جريدة البديل السياسي |كتاب وآراء

..مليلية مدينة كل الغوايات القديمة…….(2)… بقلم الأستاذ مصطفى ترجوان

416027815_905430861178778_5520780419650056805_n

بقلم مصطفى ترجوان – جريدة البديل السياسي

..مليلية مدينة كل الغوايات القديمة…….(2)

استقر بنا الحال في حانة الفلامنكو olé..olé.. كان ديكور الحانة متميزا على بساطته،بناؤه من حجارة، تشكل جزءا أصيلا، من البناء العتيق للقلعة، وعلى الرغم من الترميم الذي حظي به، إلا أن عبق التاريخ بقي حاضرا بل ومهيمنا، زِدْ على ذلك تلك البراميل المبعثرة على طول مساحة الحانة، والتي عوضت الطاولات، تحيط بها كراسي خشبية عالية من الطراز القديم، بينما بلاط الحانة مفروش ببقايا النِّجارة..

هي حانة أشبه ما تكون بكهف، ومرتادوها أهل الكهف..

خلطة روائح تستقبلك وأنت تهم بولوجها؛ رائحة سمك، و نسمة خشب، ورطوبة جدران الحجارة، إضافة إلى رائحة التبغ، والدخان المتصاعد، كضباب يكاد يغطي الحانة بمن فيها..

على الجانب الأيسر من باب الحانة، في ركن خافت الإنارة اخترنا مكان جلوسنا.

لم يعرنا أحد اهتماما، الجميع في حالة تأهب، ينتظرون عودة فرقة الفلامنكو بعد استراحة قصيرة..فجأة

انطفأت الأضواء، بينما بقيت أشعة أفقية منعكسة على خشبة المسرح الصغير. لحظات فقط وأضاءت بقية المصابيح، في الوقت الذي كان فيه جميع رواد الحانة، شاخصين بأبصارهم باتجاه الخشبة،ومشاعرهم مُتَوَثّبة ينتظرون بفارغ الصبر متابعة العرض.

يشق عزف القيثار، صمت المنتظرين، بألحان بديعة، صاحبها تصفيق منتظم من الفرقة الموسيقية، ويبدأ النقر على آلة (الكاخون)، إيذانا بدخول الراقصة، التي هبت مندفعة، متبخترة كطاووس لتحتل منتصف الخشبة، مرتدية فستانا طويلا مزركشا من اللونين الأحمر والاسود، ملتحفة إزارا أبيض..تتقدم في شموخ، ترفع رأسها عاليا إلى السماء.

تمد الراقصة إحدى ذراعيها فوق رأسها، لتبدأ في عرضها، مستعملة صاجات مشبوكة بأصابعها، وكَعْبيْ حذائها المخصص للرقص في إحداث النغمات العالية المطلوبة عندما تحتك بالركح.

كل ذلك يتم ضمن هارمونيا عالية بين تموجات الجسد، وطقطقات الصاجات ونقر الكعبين على الخشبة. هذا الانسجام الفني والروحي، يجعل المتفرج، يرصد الإثارة والغضب الممزوج بالحب والعاطفة الفياضة، التي تنشرها الراقصة.

ولعل هذا الإحساس الخليط حزنا وعاطفة فياضة وغضبا وحبا، هو ما جعل المؤرخ الاسباني( بلاس إنفانتي) الذي يرجع ال فلامنكو إلى (fallah mengo = فلاح منجو أو المنكوب) و هم الفلاحون الموريسكيون الذين اغتصبت أرضهم، وهُجِّروا من بلادهم ؛جعل الغجر _الذين اكتووا بنفس نار الظلم_ يتقربون منهم، و يتقاسمون مأساتهم، الشيء الذي جعلهم ينتجون هذا التراث،كرد فعل ونوع من المقاومة، ضد إبادة ثقافتهم. هكذا يكون فن الفلامنكو قد نشأ من رحم المأساة.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي