دين و دنيا

“عاصي الوالدين” في المغرب .. حرمان وأزمة قيم وعواقب الإدمان

محمد الهواري – جريدة البديل السياسي 

يعيشون بيننا ونتشارك معهم صفات وسمات عديدة، غير أنهم يختلفون عنا في بعض الممارسات والسلوكيات الشاذة، يعنفون آباءهم ويغتصبون أمهاتهم، يُسجنون أحيانا.

أفعال من منظور المجتمع تجلب لهم سخط العائلة، تختلف قصصهم لكن مصيرهم واحد، السجن والفشل والتموقع في خانة “مساخيط الوالدين”.

أزمة قيم

يعيش الشاب المغربي جملة من المشاكل التي تعيق طموحاته وتحد من تطلعاته، ولعل ظاهرة العنف ضد الأصول واحدة من أهم التأثيرات التي أفرزتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالمملكة.

لا يختلف اثنان على كون العنف ضد الأصول كان وما يزال من الطابوهات المسكوت عنها في المجتمع المغربي لأسباب واعتبارات عدة تتعلق ببنية المجتمع المحافظ، الذي ينزع في غالب الأحيان إلى السترة وطمس أهوال الفضيحة التي تعرف تزايدا مطردا بسبب الفقر والأمية وانتشار المخدرات، إلى جانب قسوة نشأة الطفل داخل أسرته ومحيطه.

وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي تقف وراء الآفة، فإن البطالة والفقر والإدمان تبقى من بين العوامل الرئيسية التي أفقدت المجتمع الإحساس بالمشاعر والعواطف وحرمت الأسر من نعمتي الحنان والدفء العائلي، وأسهمت في ارتفاع “عقوق الوالدين” بنسبة لافتة للأنظار. والتأكيد يأتي من الملفات التي يتم البت فيها بشكل يومي بمحاكم المغرب، وبالمناطق الشمالية خصوصا، وتجمع الابن والأم والأب أطرافا للنزاع.

ورغم الإحراج الشديد الذي قد يرافق حديث الناس عن موضوع “العنف ضد الآباء”، فإن “جريدة البديل السياسي” استطاعت الحصول على رقم مقلق بخصوص الظاهرة يصل إلى 400 حالة بمدينة وجدة ؛ الشيء الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نعيش أزمة قيم.

لا يطيقون رؤية أنفسهم في المرآة صباحا، يظهرون بمظهر الطبيعيين في الشارع لكن الأمر غير ذلك بالمنازل، قصص كثيرة تفضح بعضا من المسكوت عنه وما يعتبر من منظور المجتمع “طابوها” وعيبا وعارا و”حشومة”، وغيرها من مصطلحات القاموس الشعبي. منهم من هدد والده وسلبه ما بحوزته ، وآخر سرق سلسلة ذهبية لأمه، وشاب استولى على ثلاجة وتلفاز وعرضهما للبيع بثمن بخس لاقتناء جرعة مخدر يومية.

قيود الإدمان

يعيشون وسطنا، ويتكاثرون في غفلة من الكل بفعل عوامل عدة. والحديث عن قصصهم مرتبط بمتعة الليل في عالم لا مكان فيه للبسطاء، بعيدا عن أشعة الشمس، قريبا من أضواء النوادي و”الحفر” الليلية وشوارع الإدمان بحثا عن نسيان واقع مر والتحرر من قيود الفقر والحرمان داخل منازل تضيق بمشاكل قاطنيها.

فالمجتمع الذي يطرد هؤلاء “المساخيط”، الفئة التي كبلتها المخدرات، باسم الأخلاق، هو المجتمع نفسه الذي يرمي بهم في أحضان الهلاك والانتحار أحيانا والتطرف أحيانا كثيرة، وسط صمت مريب.

“وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”، من هذه الآية القرآنية انطلق حاتم نظام، المحامي بهيئة تطوان، ليؤكد أن تعاليم الدين الحنيف تحث على طاعة الوالدين والبر بهم وخصتهم بمكانة متميّزة، إلا أن الواقع يواجهنا بحالات عكس ذلك تماما، فكم من أم أوصلها عقوق ابنها إلى ردهات المحاكم وجابهها بكلمات قاسية وسقاها المر، مضيفا أن دوافع العنف في الغالب ما ترتبط برفض الأم الرضوخ لطلبات الابن المدمن.

وأشار المحامي ذاته إلى أن المحكمة الابتدائية بوجدة سجلت مجموع شكايات يتراوح بين 200 و350 شكاية، غالبيتها وقعت أحداثها داخل الأحياء الشعبية وسط أسر تعرف كثرة الأبناء، بعضها صدر فيه منطوق حكم سالب للحرية، وأخرى عرفت الصلح والتنازل عنها؛ فقلب الأم غفور رحيم.

وأضاف حاتم أن غالبية الآباء الذين يتعرضون للعنف لا يقدمون على عرض شكاياتهم لدى النيابة العامة، مطالبا السلطات بوضع حد لنشاط مروجي المخدرات وخلق مراكز محاربة الإدمان والرفع من العقوبة المقررة في حق مرتكبي جرائم العنف ضد الأصول، وإطلاق برامج إعلامية توعوية تساهم في التحسيس وتنشئة الأبناء.

من جانبه، يرى نور الدين عثمان، فاعل حقوقي، أن الموضوع يمس تماسك الأسرة والمجتمع، ويدل على أننا أمام فشل أخلاقي مجتمعي نتيجة تخلي الجميع عن مسؤوليته، بدءا من الأسرة والمدرسة والإعلام وكل مؤسسات الوساطة الاجتماعية.

وقال الفاعل الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، إن “الظاهرة مرتبطة بالتحولات الكبرى التي عرفها المجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة على مستوى التكنولوجيا الحديثة، وغياب وسائل علمية لمجابهة كل التأثيرات السلبية على الأفراد، وتدخل الدولة والمجتمع لتفادي الأسوأ في القادم من السنوات”.

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار