اجتمــاعيات

عبد الرحمان طحطاح: قامة مناضلة ورمز للثبات في ذاكرة الريف المغربي .

بقلم الأستاذ جمال الغازي – جريدة البديل السياسي 

عبد الرحمان طحطاح: قامة مناضلة ورمز للثبات في ذاكرة الريف المغربي .

مسيرة المناضل عبد الرحمان طحطاح تشع كنجم لا يغيب عن سماء النضال الريفي، فهو شخصية وطنية استثنائية ومناضل جمع بين الثبات الفكري والشجاعة، ليصبح رمزاً للوفاء لقضية الشعب ووطنه. وُلِد طحطاح في مدينة الحسيمة المغربية عام 1952، ورحل عن عالمنا عام 2008 عن عمر يناهز 57 عاما، لكنه ترك بصمة راسخة على مسار العمل السياسي، كما شكل قدوة لمناضلي الريف وشبابه الطامح للتغيير.

اتسم طحطاح بثقافته الواسعة، وبراعته في العمل النقابي، إلى جانب شغفه العميق بقضايا الهوية الأمازيغية، مما جعله أحد مؤسسي الحركة الثقافية الأمازيغية بالريف، وشخصية متكاملة صاغتها مسيرة طويلة من التضحيات والنضال. انطلق طحطاح في مشواره النضالي من خلال انخراطه في حزب التقدم والاشتراكية ومن قبل في التحرروالاشتراكية، الذي كان يحمل لواء الفكر اليساري التقدمي، وبدأ نشاطه بشكل سري في الريف خلال السبعينيات بمعية رفاق النضال أمثال أوعايد محمد والحسني عمر، حيث كانوا من المؤسسين الحقيقيين للحزب في المنطقة.

وقد بذل هؤلاء الرواد جهودا جبارة في تأسيس الخلايا الحزبية السرية، التي كانت تعقد اجتماعاتها في بيوت الأعضاء، مثل بيت الحسني عمر وبيت الفقيد ، بهدف نشر الوعي السياسي وإشراك الشباب في بناء الفكر الاشتراكي التقدمي.

كانت تلك الخلايا مدرسة حقيقية في تثقيف المناضلين، وغرس قيم التضامن والعمل الجماعي، وإعداد جيل شاب متمرس يؤمن بالتغيير.

وفي عام 1978، قام طحطاح بحدث تاريخي عندما بادر بإحياء ذكرى الزعيم عبد الكريم الخطابي بمدينة الناظور، مما عزز الروح الوطنية وأعاد إشعال مشاعر الاعتزاز بالهوية. هذا إلى جانب تأسيسه لجمعية “الانطلاقة الثقافية” بالتعاون مع استاذنا الفاضل العزيز الدكتور قيس مرزوق الورياشي و الفقيد الحسين القمري … الخ ، التي كانت أول جمعية في الريف تطرح مسألة الثقافة الأمازيغية بجرأة وتفتح آفاقا جديدة للنقاش الثقافي والاجتماعي. عرفت حياة طحطاح جانبا آخر من النضال، حيث تعرّض للاعتقال في عام 1981 برفقة زميله السي الحسني عمر. عانى طحطاح ورفيقه من التعذيب والحرمان، لكنه لم يتخلّ عن مبادئه، بل بقي ثابتا على مواقفه، مشعلا الأمل في نفوس الشباب كأب روحي ومرب حكيم. بفضل تلك الشجاعة، كان طحطاح منارة في سماء الريف، وقدوة لأولئك الذين تأثروا به واتخذوه نموذجا يحتذى به.

كانت نشأته في بيت محافظ كونه ابنا لقاض، قد أكسبته منظومة قيمية أصيلة، لكنه ظل منفتحا على كافة الأطياف والمجتمعات، ما أكسبه احترام ومحبة كل من عرفه.

. ■يقول عنه صديقه محمد بوعمار: “كان مناضلاً أكثر بروليتارية من البروليتاريا نفسها، وقائدا نقابيا لا يعرف الخطر. لقد اعتُقل وعُذب وضحّى بنفسه في سبيل مبادئ الاشتراكية العلمية، تاركاً بصمة عظيمة في قلوب المناضلين الشرفاء في المغرب وخارجه.

.” ■أما زميله أحمد حموشي، فيصفه قائلا: “الأستاذ طحطاح كان مناضلا شجاعا وأستاذا متميزا ساهم في تكوين جيل جديد من الشباب المؤمن بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذين أصبحوا فيما بعد أطرا عالية في مختلف المجالات. لقد ساهم طحطاح برفقة الحسني عمر في ترسيخ روح المقاومة والانتماء للوطن، وكانت مسيرته سببا في إدراج الأمازيغية كمكون أصيل في الهوية الوطنية المغربية بدستور 2011.” ■يضيف الأستاذ بومدين عبد الصادقي في شهادته عن الراحل قائلا: “طحطاح كان قائداً فذًّا وواحداً من أعمدة النضال بالريف، ومن الذين أسهموا في الاحتفاء بمعركة أنوال العظيمة تحت لواء حزب التقدم والاشتراكية في مقر الحزب بالناظور.

لم يكن مجرد مناضل سياسي، بل كان أيضا رجلا شجاعا يقود بلا تردد، وساهم في إشعال شعلة الفكر الأمازيغي حتى في أوج المحن.” ■أما صديقه الحسين بولشيوخ فيتذكره قائلا: “أتذكر عندما زرنا عمال سيفريف لإقناعهم بالانضمام للنقابة، إذ اقترح عليهم طحطاح الوقوف معهم قانونيا في حال تعرضهم للطرد، فكان ردهم انت محامينا ، لقد رأوا فيه قائدا وأبا، ورمزا للثقة والأمل في النضال من أجل حقوقهم.

.” في خاتمة حياته، ظل عبد الرحمان طحطاح وفيا لقيمه النضالية، متمسكا بمبادئه حتى اللحظات الأخيرة. رحل عن عالمنا تاركاً خلفه إرثاً فكريا وثقافيا غنيا، ومسيرة حافلة تروى للأجيال القادمة. لقد مثل طحطاح مدرسة في النضال الوطني، وترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة الريف، حيث أصبح رمزا للمناضل الصلب والمثقف الحر.

سيسجل التاريخ اسمه بأحرف من نور، وستبقى ذكراه حية في قلوب الأصدقاء ورفاق الدرب وكل من تأثر بنضاله المخلص. فلترقد روحه في سلام وهناء

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار