جريدة البديل السياسي |أسر ومحاكم

نقيب هيئة المحامين يكشف كيف استفادت محامية من تحويلات قاربت 8 مليارات في ظرف سنتين بفضل شهادات طبية غير صحيحة

yWeyMdTv36INfAgyingejPDlQZCsFy2LPgQqqwzE-750×470

جريدة البديل السياسي

واصلت الغرفة الجنحية التلبسية، بالمحكمة الابتدائية بالرباط، أول أمس الاثنين، مناقشة ملف المحامية المتابعة بالرباط رفقة طبيبين وسائق سيارة إسعاف وأشخاص آخرين في فضيحة التلاعب في ملفات التأمين المرتبطة بحوادث السير، الذي كان قد تفجر في مارس الماضي بالرباط وجر سبعة أشخاص للتحقيق.

 

نقيب يدعو لمحاربة الريع المهني ويكشف “فضائح”

 

تميزت جلسة أول أمس بمرافعة تاريخية لنقيب هيئة المحامين بالرباط عزيز رويبح، نيابة عن الهيئة التي نصبت نفسها طرفا مدنيا في هذا الملف المثير للجدل، حيث أكد أن مساعي ومعركة التخليق، التي تبناها منذ تنصيبه على رأس هيئة المحامين بالرباط، فرضت عليه الانخراط في هذه القضية، من أجل مواجهة الريع المهني وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص وحماية حقوق 80 في المائة من المحامين النزهاء الذين يئنون في صمت.

وأكد رويبح في مرافعة غير مسبوقة على صعيد محاكم المملكة، أبهرت كل الحاضرين بقاعة الجلسات بالمحكمة الابتدائية بالرباط، أنه يترافع ضد زميلة له بهيئة الرباط، تطاولت على مؤسسة النقيب واتهمتها في محاضر الاستماع إليها لدى الضابطة القضائية بتحريض عشرات الموكلين ضدها، مضيفا أنه ظل يتوصل بشكايات عديدة ضدها بالتماطل في صرف الودائع، كما انتظم الموكلون الضحايا في تشكيلات احتجاجية متواصلة، ما فرض تدخلا مواطنا وحقوقيا وقانونيا من طرف الهيئة من أجل ردع السلوكات المسيئة للمهنة الشريفة والرائعة، حسب قوله، وتنقيتها من كل الشوائب الممكنة.

النقيب رويبح فجر معطيات بالغة الخطورة في وجه المحامية المعتقلة، حيث أفرج عن أرقام مالية فلكية تتعلق بحجم الودائع التي أشر على تحويلها لصالح المحامية، حيث بلغت في مجموعها خلال سنتين ونصف السنة حوالي 8 ملايير سنتيم، موزعة على 3 مليارات خلال سنة 2023، و3 مليارات سنة 2024، ثم 800 مليون سنتيم ومليار سنتيم على دفعتين في الأربعة أشهر الأولى من سنة 2025، مؤكدا أن هذه الأرقام الضخمة كافية لدق ناقوس الخطر حول تناقضات مؤلمة تهدد توازن المهنة وتكرس الريع المهني، وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم، مضيفا أن عددا كبيرا من المحامين يعانون في صمت، وأغلقت مكاتبهم، وأصابهم اليأس، وامتدت معاناتهم النفسية والمهنية إلى المرض والانتحار، كما وقع مع زميل بهيئة الرباط وضع حدا لحياته تحت الضغط.

وأكد النقيب رويبح أنه ينصب نفسه طرفا مدنيا ضد المحامية باسم هيئة المحامين بالرباط، مقابل دفاع محامين آخرين ينتمون لنفس الهيئة بالرباط عن المحامية المعتقلة، معبرا عن نبل هذا التدافع الحقوقي وحرصه عليه، إيمانا منه بقداسة الحق في الدفاع.

وأضاف رويبح أن هناك من يعتبر مهنة المحاماة “بقرة حلوبا”، لكن يجب أن يستعد في الآن نفسه لـ”ركلتها”، حسب قوله، مشيرا إلى أن مؤسسة المحامي في قلب المعركة المجتمعية ضد الفساد، وهيئة الرباط منخرطة بكل قوة لتنفيذ هذا المسعى، من خلال مجموعة من الإجراءات المبرمجة بكل جرأة وكل موضوعية من أجل “الأمن المهني” والحفاظ على سمعة وشرف وروعة مهنة المحاماة.

 

متهمون يجهلون مصادر ثروتهم

 

كان رئيس الهيئة قد شرع، زوال أول أمس الاثنين، في استنطاق المتهمين السبعة في هذا الملف، تتقدمهم المحامية المتهمة الرئيسية وكاتبة محام وسائق سيارة إسعاف الذي أنكر علمه بمصدر ثروته الباذخة التي لا تعكس مدخوله، وكذا الطبيبين المتابعين في الملف بمنح شهادات طبية غير صحيحة، في انتظار مرافعة ممثل النيابة العامة ودفاع شركات التأمين المتضررة من التلاعب في وقائع حوادث السير.

ونفى الأطباء ومستخدمو المستشفى وسائق سيارة الإسعاف علمهم بتفاصيل الجرائم المنسوبة إليهم، حيث تشبثوا ببراءتهم من تهم المشاركة في التلاعب في ملفات حوادث السير، وإعداد الشهادات المزورة المبالغ فيها، في الوقت الذي واجهتهم الهيئة بقرائن واعترافاتهم أمام الضابطة القضائية، فضلا عن اعترافات الضحايا الذين يقدر عددهم بالمئات.

 

تحريات تكشف المستور

 

كان قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالرباط قد قرر، في مارس الماضي، إيداع محامية من هيئة الرباط رفقة كاتبة محام ووسيطين، من أجل متابعتهم في حالة اعتقال، فيما قرر متابعة طبيبين وعنصر ينتمي لجهاز الوقاية المدنية في حالة سراح.

المتهمون السبعة الذين يواجهون تهمة تكوين عصابة إجرامية متخصصة في إصدار شهادات طبية تتضمن معطيات غير صحيحة لضمها في ملفات متعلقة بالتعويض عن حوادث السير والوساطة، كانوا موضوع أبحاث سرية أشرفت عليها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، قبل أن تدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط بتوجيه من النيابة العامة المختصة، حيث أسفرت التحريات الأولية عن أن الأمر يتعلق بعصابة إجرامية منظمة متخصصة في إعداد حوادث سير بمعطيات وهمية ومغلوطة، اعتمادا على خبرة محامية تنتمي لهيئة الرباط، يوجد مكتبها بشارع علال بن عبد الله بالرباط، وطبيبين وسائق سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية ووسطاء.

وتابعت المحكمة أربعة من المتهمين في وضعية اعتقال، ويتعلق الأمر بالمتهمة الرئيسية وهي (ل. ع) محامية بهيئة الرباط و(س. ز) كاتبة محامي بالرباط و(ن. ز) و(م.أ) وهما وسيطان، فيما قرر متابعة باقي المتهمين في حالة سراح وعددهم ثلاثة أشخاص، يتعلق الأمر بالطبيبين (ن.ب) و(ع. ل) مع أداء كل واحد منهم، كفالة قدرها 5 ملايين سنتيم، وكذا (س.ل) مساعد بالوزارة المدنية مع أدائه هو الآخر كفالة مالية مقابل إطلاق سراحه ومتابعته في حالة سراح تقدر بـ5000 درهم.

وكانت تحريات أنجزتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، بناء على معلومات دقيقة وفرتها عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، قد فجرت فضيحة من العيار الثقيل، بعدما كشفت عن تورط عصابة إجرامية في التلاعب في ملفات حوادث السير والنصب على شركات التأمين وتحصيل مبالغ مالية وصفت بالكبيرة.

المعطيات الأولية تشير إلى الاشتباه في تورط سبعة أشخاص، تتقدمهم محامية شابة من هيئة الرباط وطبيبان في التلاعب في ملفات العجز المترتب عن حوادث السير والادلاء بها ضمن ملفات التأمين والتعويض، ما ترتب عنه جني تعويضات ومبالغ مالية كبيرة، وتفيد المعطيات نفسها بأن عمليات التلاعب والنصب كانت تتم بتدخلات مضبوطة ومحكمة من طرف متخصصين بمساعدة سماسرة وسائق سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية.

وحسب المعطيات ذاتها، فقد ظلت الشبكة الإجرامية عبر الوسيطين المتابعين في الملف تترصد ضحايا حوادث السير بشوارع الرباط وغيرها، حيث يتم الاتصال فور وقوعها بباقي أطراف الشبكة وهم المحامية ومساعدة المحامي والطبيبان من أجل مصاحبة عائلة الضحايا فور وقوع الحادثة ونقلهم للمستشفى، بتنسيق مع سائق سيارة الإسعاف الذي يتكلف بالنقل، ثم يتم الشروع في إعداد الشهادات الطبية وإصدارها بمعطيات مغلوطة حول مدة العجز وطبيعة الإصابات، قبل تضمينها في ملفات التعويض المقدمة لشركات التأمين، وهي المهمة التي يرجح أنها كانت تسند للمحامية ومساعدة المحامي بالنظر لتخصصهما ودرايتهما بالتقارير القانونية ومساطر التقاضي المرتبطة بنزاعات حوادث السير وملفات التعويض.

وقد نجحت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في فك لغز هذه القضية في زمن قياسي بتنسيق مع مصالح “الديستي” وتوجيهات النيابة العامة التي أشرفت على مسار الأبحاث، قبل أن تسفر التحريات التفصيلية التي أنجزها قاضي التحقيق عن تفاصيل هذه الفضيحة المدوية، حيث تم استقراء ملفات مشبوهة سبق تقديمها من طرف الشبكة ومعالجتها لدى شركات التأمين، والاستدعاء لبعض المصرحين وضحايا حوادث السير الذين جرى استغلال وضعيتهم والتلاعب في ملفات التعويض التي تم عرضها على شركات التأمين بأسمائهم.

 

شركات تأمين متضررة تدخل على الخط

 

قررت شركات التأمين المغربية المتضررة تنصيب نفسها كطرف مدني أمام القضاء، في خطوة تعكس حجم الأضرار المادية والإدارية التي تكبدتها جراء عمليات النصب والاحتيال الممنهجة التي طالت مئات ملفات التعويض عن حوادث السير التي عرضت عليها، وقامت بتسويتها.

وأكدت مصادر “الأخبار” أن مبادرة شركات التأمين تعزى إلى توصلها بمعطيات دقيقة تفيد بأن عددا كبيرا من الملفات التي عالجتها خلال السنوات الأخيرة تتضمن شهادات طبية مزيفة أو مبالغا فيها، أُنجزت لفائدة ضحايا حوادث سير دون أن يكون لهم الحق في التعويض، أو كانت مستندة على معطيات مزورة وغير حقيقية، خاصة ما تعلق بنسب العجز الجسدي.

ويرتقب أن يسفر دخول شركات التأمين على الخط تطورات جديدة، تنضاف للمسار المثير لهذا الملف، الذي انطلق من اعتراف أحد الوسطاء المعروفين بلقب “الروبيو”، والذي فجر فضائح بالجملة عن تفاصيل شبكة متشعبة الأطراف كانت تشتغل بطريقة منظمة وتوزع الأدوار بينها، مستفيدة من تواطؤ مستخدمين في المستشفيات، وحراس أمن خاص، وسائقي سيارات إسعاف، لتوجيه ضحايا الحوادث نحو محامين وأطباء محددين مقابل عمولات ومبالغ مالية كبيرة.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي