جريدة البديل السياسي – نورالدين عمار.
في المجتمعات التي تقوم على احترام القانون وسيادة الأخلاق، يُفترض برجل السلطة أن يكون مثالاً يُحتذى به في النزاهة والانضباط والسلوك القويم. فهو لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل الدولة وهيبتها، ويحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على النظام وحماية الأفراد، لا انتهاك حقوقهم أو التعدي عليهم.
غير أن الواقع يُظهر أحياناً مشاهد صادمة، حينما يتحول رجل السلطة إلى مصدر تهديد، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتحرش بطالبات المدارس والمؤسسات التعليمية.
من الناحية القانونية، يُعدّ التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون في معظم دول العالم، وهو انتهاك صارخ لحقوق الضحية وكرامتها.
ويشتد وقع الجريمة حين يكون الجاني من رجال السلطة، لما له من نفوذ وقوة تخيف الضحية وتمنعها في كثير من الأحيان من التبليغ خوفاً من الانتقام أو التشهير.
في مثل هذه الحالات، يُفترض أن تُفعّل القوانين بأقصى درجات الحزم، مع تشديد العقوبات، لأن الجريمة هنا لا تمس فرداً فقط، بل تهز ثقة المجتمع كله بمؤسسات الدولة.
من الناحية الأخلاقية، يُعتبر سلوك رجل السلطة المتحرش خيانة للأمانة والواجب المهني، وسقوطاً مدوياً لقيم الشرف والاحترام.
فالتحرش ليس مجرد تصرف فردي مشين، بل انعكاس لانهيار داخلي في القيم، وتجرّؤ على انتهاك حدود العلاقة الإنسانية والمهنية. والمصيبة تتفاقم عندما يكون المتحرَش بهن طالبات في سن صغيرة أو في أماكن يُفترض أنها آمنة، كالمدارس والمعاهد، ما يُظهر استغلالاً مقيتاً للسلطة والموقع.
المجتمع يضع في رجل السلطة رمزية خاصة؛ فهو الحارس، الحَكم، والقدوة.
وعندما يسقط هذا الرمز في مستنقع الفساد والانحراف، يُضرب البناء القيمي للمجتمع في العمق.
تفقد المؤسسات مصداقيتها، وتتآكل ثقة المواطنين في العدالة والأمن، وقد تنتشر ثقافة الخوف والصمت، مما يشجع المتحرشين الآخرين على التمادي في أفعالهم دون رادع.
تحويل رجل السلطة من حامٍ للأمان إلى مصدر للتهديد هو خطر يتطلب وقفة مجتمعية وقانونية جادة.
لا بد من خلق بيئة تتيح للمجني عليهن الإبلاغ بحرية، ومن إرساء آليات رقابة صارمة على سلوك رجال السلطة، وتفعيل دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في فضح التجاوزات. فالحفاظ على هيبة رجل السلطة لا يجب أن يكون على حساب كرامة وأمان المواطن، بل يجب أن يُبنى على أساس الشفافية والمحاسبة.
تعليقات
0