جريدة البديل السياسي – بقلم الاستاذ جمال الغازي
البلاغ الصادر عن الديوان الملكي يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، عقب ترؤس جلالة الملك محمد السادس لمجلس وزاري بالقصر الملكي بالرباط، يمثل أكثر من مجرد إعلان حول مشروع قانون المالية لسنة 2026. إنه وثيقة توجيهية شاملة تؤكد استمرار الدولة في نهج الإصلاح المتدرج، وتعكس حرص المؤسسة الملكية على ربط البعد الاقتصادي بالاجتماعي، والسياسي بالمؤسساتي.
جاء البلاغ في ظرف دولي متقلب، لكنه حمل إشارات إيجابية حول متانة الاقتصاد الوطني: نمو متوقع بـ 4.8%، تضخم لا يتجاوز 1.1%، وعجز في الميزانية في حدود 3.5%. هذه الأرقام تُظهر أن المغرب يواصل السير بخطى ثابتة نحو ترسيخ نموذج الدولة الصاعدة، بفضل سياسات متوازنة تراعي الاستقرار المالي وتحفّز الاستثمار، مع إعطاء الأولوية للعدالة المجالية والحماية الاجتماعية.
من أبرز ما جاء في البلاغ المصادقة على مشاريع قوانين تنظيمية جديدة تهم مجلس النواب والأحزاب السياسية، وهي خطوة نوعية في مسار تخليق الحياة العامة. الهدف واضح: تعزيز الشفافية ومنع من صدر في حقهم أحكام من الترشح، تمكين الشباب دون 35 سنة عبر دعم مالي يغطي جزءا كبيرا من مصاريف الحملة الانتخابية، تخصيص الدوائر الجهوية للنساء لدعم حضورهن في المؤسسة التشريعية. هذه المقتضيات تُترجم إرادة حقيقية في تجديد النخب السياسية وإعادة الثقة في العمل الحزبي والمؤسساتي.
البلاغ الملكي في جوهره دعوة للجدية والمساءلة، ورسالة إلى مختلف الفاعلين السياسيين بأن زمن الخطابات الشعبوية قد ولى. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن بعض اليساريين التقليديين الذين كانوا في الفترة الماضية ينتقدون خرجات واحتجاجات حركة Gen212 قد يجدون أنفسهم اليوم أمام مفارقة: فالعديد من القضايا التي رفعتها تلك الحركة — مثل العدالة الاجتماعية، والفرص المتكافئة، ودعم الشباب — أصبحت الآن في صلب التوجهات الملكية الجديدة. وهذا يعني أن النقد وحده لم يعد كافيا، بل المطلوب هو المساهمة الفعلية في البناء، كل من موقعه ومسؤوليته.
البلاغ الملكي يوجّه الجميع نحو مستوى أعلى من الالتزام الوطني. فهو لا ينتقد أحدا بشكل مباشر، لكنه يضع سقفا جديدًا للجدية والمساءلة، ويؤكد أن الإصلاح لم يعد شعارا بل مسارا مؤسساتيا ملزما.
ومن هنا، على الأحزاب والتنظيمات السياسية، بمختلف توجهاتها، أن تستوعب أن المرحلة المقبلة لن تقبل التردد أو التلون، بل تتطلب مبادرات عملية ورؤى واقعية.
بلاغ الديوان الملكي ليوم 19 أكتوبر 2025 يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، عنوانها الوضوح، والكفاءة، والعدالة الاجتماعية.
هو بلاغ يحمل رسالة أمل ومسؤولية في آن واحد: الأمل في مغرب صاعد يحقق التنمية المتوازنة، والمسؤولية في أن يكون كل فاعل سياسي ومجتمعي في مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها البلاد.
تعليقات
0