بقلم: خالد قدومي. جريدة البديل السياسي
بوجمعة تواتون،الصوت المكافح للأغنية الريفية الملتزمة
حين يمتزج الفن بالنضال في شخص جمعتك معه لحظات جميلة، وصداقة متينة، وقناعات مشتركة،تصبح أمام إشكال مقلق يجعلك تتوجس من عدم منحه ما يستحقه من شهادات حول مساره الذي يكاد يختزل كل المحطات النضالية التي خاضتها وتخوضها منطقة الريف منذ استقلال المغرب.
المعني بهذا الاستهلال هو الفنان الصامد والثابت كجبال الريف ” بوجمعة أزحاف ” المعروف عند العامة ببوجمعة تواتون، نسبة إلى دوره الريادي في تأسيس مجموعة تواتون صحبة ثلة من رفاقه. فشخصيته تجمع بين عمقين ريفيين؛ عمق مرتبط بأصله المنتمي إلى قبيلة قلعية التي عاشت حرقة استلاب مليلية التي خاضت من أجلها عدة معارك لتستردها،خاصة تلك التي قادها الشهيد الشريف محمد امزيان.وعمق آخر، تجسده مدينة الحسيمة بما تحمله من دلالات تحيلنا إلى نشأة أول جمهورية للفلاحين في تاريخ الإنسانية( جمهورية اتحاد قبائل الريف وجبالة ) برئاسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي. ربما هذه الخلفية المشار لها سالفا، عجلت بفناننا للإنخراط المبكر في تعبئة الجماهير، عبر توظيف الكلمة الهادفة في الأغنية الريفية الملتزمة، طبعا صحبة رفاقه في مجموعة تواتون، لخدمة قضايا الهوية والحرية والعدالة الإجتماعية…
وقد عززت قناعاته التحررية أكثر عند اطلاعه على أدبيات اليسار الجديد،خاصة منظمة إلى الأمام التي كانت نشيطة في المنطقة بفضل الفقيد مصطفى الخطابي الذي ساهم في إشعاع أفكار تنظيمه المؤمن بخصوصيات الاثنوثقافية والتاريخية لمنطقة الريف. لكن بوجمعة ومجموعته غاصوا أكثر في الجانب الهوياتي الذي كان مهددا بزحف الاطروحات الشرقانية الاستئصالية،مما حول أغيتهم الريفية الأمازيغية إلى سلاح لمجابهة الدعاية الرسمية التي تربط بلاد ثامزغا بالشرق الذي تستمد منه الشرعية الدينية واللغوية.
وتعتبر نشأة جمعيات جديدة بالريف كجواب يدحض الرواية الرسمية، كما أنها ساهمت في توعية الشباب الذي بدأ يعي ذاته ويستوعب دروس الأمس القريب والبعيد. وبما ان طبيعة المخزن المغربي لا تسمح بنشاط وتطوير هذه التنظيمات المدنية، بل ترى فيها نواة ثورية قد تقوض مخططاته وتهدد كيانه،إلتجأ كعادته إلى استغلال انتفاضة يناير 1984م لاعدامها على غرار إعدامه لباقي الجمعيات الجادة سواء بالمنع أو بالحصار اللامتناهي.هذه الانتفاضة الشعبية انخرطت فيها مجموعة تواتون بأغانيها المؤازرة لحق الانعتاق، خاصة فناننا المكافح الذي تجاوز الكلمة بما لها من أهمية، ليختار الإنتقال إلى الممارسة الميدانية من خلال مشاركته المباشرة في الاحتجاجات الشعبية وتوجيهها.
الشيء الذي دفع المخزن إلى تلفيق العديد من التهم الباطلة قصد تبرير إعتقاله وخنق صوته الجهوري المرادف لأمال وأمال الغالبية المسحوقة. ورغم ذلك، فسنوات السجن الثلاثة( 1986/1989م)وما تلاها من حصار ومنع، لم تزده إلا إيمانا وصلابة وعنادا…برسالته الفنية النضالية النبيلة لنصرة قضايا شعبنا.
الإغتراب لن يعيق تخليد فناننا بوجمعة تواتون كقامة كبيرة عاش وفيا للأرض والإنسان، وجعل من الأغنية الريفية تستعيد أنفاسها بعدما ساهم مع الآخرين في تحريرها من الفكلرة والميوعة، والحفاظ على الألحان التراثية القديمة مع الانفتاح على التجارب الفنية للشعوب الأخرى.
تعليقات
0