جريدة البديل السياسي |البديل الوطني

انتظارات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات

AKHNNOUCHE-Syndicats-750×470

جريدة البديل السياسي

انطلقت، يوم الثلاثاء الماضي، جولات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، حيث من المنتظر أن يسفر الحوار عن توقيع اتفاق اجتماعي جديد، خلال هذا الأسبوع، قبل حلول فاتح ماي، الذي يصادف احتفال الطبقة العاملة بعيدها العالمي. وأعلنت الحكومة عن التزامها بتفعيل مخرجات الحوارات السابقة، ومنها الزيادة في أجور العاملين بالقطاع العام شهر يوليوز المقبل، التي سيستفيد منها أكثر من مليون موظف. وفي هذا الصدد، أفاد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، بأن كلفة الحوار الاجتماعي ستصل، في أفق سنة 2026، إلى 45 مليارا و738 مليون درهم، على أن تتجاوز هذه الكلفة، خلال سنة 2027،  ما مجموعه 46 مليارا و702 مليون درهم. مقابل ذلك تراهن المركزيات النقابية على تحقيق مطالب ومكاسب أخرى، فيما تطالب نقابة الاتحاد العام لمقاولات المغرب «الباطرونا» بإخراج مدونة جديدة للشغل.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

هذه انتظارات المركزيات النقابية و«الباطرونا» من الحوار الاجتماعي

 

أكد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، أن الاتحاد يتطلع إلى مدونة شغل متوازنة تمنح الفرصة للمقاولات لخلق مزيد من فرص الشغل وتعزيز الإنتاجية، سيما في ظل التنافسية الدولية.

وأبرز لعلج، عقب اللقاءات التي عقدتها الحكومة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، في إطار جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، أن هناك بالتأكيد الكثير للقيام به لجعل مدونة الشغل الجديدة قادرة على الاستجابة لمختلف الإكراهات الاقتصادية والتغيرات المناخية والطفرات التكنولوجية الراهنية على مستوى العالم.

وفي ما يتعلق بالتكوين المهني، أكد لعلج أنه تتعين إعادة النظر في التكوينات والأخذ بعين الاعتبار المتطلبات العالمية بما يسهم في تكييف العمل مع التقنيات الحديثة والتطورات الاقتصادية الجديدة، مشددا على أهمية إعادة النظر في حكامة التكوين المهني حتى يصبح أكثر ولوجية بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى التي هي بحاجة له لمواكبة كافة المتطلبات الحالية للاقتصاد الوطني.

وبعدما أشار إلى أن الاجتماع مع الحكومة كان «بناء»، سجل لعلج أن الاتحاد تبنى خلاله الموقف نفسه إزاء اتفاق سنة 2024، معربا، من جهة أخرى، عن سعادته بالمصادقة على القانون المتعلق بالإضراب الذي طال انتظاره لأزيد من 62 سنة.

ومن جهتها أكدت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على أهمية الاستجابة لمطالبها المختلفة التي تهم الشغيلة في شتى القضايا التي تستأثر باهتمامها في القطاعين العام والخاص. وأبرز ممثلو هذه المركزيات، في تصريحات للصحافة، عقب اللقاءات التي عقدتها الحكومة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، في إطار جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، أنهم تقدموا بالعديد من المطالب التي تشمل المجالات المادية والمعنوية للأجراء والموظفين، وكذا بعض القطاعات الحيوية والفئوية.

وفي هذا الصدد، أكد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي موخاريق، أن وفد مركزيته النقابية تطرق إلى مجموعة من المطالب التي تشغل بال الطبقة العاملة، والتي تهم، على الخصوص، الزيادة العامة في الأجور وفي معاشات التقاعد، والاستمرار في تخفيض الضريبة من أجل تحسين دخل عموم الأجراء في القطاعين الخاص والعام. وأوضح موخاريق أنه جرى، أيضا، طرح الزيادة في التعويضات العائلية بالنسبة للأطفال، والتي تظل «هزيلة» ولا تكفي لتمدرسهم وللتغلب على تكاليف الحياة، مشيرا إلى أنه تم التطرق، كذلك، إلى الحوارات القطاعية التي تهم، بالأساس، التعليم والصحة، والجماعات المحلية وقطاعات أخرى «تعرف تعثرا في الحوار الاجتماعي».

وأشار موخاريق إلى أن الوفد تناول، أيضا، مسألة الحوارات الفئوية التي تهم، على الخصوص، المتصرفين والمهندسين والتقنيين، مضيفا أنها ستُفتح مع الوزيرة المكلفة بقطاع الوظيفة العمومية والرقمنة من أجل الحوار وإخراج القوانين الأساسية إلى حيز الوجود، مشددا على أن وفد الاتحاد المغربي للشغل عبر عن «تحفظه» حول «الإصلاحات المقياسية» بخصوص ملف التقاعد، والتي تتضمن الزيادة في سن التقاعد، مبرزا أنه تمت الدعوة إلى أن «لا يكون إجباريا، بل اختياريا مع مراعاة المهن الشاقة»، فضلا عن رفض الزيادة في اشتراكات التقاعد وتخفيض المعاشات.

وبدوره، أكد الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، النعم ميارة، أن إصلاح أنظمة التقاعد يعد من أهم المواضيع التي جرت مناقشتها خلال جولة الحوار الاجتماعي مع الحكومة، لافتا إلى أنه يتعين أن يحظى بالتوافق و «لا يجب أن يكون على حساب الطبقة الشغيلة»، وأضاف أنه تم، أيضا، طرح الإشكاليات المتعلقة بالأنظمة الأساسية لعدد من القطاعات، وتحسين دخل المتقاعدين، وتعزيز حماية الحريات النقابية وصيانة حقوق الشغيلة، والذي بذلت فيه الحكومة مجهودات كبيرة، وسجل أن «بداية هذه الجولة سيكون لها وقع إيجابي على العمل النقابي والسلم الاجتماعي وبناء الدولة الاجتماعية التي نصبو إليها جميعا تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس».

ومن جانبه، قال نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، خالد لهوير العلمي، إن هذه الجلسة من الحوار الاجتماعي تطرقت إلى العديد من الملفات القطاعية، من قبيل التعليم العالي والتشغيل والتجهيز والتعاون الوطني والجماعات الترابية، مضيفا أن الاجتماع تناول، أيضا، موضوع توحيد الحد الأدنى للأجور بالنسبة للقطاعين الفلاحي والصناعي. وأوضح العلمي أن اللقاء تناول، أيضا، مطلب الدرجة الجديدة للموظفين، وكذا وضعية بعض الفئات من الأطر المشتركة، على غرار المهندسين والمتصرفين، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة أكد أنه سيتم الاهتمام بالأنظمة الأساسية للمتصرفين والمهندسين وغيرهم.

وفي ما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، قال المتحدث إن العمل منصب حول إيجاد «توافق»، لافتا إلى أن هذا اللقاء يعتبر الأول ضمن سلسلة من الاجتماعات المزمع عقدها في إطار الحوار الاجتماعي لمناقشة العديد من القضايا.

وأكد وفد الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وفق بلاغ رسمي، على ضرورة احترام دورية جولات الحوار الاجتماعي ومواعدها، مطالباً بإدراج نقاط مستعجلة في جدول الأعمال. ودعت النقابة إلى تنويع آليات تحسين الدخل لفائدة العاملين في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين، في أفق جولة شتنبر المقبلة، مع التشديد على التزام الحكومة بالحوار بشأن أي تعديل محتمل لمدونة الشغل، وفق منهجية تقوم على المفاوضة الجماعية واحترام آراء جميع الشركاء الاجتماعيين.

وشدد الوفد، كذلك، على رفضه لأي مساس بمكتسبات الموظفين في إطار إصلاح أنظمة التقاعد، داعيًا إلى التسريع بإحداث الدرجة الجديدة في الوظيفة العمومية، ومعالجة ملفات الأنظمة الأساسية الخاصة بعدد من الفئات المهنية، منها موظفو الجماعات الترابية والتعليم العالي، وتفتيش الشغل والوكالات الحضرية، بالإضافة إلى المهندسين، المتصرفين، المساعدين الإداريين والتقنيين، وغيرهم.

ودعت النقابة إلى تعزيز الحوار القطاعي داخل مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية، وضمان تفعيل مضامين الاتفاقات المبرمة، سيما في قطاعي الصحة والتعليم، مطالبة بإحداث آلية مركزية لتتبع الشكايات المتعلقة بانتهاك الحريات النقابية، وعرض مشروع قانون النقابات على المسطرة التشريعية في أقرب الآجال.

أما الاتحاد المغربي للشغل فشدد على ضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة، وتكريس انتظامية الحوار من خلال عقد دورتين في السنة، مع مأسسة هذا الحوار بقانون منظم وإنشاء مجلس وطني لتتبع نتائجه. ورفع الاتحاد من سقف مطالبه، داعياً إلى زيادة عامة في الأجور لتحسين القدرة الشرائية، ورفع معاشات المتقاعدين وتخفيف العبء الضريبي على الأجور، إلى جانب الرفع من التعويضات العائلية لتصل إلى 500 درهم عن كل طفل. وطالب الاتحاد، كذلك، بإجراء حوارات فئوية ومهنية عاجلة لفائدة التقنيين، المتصرفين، المهندسين وذوي الاحتياجات الخاصة، ومراجعة النظام الأساسي الخاص بكل فئة لتحقيق العدالة الأجرية والإدارية.

من جانبها جددت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل رفضها لمشروع قانون الإضراب بصيغته الحالية، واصفة إياه بأنه «يفتقر للشرعية» وتم تمريره خارج منطق التفاوض والتوافق، مطالبة بإرجاعه إلى طاولة الحوار داخل المؤسسة الثلاثية. وأوضحت الكونفدرالية، في اجتماعها مع الحكومة، أن القانون التنظيمي للإضراب يشكل قيدًا على ممارسة الحق الدستوري في الإضراب، داعية إلى مراجعته ضمن مقاربة تشاركية، ومشددة على أن الحوار الاجتماعي لا يمكن أن يحقق أهدافه في ظل ما اعتبرته «انفرادًا حكوميًا بالقرارات الاجتماعية».

وفي ما يخص ملف التقاعد، أعلنت الكونفدرالية مجددًا رفضها لأي إصلاح يمس الحقوق المكتسبة للأجراء، مؤكدة انسجام هذا الموقف مع توجهات نقابات أخرى، من قبيل الاتحاد المغربي للشغل، الرافضة بدورها لتحميل الطبقة العاملة أعباء مالية إضافية تحت ذريعة الإصلاح. ونبهت CDT، أيضا، إلى غياب دورية الحوار الاجتماعي، داعية إلى احترام الحريات النقابية ووقف كافة أشكال التضييق، مع تذكير الحكومة بملفات اجتماعية عالقة، أبرزها ملف ربابنة الخطوط الملكية المغربية، وحالات الطرد النقابي بعدد من المدن مثل الدار البيضاء وطنجة، ومراكش وتمارة والمحمدية.

وفي ظل استمرار ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، جدد وفد الكونفدرالية الدعوة إلى زيادات ملموسة في الأجور والمعاشات، والرفع من الحد الأدنى للأجور والتصريح بجميع الأجراء لدى CNSS، إضافة إلى تفعيل اتفاقات الحوار القطاعي، سيما في قطاع التعليم، وإخراج الأنظمة الأساسية المتوافق عليها في قطاعات الجماعات المحلية والتعليم العالي والتشغيل. وطالبت CDT، كذلك، بالإسراع في إحداث المؤسسة المشتركة للأعمال الاجتماعية لموظفي الإدارات العمومية وتحسين أوضاع مربيات ومربي التعليم الأولي، ومراجعة الأنظمة الأساسية للهيئات المشتركة، مثل المتصرفين والمهندسين والمساعدين الإداريين.

إصلاح التقاعد.. الملف الأثقل على طاولة الحوار الاجتماعي

يشكّل ملف إصلاح نظام التقاعد أحد أبرز محاور النقاش الساخنة في جولة الحوار الاجتماعي الجارية بين الحكومة والنقابات، وهو ملف معقد يحمل في طيّاته أبعاداً مالية واجتماعية وسياسية شائكة، تُراوح مكانها، منذ سنوات، دون توافق نهائي. فبين مطالب النقابات الرافضة لأي مساس بالحقوق المكتسبة للمنخرطين، ومساعي الحكومة لإيجاد حلول لمعادلة مالية مهددة بالاختلال، تتبلور تحديات كبرى ترخي بظلالها على مستقبل الأجراء والمتقاعدين على حد سواء.

وفي خضم جلسات الحوار الاجتماعي المنعقدة مع اقتراب عيد الشغل، أكدت المركزيات النقابية، في مقدمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، رفضها لأي سيناريو إصلاحي من شأنه تحميل الطبقة العاملة أعباء إضافية، مشددة على أن إصلاح التقاعد لا يجب أن يكون على حساب منخرطي الصناديق، بل يستدعي مقاربة تشاركية تضمن الاستدامة المالية دون الإضرار بالحقوق المكتسبة أو التراجع عن مكتسبات عقود من العمل.

من جهتها، ترى الحكومة أن التأخر في إصلاح منظومة التقاعد قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد في المستقبل القريب، خصوصاً مع اتساع عجز بعض الصناديق، على رأسها الصندوق المغربي للتقاعد (CMR). وأبدى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال لقائه بالنقابات، التزامه بمواصلة النقاش حول هذا الملف في إطار الحوار الاجتماعي، مؤكداً أن أي إصلاح سيكون موضوع تشاور موسع يأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الجوانب المالية والاجتماعية.

وتطالب النقابات بضرورة اعتماد مقاربة شاملة في معالجة هذا الملف، تنطلق من فتح نقاش علني حول تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وتوسيع دائرة النقاش العمومي حول النماذج المقترحة، عوض الاكتفاء بالحلول التقنية ذات الطابع المالي المحض. وتطالب النقابات، كذلك، بإجراء تقييم شامل للمرحلة الأولى من إصلاح 2016 التي رُفعت فيها سن التقاعد وتم تقليص المعاشات دون أن تحل الأزمة المالية للصناديق.

ويتقاطع هذا النقاش مع مطالب اجتماعية أخرى طرحت على طاولة الحوار، من قبيل تحسين الأجور والمعاشات، وتفعيل الاتفاقات القطاعية، ومراجعة الأنظمة الأساسية في عدد من القطاعات، وهو ما يعقّد المهمة أمام الحكومة التي تجد نفسها مطالبة بإيجاد توازن دقيق بين الإنصاف الاجتماعي والاستدامة المالية.

وفي انتظار التوصل إلى صيغة توافقية، لازال الغموض يلف مستقبل إصلاح التقاعد، وسط ترقب واسع من الشغيلة وقلق من أن يتحول الإصلاح المرتقب إلى عبء جديد على الأجراء والمتقاعدين، عوض أن يكون مدخلاً لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم بعد سن العمل.

وتزداد حدة التوتر حول ملف إصلاح التقاعد في المغرب بالنظر إلى حساسيته الاجتماعية ووقعه المباشر على شريحة واسعة من الموظفين والأجراء، خصوصاً في ظل السياق الاقتصادي الصعب الذي يشهده البلد نتيجة ارتفاع كلفة المعيشة وتراجع القدرة الشرائية. ففي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن الإصلاح بات ضرورة لا مفر منها للحفاظ على ديمومة الصناديق وضمان صرف المعاشات في المستقبل، ترى النقابات أن أي إصلاح يجب أن يُبنى على مبدأ التوزيع العادل للعبء وليس تحميله حصرياً للفئات العاملة.

وتُطرح عدة سيناريوهات على طاولة الإصلاح، منها الرفع التدريجي لسن التقاعد وزيادة نسبة الاقتطاعات، ومراجعة طريقة احتساب المعاشات، بالإضافة إلى توحيد أنظمة التقاعد في أفق خلق قطب عمومي موحد. غير أن هذه الخيارات تلقى رفضاً نقابياً واسعاً، خصوصاً بعد التجربة المريرة التي مر بها الأجراء مع إصلاح 2016، حيث اعتُبر آنذاك أنه أتم إقراره بشكل انفرادي من طرف الحكومة دون توافق فعلي مع الفرقاء الاجتماعيين.

ويحذر خبراء في مجال الحماية الاجتماعية من أن تأجيل الإصلاح أو اعتماده في غياب التوافق قد يؤدي إلى تكرار الأخطاء السابقة، مؤكدين أن الإصلاح لا ينبغي أن يكون رقمياً صرفاً، بل يجب أن يراعي الواقع الاجتماعي والمهني للفئات المعنية، خصوصاً في قطاعات، مثل التعليم والصحة والإدارة العمومية. ويشدد الخبراء على ضرورة أن تواكب أي خطة إصلاحية إجراءات داعمة مثل تحسين الأجور، وإصلاح الضريبة على الدخل وتعزيز شروط العمل الكريم، حتى لا يتحول الإصلاح إلى إجراء تقشفي يُضعف الثقة بين الحكومة والمواطنين.

ويبدو أن مدى نجاح الحوار الاجتماعي الحالي مرهون بقدرة الطرفين، (الحكومة والنقابات)، على إعلاء منطق التوافق وتجاوز منطق الكلفة والربح السياسي، في سبيل معالجة أزمة بنيوية باتت تُهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وسيكون على الحكومة أن تبعث برسائل طمأنة فعلية للطبقة العاملة، مفادها أن الإصلاح لا يعني التضحية بمكتسباتها، بل ضمان مستقبل أكثر إنصافاً واستقراراً لنظام التقاعد برمّته.

الحوار الاجتماعي سيكلف 46 مليار درهم في أفق سنة 2027

 

 

أفاد مصطفى بايتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن كلفة الحوار الاجتماعي ستصل في أفق سنة 2026 إلى 45 مليارا و738 مليون درهم، على أن تتجاوز هذه الكلفة خلال سنة 2027 ما مجموعه 46 مليارا و702 مليون درهم.

ووصف بايتاس، خلال ندوة صحفية عقب اجتماع مجلس الحكومة، هذا الرقم بـ«الاستثنائي وغير المسبوق في تاريخ الحوارات الاجتماعية»، موضحا أن هذا المبلغ الكبير سيستفيد منه مليون و127 ألفا و842 موظفا، أي أن الأمر يتعلق بالملايين من الأسر المعنية بهذا الإجراء.

وحسب الوزير، سينتقل المتوسط الشهري الصافي للأجور إلى 10 آلاف و100 درهم في سنة 2026، مشيرا إلى أن الحد الأدنى الصافي للأجور سيصل في فاتح يوليوز المقبل إلى 4500 درهم، أي بزيادة تقدر بـ50 في المائة من هذه الأجور، وذكر بايتاس أن الحكومة تحرص على جعل الحوار الاجتماعي فرصة حقيقية لتعزيز مكتسبات الشغيلة في المغرب.

وانطلقت، يوم الثلاثاء الماضي بالرباط، جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة. وذكر بلاغ لرئاسة الحكومة أن هذه الجولة جرت بحضور كل من نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، ويونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، ومصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، وأمل الفلاح، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.

وأبرز أن أخنوش ترأس لقاءات متفرقة ومثمرة مع المركزيات النقابية، دشنها بالتباحث مع وفد من الاتحاد المغربي للشغل، برئاسة أمينه العام الميلودي المخارق، تلاه اجتماع مع وفد من الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، يقوده أمينه العام النعم ميارة، كما استقبل وفدا من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، برئاسة خليد هوير العلمي، النائب الأول للكاتب العام للنقابة، إضافة إلى ترؤسه لاجتماع مع وفد من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يقوده رئيس الاتحاد شكيب لعلج.

وخلال هذه اللقاءات، التي اتسمت بالروح الإيجابية والحوار المسؤول والبناء والصراحة، يضيف البلاغ ذاته، تم التأكيد أن الحكومة نفذت التزاماتها المتعلقة بالاتفاقات الموقعة مع المركزيات النقابية، حيث أفضت جولة أبريل 2024 إلى الاتفاق على مجموعة من النقاط همت بالأساس، الزيادة العامة للأجور في القطاع العام بقيمة 1000 درهم صافية على مرحلتين.

وتابع أنه سيتم صرف الدفعة الثانية خلال شهر يوليوز المقبل، والتي سيستفيد منها حوالي مليون موظف، إضافة إلى تخفيض الضريبة على الدخل (IR) بالنسبة إلى جميع الموظفين والأجراء، والتي تصل إلى 400 درهم بالنسبة إلى الفئات متوسطة الدخل، وكذا الرفع من الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة (SMIG)، والفلاحة (SMAG) بنسبة 10 في المائة جديدة.

كما تم التداول، حسب البلاغ، بشأن استكمال تنزيل ما تبقى من الالتزامات ذات الطابع الاجتماعي، ورفع التحديات المتعلقة بالاتفاقات القطاعية، مسجلا أنه تم خلال هذه الاجتماعات، التي تأتي في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي، التأكيد على التزام الحكومة بفتح الملفات الفئوية، فضلا عن التطرق إلى الملفات المتعقلة بقطاع الجماعات الترابية التي سيتم إدراجها في جدول أعمال هذه الجولة، في أفق إيجاد حلول في أقرب الآجال، نزولا عند رغبة الفرقاء الاجتماعيين.

وخلال مختلف هذه اللقاءات، تم الالتزام بمواصلة اعتماد المقاربة التشاركية التي تم تبنيها منذ بداية الولاية الحكومية بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، خاصة في ما يتعلق بتنزيل بعض الأوراش والإصلاحات كإصلاح أنظمة التقاعد.

وعرفت هذه الجولة من الحوار الاجتماعي طرح المنهجية المتعقلة بإصلاح التقاعد، تبعا لاتفاق أبريل 2022 الذي تضمن عددا من المبادئ التي سيتم احترامها، علاوة على تفعيل اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد. كما تم التطرق إلى مجموعة من الملفات، تجاوبا مع انتظارات الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، سيما تعديل مدونة الشغل.

ونوه رئيس الحكومة، في ختام اللقاءات، بمتانة العلاقة التي تجمع بين الحكومة وجميع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين بعيدا عن الطابع الموسمي، مؤكدا أن إيمان الحكومة العميق بأهمية الحوار الاجتماعي يستمد مرجعيته من التوجيهات السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وذلك لبلوغ أهداف الدولة الاجتماعية، وكذا النهوض بأوضاع الشغيلة، بالموازاة مع تحسين أداء الاقتصاد الوطني.

وخلص البلاغ إلى أن أخنوش ذكر بأن الحكومة نجحت بمعية شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين في عقد اتفاقات اجتماعية غير مسبوقة، إذ تم التوقيع على اتفاقين اجتماعيين تاريخيين في نصف الولاية الحالية فقط، مبرزا أن الحكومة تعتبر الحوار الاجتماعي خيارا استراتيجيا لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.

 

السكوري: الحكومة ملتزمة بالزيادة في أجور مليون موظف بالقطاع العام

 

أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن الحكومة مستعدة لقطع أشواط أخرى مع الفرقاء الاجتماعيين بخصوص عدد من الأوراش.

وأوضح السكوري، في تصريح للصحافة عقب اللقاءات التي عقدتها الحكومة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، في إطار جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، أن الحكومة قطعت أشواطا مهمة في حل إشكاليات كبرى مرتبطة بعدة مجالات، ومستعدة لقطع أشواط أخرى مع الفرقاء الاجتماعيين من خلال الحوار والجدولة والبرمجة.

وسجل السكوري أن الاجتماع شكل فرصة لإعادة تأكيد التزام الحكومة بعدد من الالتزامات وتنفيذها، وعلى رأسها رفع الأجور في القطاع العام الذي استفاد منه أزيد من مليون من الأجراء العاملين بالقطاع العام، لافتا إلى أنه سيتم صرف الدفعة الثانية من الزيادة ابتداء من يوليوز المقبل.

وفي ما يتعلق بالقطاع الخاص، يضيف الوزير، تطرق الاجتماع إلى التزامات الحكومة على مستوى الحد الأدنى للأجور في القطاعات التجارية والصناعية والمهن الحرة وكذا في القطاع الفلاحي، مشيرا إلى أنه تم الوقوف على مجموعة من الحوارات القطاعية وتأكيد التزام الحكومة بفتح عدد من الأوراش المتعلقة ببعض الفئات التي كانت مدرجة في جدول الأعمال، من قبيل المهندسين والمتصرفين وغيرهم. وتابع الوزير أن الاجتماع تناول، أيضا، الملفات المتعقلة بقطاع الجماعات الترابية، مشددا على أنه سيتم إيجاد حل في أقرب الآجال نزولا عند رغبة الفرقاء الاجتماعيين.

وفي ما يخص إصلاح منظومة التقاعد، أكد السكوري أنه، إلى حدود اليوم، ليس هناك عرض حكومي مطروح، بل هناك منهجية اتفق عليها تبعا لاتفاق أبريل 2024، الذي يشمل عدة مبادئ تلتزم بها الحكومة، على رأسها عدد من المكتسبات لدى الشغيلة، والتزام الحكومة بإحياء اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد باعتبارها لجنة هيكلية يتم من خلالها الاتفاق مع الفرقاء الاجتماعيين عبر اعتماد مقاربة تشاركية.

وتناول الاجتماع أيضا، حسب الوزير، عدة مواضيع مطروحة على طاولة النقاش، مثل مدونة الشغل التي تتطلع الحكومة بشأنها إلى عدد من الإصلاحات ستأخذ بعين الاعتبار انتظارات النقابات وتطلعات أرباب العمل، فضلا عن موضوع قانون النقابات والقوانين الانتخابية المتعلقة بمنظومة الأجراء والعاملين.

وأشار الوزير إلى أن الحوار الاجتماعي يعد تكريسا للمقاربة التشاركية ولنمط عمل الحكومة وفقا للتوجيهات الملكية السامية، لافتا إلى أن لقاءات جولة أبريل تندرج في إطار تكريس مأسسة الحوار الاجتماعي.

الحوار الاجتماعي.. مرحلة جديدة من التفاوض بين الحكومة والنقابات

 

يشهد المشهد الاجتماعي المغربي منذ تولي حكومة عزيز أخنوش دينامية متجددة على مستوى الحوار الاجتماعي مع النقابات الأكثر تمثيلية، في محاولة لإعادة الاعتبار لهذا المسار كآلية لتدبير القضايا الاجتماعية الكبرى. ومنذ توقيع الاتفاق الثلاثي في 30 أبريل 2022 بين الحكومة والمركزيات النقابية واتحاد مقاولات المغرب، سعت الحكومة إلى إعطاء نفس جديد لهذا الحوار من خلال سلسلة من اللقاءات الدورية التي تناولت عددا من الملفات الأساسية، وإن ظلت بعض القضايا العالقة تطرح تحديات حقيقية أمام الطرفين.

الاتفاق الثلاثي كان نقطة انطلاق مرحلة جديدة من التفاوض الاجتماعي، حيث تضمن عددا من المكتسبات لفائدة الشغيلة، أبرزها الرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاعين العام والخاص، وتحسين التعويضات العائلية، وتخفيض الضريبة على الدخل لبعض الفئات، إلى جانب إحداث مؤسسة مشتركة للأعمال الاجتماعية لموظفي الإدارات العمومية. كما تضمن الاتفاق التزاما بإخراج أنظمة أساسية جديدة للعديد من الفئات المهنية، خاصة في قطاع التعليم، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وتوسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الصحية والاجتماعية.

رغم هذه المكاسب، ظلت عدد من الملفات تراوح مكانها، ما دفع النقابات، خصوصا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، إلى التعبير عن امتعاضها من بطء وتيرة تنفيذ الالتزامات. وعلى رأس هذه الملفات يبرز إصلاح أنظمة التقاعد، وهو الموضوع الذي يثير حساسية كبيرة بين الحكومة والنقابات، إذ تعتبر هذه الأخيرة أن أي سيناريو إصلاحي يجب ألا يمس بالحقوق المكتسبة، وترفض تحميل الطبقة العاملة أعباء مالية إضافية، بينما تتشبث الحكومة بضرورة ضمان استدامة الصناديق في ظل تزايد عجزها المالي.

كما يثير القانون التنظيمي للإضراب خلافا حادا، حيث تؤكد النقابات أن الصيغة التي صدر بها القانون تقيد الحق الدستوري في الإضراب، وتم إعدادها بشكل انفرادي دون استشارة الفرقاء الاجتماعيين. وقد سبقت النقابات المصادقة عليه بأن دعت إلى سحبه من البرلمان وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي، قصد صياغته بتوافق يضمن توازنا بين حقوق العمال ومتطلبات تأطير هذا الحق المشروع، وهو الأمر الذي لم تستجب له الحكومة، ومضت قدما في سبيل إقراره.

من جهتها، تؤكد الحكومة التزامها بمأسسة الحوار الاجتماعي وتعزيز منهجيته، وقد عقد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، عددا من اللقاءات مع النقابات في هذا الإطار، كان آخرها مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، إضافة إلى الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في سياق التحضير لاحتفالات عيد الشغل. وخلال هذه اللقاءات، تم التأكيد على مواصلة النقاش حول الملفات العالقة، خاصة ملف التقاعد، ودمج نظام التغطية الصحية CNOPS  في CNSS، وتفعيل الاتفاقات القطاعية، بما في ذلك ملف الأساتذة وموظفي الجماعات المحلية والتعليم العالي.

والتزم رئيس الحكومة، حسب ما أفادت به النقابات، بعقد اجتماع جديد قبل فاتح ماي 2025 للحسم في عدد من الملفات المفتوحة، كما تعهد بتسريع وتيرة المشاورات مع مسؤولي الموارد البشرية بالمؤسسات العمومية لضمان احترام الحقوق الاجتماعية للأجراء، وتكريس الممارسة النقابية الحرة.

ورغم ما يطبع هذا الحوار من مد وجزر، فإن النقابات ما زالت تراهن على آلية التفاوض لتأمين مكاسب مادية ومعنوية للشغيلة، معربة في المقابل عن قلقها من ضعف التفاعل الحكومي مع بعض المطالب الملحة، خصوصا في ظل استمرار موجة الغلاء، وتدهور القدرة الشرائية، واستمرار مظاهر الهشاشة في عدد من القطاعات. في المقابل، ترى الحكومة أن توازنات الميزانية تفرض نوعا من الواقعية في التعاطي مع المطالب الاجتماعية، ما يستدعي بناء تفاهمات طويلة المدى تضمن الاستقرار الاجتماعي والعدالة في توزيع الموارد.

وإذا كانت النقابات تنادي بضرورة إعادة الاعتبار لمنهجية الحوار الاجتماعي المبنية على التفاوض والتوافق، فإنها أيضا ترى أن مستقبل هذا الحوار مرهون بتوفر إرادة سياسية حقيقية من طرف الحكومة، واستعداد فعلي للتفاعل مع المقترحات والمطالب العادلة للشغيلة المغربية. في المقابل، تظل الحكومة مطالبة بضمان استدامة الموارد، وتفادي القرارات ذات الانعكاسات المالية الكبيرة دون تأمين مداخيل تغطيها، مما يجعل من الحوار أداة حيوية لتحقيق التوازن المطلوب بين المطالب الاجتماعية والإمكانيات الواقعية.

بهذا الشكل، يستمر الحوار الاجتماعي في المغرب كآلية مركزية لإدارة التوترات وتوسيع قاعدة التوافق، لكنه لا يزال في حاجة إلى تطوير أدواته، وترسيخ ثقافة التعاقد الاجتماعي الحقيقي، وتوفير شروط التنفيذ، حتى لا يبقى مجرد طقس موسمي يتكرر كلما اقترب عيد الشغل، أو حلت أزمة جديدة.

فيما يبقى الحوار الاجتماعي أحد الأعمدة الحيوية لإرساء السلم الاجتماعي وتعزيز التنمية، لكن نجاحه يظل مرهونا بإرادة سياسية حقيقية تحترم تعهداتها، وبشراكة نقابية فاعلة تدافع عن حقوق الشغيلة، دون أن تغفل مسؤوليتها في دعم استقرار الوطن ومؤسساته.

عبد الحفيظ أدمينو

ثلاثة أسئلة لعبد الحفيظ أدمينو*:

 

«السياق العام لجولة الحوار متسم بنوع من التوتر بعد إقرار قانون الإضراب»

 

  • ما هي أهم الملفات المعروضة على طاولة الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات؟

 

قبل الحديث عن الملفات الاجتماعية المعروضة على طاولة الحوار بين الفرقاء الاجتماعيين، وجب الوقوف عند السياق العام التي يأتي في ظله هذا الحوار، وهو السياق المتسم أولا بنوع من التوتر بين الحكومة والنقابات، خاصة أنه لم تنعقد الدورة السابقة في شتنبر الماضي، وبالتالي فالنقابات تتهم الحكومة بأنها قد أخلفت موعدها في احترام مأسسة الحوار الاجتماعي، كما تم الاتفاق عليه في ميثاق الحوار الاجتماعي، وأيضا ينعقد هذا اللقاء في إطار التوتر الذي لاحظناه خلال المصادقة على القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، وهو القانون الذي ووجه برفض النقابات، والتي اعتبرت أنه لا يحترم الالتزامات الدولية للمغرب في مقتضيات كان على الحكومة أن تقبلها، لكن الملاحظ أنه بعد صدور قرار المحكمة الدستورية أتصور أن هذا النقاش اليوم أصبح متجاوزا، لكن هذا لا يعني أنه ليس له انعكاس وأثر على هذه الجولة من الحوار الاجتماعي.

إن هذه الجولة من الحوار الاجتماعي مطبوعة كذلك بنقاط أساسية، على رأسها استمرار الحكومة كذلك في تنزيل التزاماتها المسطرة في الجولات السابقة، خصوصا  في حوار أبريل سنة 2022، وبالتالي فهناك العديد من الالتزامات التي ترتبط أيضا بالشغيلة التعليمية، وذلك بعد إقرار النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، والذي يضم أيضا مجموعة من البنود والالتزامات التي تستوجب تخصيصات مالية، زيادة أيضا على إصلاح التقاعد، وهو العنصر الأهم في جولات الحوار الاجتماعي هذه، وهو المرتبط ليس فقط برغبة الحكومة والنقابات، بل أيضا بالالتزامات الواردة في القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي يستشرف أنه في متم سنة 2025 سيتم اعتماد إصلاح هذا القانون.

 

  • في هذا الجانب، ما هي النتائج الاجتماعية التي يمكن أن يفضي إليها الحوار الاجتماعي، خصوصا في ما يتعلق بتحسين الدخل؟

لا أعتقد أن لهذه الجولة من الحوار الاجتماعي أي نتائج متوقعة على تحسين الدخل والزيادة في الأجور بالنسبة إلى القطاع العام، فهذا الأمر غير مطروح لعدة اعتبارات، على رأسها أن الحكومة كانت قد استجابت للزيادة في أجور الموظفين بالقطاع العام بقيمة 1000 درهم، كما تم تخصيص عدد من الفئات بما فيها موظفو التعليم والأساتذة في التعليم العالي، زيادة على الأطباء والعاملين في قطاع الصحة، بالزيادات في الأجور، وبالتالي، فمن غير المتوقع أن يكون طرح لهذه النقطة من جديد في الحوار الاجتماعي الحالي.

أما في ما يخص القطاع الخاص، فما يمكن أن يكون معروضا على طاولة الحوار، هو التقليص من الضريبة على الدخل كعنصر مهم من أجل تحسين هذا الدخل، وغير هذا فهذه المسألة مطروحة أيضا في مجال مراجعة مدونة الشغل التي ما زالت محط انتقادات الحكومة والنقابات على السواء، وبالتالي فيمكن أن تكون هذه النقطة مطروحة في الجلسات المقبلة من الحوار الاجتماعي، ونتذكر أنه كانت مطالب ملحة من عدد من الجهات للحكومة بأن يرفق الاشتغال على قانون الإضراب بالقانون التنظيمي الخاص بالنقابات، والذي من المفروض أنه يؤسس للحقل النقابي، وتخطي الوضعية الحالية لعدد من النقابات التي يوجد على رأسها متقاعدون، وهي مسألة غير منطقية، حيث إن هؤلاء القادة تمت إحالتهم على التقاعد، وبالتالي فالتمثيلية تصبح غير ملائمة، وقانون النقابات أيضا مهم بخصوص الاتفاقية 157 لمنظمة الشغل العالمية حول الحرية النقابية، والتي تطالب النقابات دائما الحكومة بالمصادقة عليها، وهي المصادقة التي تقتضي بالضرورة أيضا مراجعة العديد من المقتضيات في مدونة الشغل، خاصة وما نطالعه من أن هناك بعض التضييقات التي تمس حقوق النقابات في تأسيس مكاتبها وغيرها من التضييقات، سيما من المقاولات.

 

  • ماذا بخصوص الجانب السياسي في الحوار الاجتماعي، ونحن على بعد عام وأشهر قليلة عن الانتخابات التشريعية؟

 

كما أشرت، فالمكاسب المادية غير مطروحة بالنسبة إلى النقابات في هذه الجولة من الحوار الاجتماعي، يبقى الثقل السياسي الملقى على كاهل الحكومة في استكمالها للوفاء بالتزاماتها، خصوصا في ما يتعلق بإصلاح التقاعد، بعد دمج الصناديق الثلاثة. واليوم الحكومة من بين أهم ما يمكن أن تقوم به هو إصلاح نظام التقاعد وفق بعد استراتيجي، بعيدا عن الإصلاح المقياسي المرتبط بالرفع من سن التقاعد ومن نسبة الاقتطاعات. بمعنى أن الحكومة مطالبة برؤية استراتيجية تستحضر استدامة عمل صناديق التقاعد، وأيضا تستحضر إشراك باقي الفرقاء الاجتماعيين للوصول إلى صيغة مقبولة لدى جميع الأطراف، خصوصا النقابات والتي لا تقبل الرفع من سن التقاعد، أو الرفع من قيمة مساهمات الأجراء، بل يجب أن يكون هناك إصلاح استراتيجي يضمن استدامة عمل هذه الصناديق وانخراطها في إطار منظومة الحماية الاجتماعية كورش كبير في بلادنا.

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالرباط

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي