كتاب وآراء

بوقــانــا / أو ثيزرث / هذا الصباح ؛ 18 / 9 /2024م.. بقلم ذ. محمادي راسي

بقلم ذ. محمادي راسي- جريدة البديل السياسي 

بوقــانــا / أو ثيزرث / هذا الصباح ؛ 18 / 9 /2024م

معطيات قبل النص بعجالة

==================

(بوقانا تسمية حديثة أجنبية أعجمية إفرنجية إسبانية استعمارية دخيلة bocana تعني ترعة .

ثيزرث؛ نقولها بالأمازيغية بالتحريف ، أتت من التسمية العربية؛ الجزيرة ، وتعني ؛أرض ينجزر عنها المد ،أي ينكشف عنها الماء ،ولكن هي شبه جزيرة أو البرزخ ؛لأنها محاطة بجميع الجهات ما عدا جهة واحدة ،تسمية قديمة عربية أصيلة قحة والإسبان يطلقون عليها ؛restinga وتعني فرضة ،بغض النظر عن الجزيرة وتعني isla ….)

==================

كعادتي وجهتي نحو الشاطئ للقيام برياضة المشي الجامعة لعدة فوائد ،وفي القفول ؛أقصد مقهى “الطيب “الواقع فوق شرفة رملية سجسجية ذات محارات وحلزونيات ذات ألوان مختلفة ، وأشكال متنوعة ، وأحجام متباينة متلألئة ،تجعلك لألاء منشرحا بسيطا ،وهي مشرفة على الشاطئ ، قصد الفطور وتناول سوملة قهوة تنبه عقلي وتنشط جسمي ، وتشرح صدري فتنشرح جوانحي وفرائصي ،وتساعدني على التفكير والتركيز والتدبر…وفي هذا الصباح ذي صباحة يحلو الجلوس ،والغزالة ضحى فيه ترهره الآل ،وترقرق أديم اليم الخضم ،ورسمت أشعتها سيفا سيفانا ناصعا من لجين يقق .

الشاطئ خال خاو من المصطافين، ومن ضجيجهم وصخبهم وصياحهم ، لذلك عادت النوارس فجاءت رسلة ، وهي تحوم وتغوص ،وتسبح في البحر بكل حرية ، لقد خلا لها الجو / تبيض وتصفر / ،وتسير بتمهل وتوءدة ورزانة ورسل ، وتمشي الهوينا ، والقطا رجعت أيضا ، والنحام سيرجع في أكتوبر القادم لأنه من الهواجر والقواطع ، ويحب الهدوء ؛منزله البحيرة الصغيرة الهادئة ، ابنة البحر الأبيض المتوسط الحديثة العهد والولادة نتيجة حدث جغرافي .. وينام وهو واقف على رجل واحدة بدون أن يمل ويتعب ، ولكنه يمل الوئيد وصوت البشر فيبتعد، لا يريد الضجيج والصخب والجلب ..سبحان الله …اااا، تهت مع نحيرة ثيزرث وفضائها وطيورها، ونسيت جلستي وما يحيط بي.. وما كنت أفكر فيه …

جلست وحيدا ؛لم أجد المجاور ، ولا الجار القريب ،ولا الجار الجنب ، ولا المفكر المجادل المحاور ،ولا الصديق ، ولا الأستاذ ، ولا الفقيه ، ولا المستشار في شؤون البحر، ولا الخبير في الصيد والجلفظة أو الجلفطة ،ولا العارف باتجاه الرياح ؛سيرها ومسارها وجهة هبوبها …والنكباء …دليل على نهاية الصيف وحلول الخريف …

جلست صامتا واجما ،بل جلست جلسة رياضية “يوغية ” ،لتهذيب الأخلاق النفسية ،والتدريب على الطريقة التفكيرية والإصغائية والإيحائية كأنني في حالة صوفية ، أريد أن أصل إلى سدرة المنتهى ،وأصبحت هذه الجلسة اليوم ؛”كخلوة أيام للعبادة والتفكر في ما توجبه على المؤمن حقائق الأيمان ” ، ولم أقف بالشاطئ ؛لأن في الوقفة سأكون شاعرا جاهليا يبكي على الأطلال التي درست وانمحت وسفتها الرياح .

جير ؛ لم أقف بالشاطئ ….لأبكي على الذين رحلوا والذين كانوا يترددون على الشاطئ وهم قادمون من جهات أخرى ، وعلى أهل بني انصار وثيزرث والصيادين والمصطافين …ولكن الخياليّة آثرت أن أسافر عبر البحر إلى ضفاف مدن أخرى ودول أخرى … ولكن ؛ يلزم أن أكون واقعيا مبتعدا عن الأبراج العالية …. كي لا أكون رجلا أخائلا تسيطر عليه الخيلة والخيلاء ….

رجعت إلى مجلستي ، كأنني قمت ب “رحلة إلى القمر” ك /”جولي فيرني ” أو كأنني نزلت به ك/”نيل أرمسترنغ” ،أو تهت مع “الكوميديا الإلهية ” لدانتي” ،أو مع “رسالة الغفران “لأبي العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء …… لا شيء من ذلك إنه ضرب من الخيال وأضغاث أحلام ….

في رجوعي ؛طفقت أفكر في البحر وهو أمامي ، أمواجه مترادفة مندفعة كأنها في سباق الخيل ، ولكنها رغم قوتها وعظمتها تفنى في الرمال ، وفي فنائها تحدث حسيسا لا يستطيع عمالقة الموسيقى وأهل السيمنفونيات تقليده ومحاكاته ولن يستطيعوا …صوت البحر طبيعي سرمدي أزلي … صوت مقبول ؛ هو دائما أبدا بين المد والجزر ،والاعتدال والفتور ، والاضطراب والهيجان ، صوت لا يحتاج إلى الكهرباء ،ولا إلى الطاقة الشمسية ، ولا إلى المركم ، ولا يفنى إلا بفناء هذه الدنيا الفانية ….

في قفولي أيضا ؛ شرعت أفكر في اللوحة الطبيعية بدون إطار، ولا برواز ، ولا ترى بالعين، بدون ألوان وخربشات وأشباح ، ولا تنتمي إلى الفن التشكيلي ، ولا إلى السريالي ….،يعجز عنها عمالقة الرسم ك /”دالي “و “موريو” و “بيكاسو” و”ميرو ” و”ليوناردو ” و”ديلاكروا ” وغيرهم من الرسامين المشهورين … تلك اللوحة المتمثلة في النسيم العليل ،والصوت الجميل ، تحس بهما الأذن ولا تراهما العين ، والأذن تعشق قبل العين أحيانا ..الأذن تنساق مع ذلك الصوت الجميل ، والعين تسعد بما ترى أمامها من ملموسات وموضوعات .

ك/ قول بشار بن برد :

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة // والأذن تعشق قبل العين أحيانا .

النظر إلى البحر عبادة لجميع الناظرين ، وهو شفاء للمرضى ،ودواء للعاشقين ، ووحي وإلهام للشعراء والكتاب والرسامين، ومصدر تفكر وتدبر للمفكرين ، بغض النظر عن مصدر رزق للصيادين … بل هو مستشفى بدون جدران للمرضى بأمراض عقلية ونفسية ، فيه راحة واستراحة للمهمومين والمدمنين والمغمومين والممسوسين …ويبقى البحر متنفسا لجميع الزائرين والمقيمين والقريبين والبعيدين ..هو دائما في حركة وتجدد ،إنك تذهب إلى البحر مرة واحدة ،وإن كنت ذهبت عدة مرات.. ..كالمقولة التي تقول ؛”إنك تقع في النهر مرة واحدة ولا تقع مرتين “، لأن الماء يجري …؟؟اا.

وختاما /؛ في الأيام السالفة بخّر البحر، فتبخرت بعض المقاهي الغالية ذات الكلفة المكلفة ،وذات النجوم العالية ، والمقاهي الشعبية الرخيصة المتواضعة ، ولم يظهر لها أثر…وبقي مقهى “الطيب “وحده وحيدا يواجه الأمواج، ويقف في وجه الرياح؛صيفا/ خريفا / شتاء/ ربيعا/ ..لنهجه نهج التواضع والحوار، وحسن الاستقبال ….وعهدي به أزيد من أربع سنوات

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار