محمادي بوزيان: رحلة النضال والعطاء… بقلم الاستاذ جمال الغازي
بقلم الأستاذ جمال الغازي- جريدة البديل السياسي –
إن من أجمل القصص التي يمكن أن تُروى هي تلك التي تجمع بين الطيبة والعمل الدؤوب، وبين النضال من أجل المبادئ والبحث عن النجاح الشخصي.
محمادي بوزيان ابن الريف المغربي، هو أحد هؤلاء الأشخاص الذين نسجوا حياتهم بخيوط من الالتزام والقيم، تاركين بصمة لا تُمحى أينما حطّت أقدامهم.
ولد في عام 1955 دوار “إموسى عبد الله” التابعة ل ابارودين *أوكسان*، ليبدأ منذ طفولته رحلة مليئة بالتحديات والتنقلات، وذلك بسبب عمل والده كعسكري.
من الحاجب إلى تاركيست، مرورا بمكناس، ثم الراشدية، حيث أنهى دراسته الابتدائية والثانوية قبل أن يعود إلى الناظور لمواصلة تعليمه في ثانوية عبد الكريم الخطابي من 1972 إلى 1976.
رغم تفوقه الدراسي، إلا أن حلم الهجرة إلى الغرب استحوذ على تفكيره، مما دفعه للتوقف عن متابعة دراسته الجامعية، وهو قرار ندم عليه لاحقا.
انطلق في مساره المهني موظفا في مكتب الحالة المدنية بجماعة سلوان، لكن مسيرته كانت محفوفة بالصعوبات بسبب نشاطه السياسي وانتمائه لحزب التقدم والاشتراكية.
في تلك الفترة كان الانتماء إلى الحزب يشكل تهديدا للبعض، مما أدى إلى تعرضه لضغوط أدت إلى فصله عن عمله. ورغم ذلك، لم يستسلم محمادي، بل انتقل إلى القطاع الخاص في أواخر السبعينات، متمسكا بمبادئه ومواقفه السياسية.
سي محمادي كان مولعا بالنمط الغيواني مما جعله يتاثر بتلك الموجة في اواسط السبعينات وأسس مع أخيه المرحوم محمد بوزيان ، الموساوري سعيد و بوصحاح محمادي مجموعة ايني اومازيغ المعروفة ، هذه الفرقة كانت بدايتها بالدارجة المغربية ومما حكى لي الرفيق العزيز سي محمادي أن اغنية وا الصينية لفرقة ناس الغيوان هي بداية تحول الفرقة شيئا فشيئا إلى الغناء الغيواني الامازيغي.
حيث كانت الانطلاقة من ترجمة كلمات وا الصينية إلى الامازيغية بنفس اللحن الغيواني.وكشاهد على العصر ذكر لي أن فرقة زرياب كانت سباقة إلى الأمازيغية وهذا ما اؤكده كذلك لأنني كنت من الذين يحضرون حفلات زرياب وفيها سي محمد علالي.
حينما استمعت إلى تسجيل صوتي لأخي محمادي، تسللت إلى قلبي مشاعر عميقة، وجدت نفسي متأثرا بنغمات صوته الصادق الذي يعكس شخصيته المليئة بالقيم الراقية والأخلاق العالية.
كان صوته يحمل في طياته الكثير من التجارب التي عاشها في مسيرة النضال والعمل الدؤوب.
في بداية الثمانينات، انتقل محمادي إلى فاس لمواصلة دراسته، وحصل على دبلوم في المحاسبة بعد عامين من التكوين، مما مكنه من الالتحاق بسوق العمل في مدينة القنيطرة. هناك، استفاد من قربه من الرباط، حيث كان يزور مقر الحزب ويتفاعل مع كبار قادته، مثل علي يعته وإسماعيل العلوي وعبدالله العياشي.
حضر المؤتمر الرابع للحزب في الدار البيضاء عام 1987، مما عزز وعيه السياسي وثقافته التنظيمية. كما حصل على دبلوم في اللغة الفرنسية من المركز الفرنسي، مما جعله واحدا من الرفاق البارزين في تلك الفترة نضجا و ممارسة. ابتلي بلاءا حسنا في أحداث 84 حيث قضى 14 يوما في الاعتقال ذاق فيها ويلات من العذاب النفسي والعنف الجسدي كباقي معتقلي 84 معية الرفيق احمد بطا الذي الف كتاب مشترك مع الأستاذ المصباحي : أطفال يكبرون رغم انفهم في عام 1989، قرر الهجرة إلى إسبانيا بحثا عن آفاق جديدة.
سرعان ما أسس جمعية ثقافية هناك، وبرز كناشط نقابي بعد التحاقه بنقابة UGT. بفضل نشاطه وحيويته، ترقى إلى مسؤول نقابي في الهجرة والاندماج، ليصبح صوتا مؤثرا في الدفاع عن حقوق العمال المغاربة.
لم تكن حياة محمادي بوزيان مقتصرة على السياسة والنقابة فقط، بل امتدت لتشمل المجال الثقافي. كان من بين المؤسسين الأوائل لفرقة “أين أمازيغ” الغنائية، التي بدأت بغناء أغاني “ناس الغيوان” باللغة العربية، ثم تحولت تدريجيا إلى الغناء بالأمازيغية.
عرف محمادي بموهبته في تقليد الأصوات وإضفاء البهجة في محيطه، وكان دائما يسعى لتأطير وتوجيه من حوله، مما جعله شخصية محبوبة ومؤثرة في الوسطين الثقافي والجمعوي.
من أبرز إنجازاته في هذا المجال، تأسيسه لمجلة “اليد” (La Main)، التي كانت تهتم بقضايا المهاجرين، معبرة عن همومهم وطموحاتهم. كما ساهم في تأسيس جمعية “أميك أمازيغ” في برشلونة، التي نظمت العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، من بينها الاحتفال باليوم العالمي للمرأة المهاجرة وتدريس اللغتين الأمازيغية والعربية للأطفال المغاربة المهاجرين.
كانت الجمعية أيضا تهتم بتقديم دروس في التربية الإسلامية وتنظيم معارض تاريخية وأنشطة تهدف إلى الحفاظ على التراث الريفي.
في عام 2013 استقر في آميان شمال فرنسا واصل عمله النقابي والثقافي المعهود ولازال نائبا لرئيس جمعية ايرف الثقافية . اقول :محمادي بوزيان هو تجسيد حي للرجل الذي لم يعرف التراجع أمام الصعاب، سواء في حياته الشخصية أو المهنية. عبر مسيرته الطويلة في العمل السياسي، النقابي، والثقافي، أظهر محمادي قوة في الالتزام بقضاياه وحرصا على نقل قيمه وأفكاره إلى الأجيال الجديدة.
حياته المليئة بالعطاء والمواقف الصادقة، تمثل درسا في التفاني من أجل المبادئ والتكيف مع الظروف المتغيرة.
يظل محمادي بوزيان قدوة للإنسان الذي لا يتوقف عن التعلم والتأثير الإيجابي، مهما كانت التحديات التي تواجهه
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار