لقد أدركت منذ زمن بعيد أن المواطنة ليست مجرد بطاقة هوية أو وثيقة قانونية، بل فضاء للكرامة والحرية والمشاركة في الشأن العام. في المغرب، حُرمت من ممارسة هذه الحقوق، أما في هولندا فقد وجدتُ اعترافًا بإنسانيتي، واحتضانًا لي كمواطن كامل الحقوق، له أن يعبر عن رأيه، وله أن يسهم في صناعة القرار. من هنا جاء قراري بخوض الانتخابات كتعبير عن هذا الامتنان، وكترجمة لإيماني بأن المشاركة السياسية هي السبيل الأمثل لترسيخ الاندماج الفعلي دون التخلي عن الجذور.
إن هذه التجربة تكشف بوضوح الفارق بين ثقافتين سياسيتين: ثقافة الإقصاء والتهميش التي دفعت الكثير من الطاقات إلى الصمت أو الهجرة، وثقافة الاعتراف والاحتضان التي تجعل من المواطن شريكًا لا متفرجًا. ومع ذلك، لم يكن دخولي إلى الحياة السياسية الهولندية قطيعة مع هويتي المغربية، بل جسرا بين الضفتين، أرفع من خلاله صوت الجالية المغربية في أوروبا، وأدافع عن قضاياها العادلة، وأُسهم في ربطها بمحيطها الجديد دون أن تنقطع عن جذورها الأصلية.
لقد طالما آمنت بأن المبادئ التي نحملها لا تكتمل إلا بالفعل. لذلك، فإن انتقالي من موقع المرافعة والتنظير إلى موقع الممارسة السياسية المباشرة هو الترجمة العملية لقناعاتي في الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن البرلمان ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتجسيد هذه القيم، ومنبر لتوصيل صوت الذين لا يُسمع صوتهم، وخاصة المهاجرين الذين كثيرًا ما يتم تهميشهم في السياسات العمومية.
إن ترشحي للانتخابات البرلمانية الهولندية هو، في جوهره، تجربة اعتراف وامتنان، وتجربة تحدٍ وإصرار. أردت من خلالها أن أقول إن الانتماء الحقيقي لا يُقاس بالجغرافيا فقط، وإنما بمدى احترام الحقوق وصون الكرامة. وأردت أيضًا أن أفتح الطريق أمام أجيال جديدة من أبناء الجالية لتؤمن أن المشاركة السياسية ممكنة، وأنها السبيل الأمثل لبناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة.
تعليقات
0