الأنشطة الملكية

عندما اعترفت الجزائر بمغربية الصحراء

جريدة البديل السياسي

أعلمت إسبانيا سفراء البلدان المغاربية الثلاثة التي لها علاقة بقضية الصحراء، وهي المغرب وموريتانيا والجزائر، في بداية يوليوز 1973، بمشروع استقلال داخلي للصحراء المغربية، مع إعطاء صلاحيات واسعة لمجلس العموم الصحراوي المعروف باسم الجماعة، وفي يوم 10 يوليوز من نفس السنة، أبلغت إسبانيا الأمين العام للأمم المتحدة عن نيتها الشروع في إجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء المغربية، خلال النصف الأول من العام 1975 تحت إشراف وضمان منظمة الأمم المتحدة.

لقد جعل هذا المستجد الهام قادة الدول الثلاثة يعقدون اجتماعا في أكادير، وتقول الرواية الجزائرية الرسمية، ومن بعدها صعاليك تندوف – وللأسف حتى في الأوساط الأكاديمية الجزائرية – أن القادة الثلاثة بمن فيهم الحسن الثاني، أجمعوا على أن خيار تقرير المصير هو الحل العادل لقضية الصحراء المغربية، ومن خلال محاولة البحث في وثائق هذا الاجتماع، نجد أنه حدث يوم 23 يوليوز 1973، وجاء بعد مؤتمر القمة الإفريقي، وقبل مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الذي كان سينظم في الجزائر، والغريب في الأمر، أنه لا يوجد أثر لأي بيان ختامي لهذا الاجتماع، فمن أين جاءت الجزائر والبوليساريو بهذا البيان ؟

والجدير بالذكر، أن بعض وثائق الأرشيف الأمريكي كشفت أن الملك الحسن الثاني، خلال ذلك اللقاء، ثار في وجه الرئيس هواري بومدين، متهما إياه بنكث وعده، بعدما وعده هذا الأخير بأنه سيدعم المغرب في قضية الصحراء، وأنه لا أطماع له فيها، غير أن بومدين خلال ذلك اللقاء، كشف عن أطماعه عندما أكد أن موقف الجزائر هو دعم حق تقرير المصير، الذي ينكر على المغرب حقه التاريخي في هذه القطعة الترابية من بلاده، وعند فتح الأرشيف الأمريكي الخاص بهذه المرحلة، وجدت الصحافة الجزائرية ضالتها في كلمة تلفظ بها الحسن الثاني في هذا الاجتماع، عندما صرح لبومدين بالتالي: ((أفضل أن تبقى الصحراء تحت حكم إسبانيا على اتخاذ حل تقرير المصير)).

وإذا كان هذا التصريح مادة دسمة استغلتها الصحافة الجزائرية لمهاجمة المملكة المغربية، فإنه من ناحية أخرى، ومن حيث لا تدري، فإنه ضرب للرواية الرسمية الجزائرية، التي ظلت تقول لسنوات طويلة أن المغرب كان متفقا على حل تقرير المصير وخدعنا وطعننا، و.. و..، ثم تخلى عن ذلك، ونظم المسيرة الخضراء ليحتل الصحراء ويغتصبها من شعبها، ومهما يكن، فقد كان ذلك اللقاء بمثابة مفترق طرق بخصوص الدول التي كانت في تلك المرحلة معنية بقضية الصحراء.. فقد تحالف المغرب وموريتانيا، ولجئا إلى طلب استشارة محكمة العدل الدولية بخصوص أحقية المغرب التاريخية والسيادية على الصحراء، بينما تبنت الجزائر الطرح الإسباني، الذي يطالب بتقرير المصير وتحالفت مع إسبانيا، وقد أسس هذا الانقسام لتحالفات دبلوماسية جديدة..

ومن تم شرعت هذه الدول – كل من جهتها – في محاولات لإقناع المنظمات والهيئات الدولية بأنها صاحبة الحق وادعاءات الآخر مجرد باطل، وأمام مناورات المغرب وموريتانيا الجادة.. فقد اقتنعت العديد من الدول والهيئات بعدالة قضيتهما، حتى أن الأرشيف الأمريكي أشار إلى أن إسبانيا في موقف حرج، وأنها ستسلم الصحراء إلى المغرب وموريتانيا لا محالة، وأمام هذا الوضع والانتصار الكاسح للمغرب وموريتانيا، قرر وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أن يقوم بزيارة إلى المغرب من فاتح إلى رابع يوليوز، ويتخذ موقفا جديدا من القضية، ليتخلى بذلك عن إسبانيا ويعترف بحق المغرب التاريخي في الصحراء المغربية.

 

 

4 يوليوز 1975.. عندما اعترف النظام الجزائري بمغربية الصحراء

على ضوء التطورات التي حصلت في هذه القضية، وبعدما بدى للعالم أن موقف المغرب وموريتانيا هو الأقوى، زار عبد العزيز بوتفليقة عضو مجلس الثورة الجزائرية ووزير خارجيتها آنذاك، المغرب، من فاتح يوليوز 1975 إلى الرابع منه، وانتهت الزيارة بتوقيع بيان مشترك جاء فيه ما يلي: ((صرح الوزير الجزائري في أثنائه بأن الجزائر وهي تؤكد أن لا مطمع لها في الصحراء الغربية (كانت تسمى الصحراء الغربية خلال تلك الفترة) التي ترزح تحت نير الاستعمار الإسباني، تسجل بكامل الارتياح التفاهم الحاصل بين البلدين الشقيقين المغرب وموريتانيا في شأن المنطقة، والهادف إلى توطيد دعائم الأمن والطمأنينة والاستقرار والتعاون الذي سيعود ولا شك بالخير العميم على هذه الناحية الحيوية من المغرب العربي، وتمسكا بمبدأ محاربة الاستعمار بجميع أشكاله، أعرب الجانبان – المغربي والجزائري – عن اقتناعهما بضرورة إحكام وسائل التنسيق لوضع حد عاجل للاحتلال الإسباني ومحاولات الحكومة الإسبانية للإبقاء على نفوذها في الصحراء)).

وإذا نظرنا للتصريح بعين التحليل، فإننا نجد أن ما أكده بوتفليقة – من خلال نص البيان – في شق منه ليس بجديد، ذلك أن ما أكدت عليه الجزائر من أنه ليست لها أطماع في الصحراء، ما زالت تقوله إلى اليوم، ولكن الجديد هو عندما قال بأن الجزائر تبارك خطوات المغرب، وتقترح مساعدته من أجل استرداد المناطق الصحراوية، ولم يمر تصريح بوتفليقة مرور الكرام، واهتم به وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، اهتماما بالغا، واعتبره تحولا مهما في مسار القضية، كما رأى بأن تصريح بوتفليقة تحول مهم في قضية الصحراء المغربية جملة وتفصيلا، وأكد أن معنى الموقف الجزائري الجديد ترك إسبانيا وحيدة في مواجهة المغرب وموريتانيا، اللذين لا محالة سيربحان القضية أمام الرأي العام الدولي، وهو ما يؤدي إلى جعل الأمم المتحدة تصدر قرارا في صالح المغرب وموريتانيا.

 

اطمئنان أمريكي لتصريح 4 يوليوز 1975

    أرسل وزير الخارجية الأمريكي، كيسنجر، على ضوء الموقف الجزائري الجديد، رسالة إلى سفير بلاده لدى هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 19 يوليوز 1975، وقال له بما لا يخلو من صريح العبارة: ((يبدو أن غليان القضية وصل إلى مسألة كيفية نقل سيادة الصحراء من إسبانيا إلى المغرب وموريتانيا، وفقا لخطة التقسيم التي وضعت من طرف المغرب وموريتانيا وأيدتها الجزائر علنا، بعد تأييد بوتفليقة لذلك من خلال البيان المشترك الذي أصدره إلى جانب الملك الحسن الثاني يوم رابع يوليوز 1975))، واستمر كيسنجر في شرح هذا التحول الجديد ودلالته، حيث أكد بأنه على الرغم من أن أمريكا ليست لديها أية تفاصيل مؤكدة عن الموقف الجزائري الجديد، فإنها يمكن أن تفترض بأن الجزائر قادرة على مواصلة السياسات التي قد تسبب الإحباط للحكومة المغربية، كما أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن بيان 4 يوليوز 1975 موقف جزائري صريح، حيث أعلنت من خلاله، على لسان وزير خارجيتها، عن رضاها على الاتفاق المغربي الموريتاني حول مستقبل الصحراء، ودليل كيسنجر في تحول الموقف الجزائري هو الدعاية الجزائرية التي أعطيت لهذا الإعلان من خلال صحافتها المحلية، إضافة إلى قناعة الملك الحسن الثاني بموقف الجزائر الجديد من هذا التحول، إذ أعلن أنه لا توجد مشاكل مع الجزائر.

كيسنجر

بومدين للحسن الثاني: “إذا خرجت إسبانيا من الصحراء فإن جنديا واحدا من الجزائر لن يعبر الحدود”

 

 

    بقي موقف الحسن الثاني من القضية بعد زيارة بوتفليقة إلى المغرب، غير معروف، وهو ما شكل مشكلا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا الأساس عقد السفير الأمريكي مع الملك اجتماعا يوم 11 يوليوز 1975 في مراكش، وكشف له عن فحوى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري إلى المغرب، إذ أخبر السفير بأن وزير الخارجية الجزائري جاء يحمل رسالة من الرئيس الجزائري يقول له من خلالها: ((إذا خرجت إسبانيا من الصحراء، فإن جنديا واحدا من الجزائر لن يعبر الحدود))، ومعنى هذا تأكيد جزائري بأنها لا تريد الحرب مع المغرب من أجل الصحراء، وطمأنة للمغرب بأن الجزائر لن تتدخل في القضية.

وقد ذهب الملك في تفسير الموقف الجزائري الجديد، حيث اعتبر أنه يمكن تفسيره جزئيا بأنه فضيلة، ولكن من ناحية أخرى، فإن الجزائريين أدركوا أنه ليس لهم الحق في الصحراء، واعتبر الحسن الثاني أنه لا يوجد سبب يجعل الجزائر تدخل في حرب، وأكد أنه في حال ما إذا دخل المغرب والجزائر في حرب، فإن غالبية الدول العربية ستنحاز إلى المغرب، وعلى هذا الأساس، فإن الجزائر لا تريد أن تتحمل هذه المسؤولية، كما أوضح الملك أن بومدين رئيس منظمة “أوبك”، لا يمكن أن يكون المعتدي في هذا الموقف، وبهذا يكون الملك قد طمأن الأمريكيين بعدم إمكانية نشوب حرب بين المغرب والجزائر.

أما بخصوص إمكانية نشوب الحرب بين إسبانيا والمغرب.. فقد أكد الحسن الثاني خلال هذا اللقاء، أن الإسبان لا يريدون القتال كما هو الحال بالنسبة للمغرب، وطمأن الأمريكان بأنه لن يقاتل ضد الإسبان لسببين: لأن الإسبان أقوى من جهة، ومن جهة أخرى، لأن المغرب يريد أن يحافظ على علاقة جيران ودية وجيدة مع إسبانيا، غير أنه شدد على أنه لن يسمح بأي فراغ سياسي في حال ما إذا غادرت إسبانيا الصحراء، وأنه سيقاتل أي حركة استقلالية من شأنها أن تقوم في المنطقة، وكان يلمح إلى جبهة البوليساريو، التي صارت نشيطة في تلك المرحلة، وتكهن بأنها يمكن أن تكون مدعمة من طرف الصين، وبهذا يكون الملك قد طمأن أمريكا جزئيا بعدم خوضه الحرب ضد إسبانيا والجزائر من أجل الصحراء.

 

هكذا نجحت إسبانيا في ثني الجزائر عن موقفها الجديد

    انطلاقا من هذا التحول الهام الناتج عن زيارة بوتفليقة إلى المغرب، رأى وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، أن كل هذه التطورات الجديدة تقلب الموازين بشكل كبير أمام نظرة الإسبان، الذين كانوا يشكون في أن الجزائر لن تغير سياستها تجاه القضية، وأنها ستبقى إلى جانبهم، ورأى كيسنجر أن إسبانيا أمام هذا الوضع الجديد، ستدفع، برعاية الأمم المتحدة، القوى الأربعة وهم المغرب والجزائر وموريتانيا وإسبانيا، إلى مؤتمر بمشاركة الجزائر، على أمل إمكانية إعادة الاعتماد على هذه الأخيرة لعرقلة – ربما – ما تراه الحكومة الإسبانية بالإجماع نصرا صريحا للمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية.

ورأى كيسنجر أن المغرب وموريتانيا ربما يدفعون إلى مؤتمر للقوى الثلاثة المعنية بالصحراء، دون الجزائر، للختم بدقة على تفاصيل انتصار واضح وصريح أمام الأمم المتحدة، لوضع القرارات التي قد تراها تنتصر لموقفهم، والتي من الممكن أن تكون مفهومة، حيث أن الكبرياء الإسباني عامل رئيسي في تحديد تكتيكات الصحراء، وهذا يمكن أن يفسر فشل مدريد في الرد على مناورات الحسن الثاني في الترتيبات الاقتصادية والأمنية، إذا كان الاتفاق يتم قبل أن تقدم محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة نتائجها (ربما ما يلمح إليه كيسنجر هو الاتفاق الثلاثي بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا بمدريد في نونبر 1975 الذي سلمت بموجبه إسبانيا الصحراء للمغرب).

 

ورأى كيسنجر بأن المغرب وموريتانيا كانا يسعيان لعقد هذا الاتفاق قبل صدور قرار محكمة العدل الدولية، وأشار إلى أن المملكة الإسبانية ترد على الضغط المغربي الموريتاني بالقول بأنها ليس لديها سلطة لنقل السيادة من الصحراء إلى أي بلد، وهذا من مسؤولية الأمم المتحدة.

 

كيف نكتت الجزائر وعدها وتخلت عن تصريح 4 يوليوز 1975؟ تجيبنا الوثائق الأمريكية بأن ((إسبانيا وجدت نفسها في ورطة حقيقية وهي التي كانت تبحث عن صيغة لتسلم الصحراء للمغرب بطريقة تحفظ ماء وجهها، وسعت بعد ذلك لثني الجزائر عن موقفها الجديد، وقد وجدت طريقة مثلى، وهي إدخال الاتحاد السوفياتي في القضية، هذا الأخير أعاد الجزائر لموقفها القديم وناورا معا في كواليس محكمة العدل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة، لجعل حكم محكمة العدل الدولية غامضا وقابلا للتفسير والتأويل أو في غير مصلحة المغرب، وتلك كانت بداية مرحلة جديدة للصراع)).

وهكذا، فإننا نلاحظ كيف أن الجزائر تحولت من دعم إسبانيا إلى دعم المغرب بين عشية وضحاها، عندما رأت أن المغرب منتصر لا محالة في هذه القضية، وكيف أن إسبانيا كانت على مقربة من توقيع “اتفاق مدريد” قبل صدور رأي محكمة العدل الدولية، ولو أن إسبانيا فعلت لانتهت القضية في ذلك التاريخ، ونريد أن نختم بهذه الملاحظة، وهو أن تصريح 4 يوليوز 1975 لا يذكره الجزائريون أبدا، لأنه يربكهم، ولأنه يطرح سؤالا أمام موقفهم، وهو بعدما غيروا موقفهم وانحازوا لمصلحة المغرب، لماذا انقلبوا على أعقابهم بعدما تخلى حتى الإسبان عن الصحراء؟ وبقيت الجزائر هي الوحيدة التي تعارض القضية بعد انسحاب إسبانيا، أما المغاربة، فبخصوص قضية الصحراء المغربية، فما نسمعهم يقولون أنها قضيتنا الأولى، وعندما نتصفح المكتبات لنرى كم كتابا كتب عنها، لا نجد إلا القليل أو لا نجد أبدا.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار