جريدة البديل السياسي |غير مصنف

ميمون الرحموني… فنان القلوب وصوت الأرض…. لقام الأستاذ جمال الغازي

téléchargement (5)

جريدة البديل السياسي – بقلم الاستاذ جمال الغازي ( بويموناس )

 

ميمون الرحموني… فنان القلوب وصوت الأرض.

 

في فضاء الأغنية الأمازيغية الملتزمة، تلمع أسماء كثيرة خطّت المجد بالحرف والنغمة والصدق، غير أن بعض الأصوات لا يلمع فقط، بل يشع بعمق أثره ورسوخ حضوره، لا بكثرة ظهوره.

من بين هؤلاء، يتوهّج نجم الفنان الأصيل والعاشق النقي للكلمة الهادفة، ابن الأرض والقصبة بروحها الإحساسية، ميمون الرحموني. فنان استثنائي، نذر نفسه للفن كما ينذر الصوفي قلبه للعبادة، وجعل من صوته وألحانه جسراً يمتد بين الماضي والحاضر، بين الإنسان ووجدانه، وبين الريف وذاكرته الحية. ميمون الرحموني من مواليد سنة 1963، بمدشر “اغير بوفرحا” التابع لأيت سيذار، وسط عائلة فلاحية بسيطة. فقد والده وهو لم يُكمل شهره الثالث، فعاش يتيما في كنف أم صابرة، ورعاية من العائلة. طفولته الأولى ارتبطت بالطبيعة والقصبة، حيث كانت نغمات “ثمجا” التي كان يعزفها ابن خالته ـ راعي الغنم ـ أولى النوافذ التي أطلت منها الموسيقى على روحه اليافعة، فهزته تلك النغمات كأنها همس السماء، لغة جديدة تغسل الداخل وتوقظ الحنين.

قبل أن يتعلم العزف على أي آلة موسيقية حديثة، كانت “ثامجا” رفيقة وحدته، تعلم من خلالها أن الحزن يمكن أن يُغنى، وأن الوجع يمكن أن يتحول إلى نغمة. بعد انتقاله إلى جعدار، واصل ميمون الرحموني دراسته الابتدائية ببلدة إحدادن، حيث بدأت ملامح موهبته تتفتح أكثر بفعل الأنشطة المدرسية الموازية، خاصة تلك التي كانت تُنظم بمناسبة عيد العرش. شغفه بالموسيقى وصدقه الفني جعلاه محط إعجاب أساتذته وزملائه.

وقد شكّل ارتباطه القوي بفرقة “إينو أمازيغ” نقطة تحول في مسيرته، إذ فتحت له هذه التجربة أفقا فنيا رحبا.

وبين مختلف الآلات، أسر قلبه البانجو، تلك الآلة التي أحبها منذ رآها أول مرة مع الفرقة، فبدت له وكأنها تنطق بلغة أحاسيسه وتمنحه مفاتيح التعبير عن مكنوناته.

في سنة 1978 ساهم في تأسيس فرقة “أسام”، وكان من بين الأعضاء النشطين فيها، ثم انضم الى فرقة ايريزام سنة 1979 قبل ان يشكل ثنائيا متميزا مع الفنان حسن تيبرينت حيث تُوِجا سنة 1980بمدينة الدار البيضاء بالجائزة الاولى للاغنية الملتزمة الشعبية مع الاختين الوكيلي ، في سنة 1984 أسس ميمون الرحموني مجموعة “إثران” إلى جانب رفاقه عبد الرحمان، حسن، عبد القادر، ونور الدين.

هذه المجموعة التي ستتحول لاحقا إلى واحدة من أبرز الفرق الغنائية الأمازيغية الملتزمة والمعاصرة.

ومن خلال “إثران”، بدأ اسم الرحموني يبرز تدريجيا في الساحة الفنية بوضوح تام، ليأخذ مكانته المستحقة إلى جانب كبار الفنانين الذين أناروا درب الأغنية الهادفة في الريف. تميز ميمون الرحموني بإخلاصه للكلمة الهادفة، واختياره للألحان التي تنبع من عمق الوجدان الريفي. كتب ولحن أغنيتين : 1-يوشيشم بابام 2-الله اهنيك اببا قصائد ليست فقط أغان، بل صرخات حرقة وشكوى، ومرايا لوجدان الإنسان الريفي البسيط. تأثره بالتيارات الموسيقية من الغيوان إلى المشاهب التي وضفت الماندولين، ومرورا بتجارب مجموعة “إمازيغن” التي أدخلت القيثارة الكهربائية، جعله ينفتح على تجارب متنوعة، دون أن يفقد أصالة صوته أو خطه الفني. كما تعاون مع الفنان حسن تيبرينت، ومع الأختين الوكيلي في أعمال ذكرتها واكررها حتى لا تنسى وتبقى راسخة في الذاكرة الجماعية.

لم ينس ميمون إعادة إحياء بعض أغاني فرقة “إيريزام” مثل: *الحسيمة *تشماينو ويرطرو …. الخ *أو تراغيد خام لفرقة أصفضاون الخالدة

. اغاني تاريخية راسخة كأنما يعيد تقديمها بروحه وصوته، فيضفي عليها طعما جديدا بنكهة الزمن الراهن. ميمون اطلق اعمالا جديدة مثل اغنية احواس التي الفها الشاعر فوزي عبد الرحيم.

في الدورة السادسة لمهرجان النكور بالحسيمة وفي اعتراف بمساهماته الفنية تم تكريمه الى جانب فنانين آخرين. في إحدى المرات، طلبت منه المشاركة بقصيدة في ديوان أناروز ن توذات، فقال لي: “جمال، أنا لست بشاعر”، فابتسمتُ وأجبته: “وهل يوشيشم بابام ليست شعرا؟”، فضحك وقال: “غَاك أرحق بهذه القصيدة، سأشارك بها. أنا رهن إشارتك في كل التفاتة تخدم الثقافة من أجل الإنسان”. الصديق أحمد حموشي يشهد قائلا: “كانت علاقتي متميزة مع الفنان القدير ميمون الرحموني، حضر عرسي سنة 1986 بتافرسيت.

لأول مرة في تاريخ الأعراس بالريف، سمع الناس أغاني ملتزمة من فرقة إثران.

نصبنا المنصة فوق سطح بيتي، وبدون دعوات، امتلأ السطح عن آخره. سحرهم الرحموني بصوته وإحساسه، وغنّى إلى الفجر بإبداعات الوليد ميمون وذاته.

كانت ليلة لا تُنسى، مرت عليها 38 سنة، وما زال طيفها يزورني”. ميمون الرحموني ليس مجرد فنان، بل مدرسة في الالتزام، في التواضع، في الوفاء للكلمة، والولاء للأرض والناس. هو ذاك الصوت الذي اختار أن يصدح لا لأجل الشهرة، بل لأجل الحقيقة.

في زمن تغيّرت فيه الموازين، ظل الرحموني وفيا لمساره، يُغني الريف ويُغني الروح. فله منا كل الاحترام، وكل الحب، وكل الدعاء بطول العمر والصحة والعافية.

دام نغمه مشعا في سماء الثقافة الأمازيغية، ودام صديقا وفيا ورفيقا لكل من عشق الفن الأصيل.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي