المجتمع المدني لإيجاد حلول مبتكرة تساعد في تنظيم المجال العام.
يعدّ الحفاظ على حق الراجلين في استخدام الأرصفة العامة ضرورة أساسية لتحقيق السلامة والجمالية في المدن المغربية، حيث أن هذا الحق جزء لا يتجزأ من متطلبات الحياة اليومية للمواطنين. في المقابل، لا يمكن تجاهل التحديات الاقتصادية التي تدفع العديد من الباعة المتجولين إلى العمل في هذا المجال، مما يبرز الحاجة إلى حلول شاملة ومستدامة تضمن حقوق الجميع.
يبقى التوازن بين حقوق الراجلين واحتياجات الباعة المتجولين مسؤولية جماعية تتطلب تعاون السلطات المحلية، المجتمع المدني، والباعة أنفسهم. فالتغيير لن يحدث بشكل فردي أو لحظي، بل من خلال سياسات واعية ورؤية شاملة تسعى لتحسين جودة الحياة في المدن المغربية، وتحقيق العدالة في استخدام المجال العام.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار