أمل جلموس البوكيلي: دور المرأة في صنع القرار السياسي
جريدة البديل السياسي :
ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار موضوعا جدليا يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان والمواطنة. ذلك خاصة في المنطقة العربية التي تشهد حراكا سياسيا لا بل دمويا حادا، مما يستوجب استنفار كل الطاقات البشرية لإرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك الحاجة لدور المرأة التي شاركت في بعض التحركات الشعبية في الدول العربية. تلك الدول التي ما زالت تبحث في صراع عنيف عن إمكانية إحلال السلام والتي يجب أن تعد المرأة بطبيعتها داعية أساسية للأمن والامان فيها. علما بأن تلك المرأة نفسها هي التي دفعت غاليا ثمن الصراعات السياسية على حساب كرامتها وتفتت عائلتها وفقدانها لإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الاحداث التي تساهم في تهميشها، لا بل بتراجع كبير لدورها في ظل التطرف والتحجر الفكري.
قبل تلك التغيرات في المنطقة العربية وفي خلالها ما زال التساؤل الذي يلح علينا دائماً هو أنه على الرغم من كافة الدراسات التي أجريت بشأن المشاركة السياسية للمرأة، والندوات والمؤتمرات التي عقدت لتداول هذه القضية، فما تم إحرازه على أرض الواقع من تقدم يعد محدوداً للغاية.
رغم كل ذلك ثمة تطورات قد حدثت في بعض الدول العربية لا يمكن إغفالها. بعض المجتمعات التي لم تكن تعترف بأي دور سياسي للمرأة بدأت تعين النساء في بعض المجالس والهيئات كذلك البرلمانات بدأت تفسح المجال للمرأة ولو بصورة رمزية ونخبوية. ويمكن القول بصورة عامة أن بعض الحواجز التي كانت قائمة منذ ما يقرب من عقدين قد شهدت تحسنا نسبيا.
لكن ما سبق لا يعني أن الوضع الحالي يدعو للاسترخاء، بل على العكس فإن الوضع الحالي يطرح تساؤلات من نوع جديد بشأن نسبة مشاركة المرأة ومستوى ادائها وكيفيته، ومدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. ومدى صلتها بالنضال القائم من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية. وهل يمكن تأطير عمل النساء كي يمثلن نصف الهيئة الناخبة. هل المجتمع المدني لديه القدرة على تعبئة النساء والرجال المؤيدين لحقوق النساء لإحداث تغيير في النظرة لأهمية الاستفادة ممن يشكل نصف المجتمع؟
أقر المؤتمر العالمي الرابع للمرأة منذ (بجين 1995) بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية. والتزمت بذلك العديد من الدول. لكن ما زال وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير من إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، سواء من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد. بعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية، ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة. كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء. لا أشك أن هناك جهود عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب.
هناك صعوبات وعقبات على المرأة تخطيها إذا ما ارادت خوض غمار العمل العام. نذكر من هذه العقبات عوامل متصلة بالمرأة نفسها وبوضعها الاقتصادي، وعوامل متصلة بالمؤسسة السياسية، وعوامل متصلة بالمجتمع والثقافة السائدة فيه. وفي سياق العقبات لا بد من التوقف عند بعض النقاط الأساسية:
– يستوجب التنويه الى الفرق ما بين مشاركة المرأة في العملية الانتخابية التشريعية أو المحلية، وبين المناصب التنفيذية أو القضائية أو غيرها التي تتم بالتعيين.
-إ ن العملية الانتخابية -والمرأة لم تشارك في وضع قواعدها أساسا- تبنى على أساس المنافسة بكافة أشكالها ما بين الرغبة في خدمة الصالح العام وبين العمل على خدمة المصالح الشخصية في الكثير من الأحيان. وفي حين تتطلب هذه المنافسة مراس طويل نجد أن المرأة حديثة العهد بالتعامل مع الاليات الانتخابية. فمثلا اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التلاعب بسقف الانفاق المالي للحملات الانتخابية الذي يحصل في كثير من الأحيان نجد أن المرأة غالبا لا تملك بسهولة حتى المال المشروع للحملة الانتخابية. أضف إلى ذلك استعمال النفوذ وتبادل المصالح المادية والسياسية التي تضطر المرأة للتصدي لها ضمن أنظمة غير ديموقراطية. حتى المجتمع نفسه بحاجة الى تثقيف وتوعية ديموقراطية تبدأ منذ التنشئة الأولى بهدف تغيير النظرة النمطية لدور وقدرات المرأة في صنع القرار. هذا بالإضافة الى بعض أنواع الخطاب الديني المتطرف الذي يؤثر سلبا على تقبل المرأة في الحقل العام.
هناك ظاهرة ملفتة لا بد من التنويه عنها وهي اقدام نسبة من النساء الناخبات على عدم مساندة النساء المرشحات للانتخابات. ان هذا الواقع مرده عدم ثقة الناخبة بالمرأة نفسها وانسياقها وراء رغبة الرجل من حولها. كما يؤثر الخطاب الديني المتطرف على توجهاتها. كذلك نرى في بعض الأحيان نوع من المنافسة السلبية لدى بعض النساء وللأسف ممن يدعين مناصرة المرأة.
بناء عليه نحن بحاجة ملحة للتغيير في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة في صنع القرار. ان هذا التغيير مرتبط ارتباط وثيق بعملية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الانسان والمفهوم الصحيح للمواطنة.
لتغيير الوضع الحالي نحن بحاجة الى قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي نظام الكوتا الذي أقره المغرب منذ مدة، فتطبيق الكوتا يعد أحد آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية.
ولا شك أن الكوتا على مستوى الأحزاب ترفع من مشاركة المرأة في الجماعات وفي البرلمان. وعليه، يجب أن تسعى النساء من أجل فرض نفسها داخل الأحزاب، الكوتا كما يعرف الجميع مرحلية ومؤقتة لتعويض المجتمع لا لتعويض عدم قدرة المرأة على الوصول إلى المجالس النيابية. نظام الكوتا اشارت اليه اتفاقية “السيداو” باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي. فقد أشارت اتفاقية” السيداو” إلى أنه يجب على الدول التي ستطبق نظام الكوتا القيام بمجموعة من الإجراءات من بينها العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية. فنظام الكوتا بطبيعته مؤقت وخطوة على طريق تحقيق المساواة. ونتساءل هل النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القرار في ظل نظام الكوتا أحدثن تغييراً ما، أم قمن فقط مثل الرجال بتنفيذ سياسة السلطة القائمة؟ هل غيرن شيئاً في نظرة الرجل إلى المرأة حتى إذا ما ألغي نظام الكوتا يمكن للناخبين من الرجال أن يصوتوا لصالح مرشحات من النساء؟ ما مدى ارتباط الأداء السياسي للمرأة بالقضايا النسائية؟ ما هو نموذج المرأة التي وصلت عن طريق نظام الكوتا إلى المجالس النيابية؟ نتيجة لأن ذلك تم دون تهيئة بيئة حاضنة لفكرة المشاركة السياسية للمرأة تبقى قضية الكوتا قضية خلاف ونزاع داخل أوساط مختلفة من المثقفين والناشطين السياسيين بين معارض ومساند، وكل له خلفيته في ذلك.
إن العملية الانتخابية بما تتضمنه من فعاليات وممارسات وأنشطة وحشد ومشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني تعد أفضل مدرسة للتدريب السياسي على الممارسة الديمقراطية وبخاصة بالنسبة للشباب، حتى وإن شابها بعض الممارسات السلبية، وحتى وإن انتهت بفشل المرشحات من النساء لأسباب خارجة عن إرادتهن.
إن الانتخابات لا تشكل وحدها الديمقراطية، ولكن الذي نفتقر إليه هو ثقافة الديمقراطية، وهي الثقافة التي يجب أن نسعى من أجل ترسيخها في المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وكذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني.
إن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة تلزمه مشاركة مجتمعية شاملة لا جزئية، وتلك هي نقطة البداية في المقاربة لهذا الموضوع. ولكي نفهم على نحو جيد مفهوم المشاركة السياسية لابد أيضاً أن نشير، كما تشير عدة دراسات ومرجعيات تحليلية مختلفة، حيث يتطرق الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة من خلال ثلاث مقاربات. مقاربة النوع الاجتماعي وإشكاليته الأساسية هي أن النساء هن الضحية الأولى للفقر والبطالة والأمية وضعف المشاركة السياسية على وجه العموم، وبالتالي لابد من تجاوز وتقليل الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة.
وهناك مقاربة التنمية التي تركز على ضرورة تشبيك المرأة مع الرجل في المنظومة التنموية. هذه المقاربة ترى أن الهدف الأساسي للتنمية هو الاقتصاد، ومن ثم فإنها تنظر إلى المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء من هذه الزاوية. ولكن في حدود مطلع التسعينات من القرن العشرين برز مفهوم التمثيل السياسي للمرأة، ثم في مطلع الألفية الثالثة برز مفهوم أنسنه التنمية، وهنا يتم التشديد على أن إنسانية الفرد توجب له المساواة بغض النظر عن النوع. أما مقاربة حقوق الإنسان فهي قائمة على إنسانية الفرد وحقه في التمتع بكافة الضمانات المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
لتعزيز الدور القيادي للمرأة لا بد من الاهتمام بعدة نقاط منها:
– دعم عملية التحول الديموقراطي ومفاهيم حقوق الانسان والمواطنة.
– الاهتمام بنشر ثقافة الديموقراطية وعدم التمييز والحق في الاختلاف والتعددية وقبول الاخر ومفاهيم النوع الاجتماعي.
– التعريف بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة.
– الانتخابات النزيهة التي تضمن التداول السلمي للسلطة الذي يمثل رافعة أساسية من روافع الديمقراطية.
– تغيير الإطار القانوني الذي يحكم المشاركة السياسية على وجه العموم ومشاركة المرأة على وجه الخصوص.
وختاماً، لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار، فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار