الرئيسية روبورتاج و تحقيق جدل يرافق “بوجلود” بسبب الأقنعة والألبسة والسلوكات الجديدة.. وباحث يعتبر أن “الكرنَفَلَة” ستقضي على الجوهر الثقافي للتظاهرة

جدل يرافق “بوجلود” بسبب الأقنعة والألبسة والسلوكات الجديدة.. وباحث يعتبر أن “الكرنَفَلَة” ستقضي على الجوهر الثقافي للتظاهرة

كتبه كتب في 24 يونيو 2024 - 2:57 ص

جريدة البديل السياسي 

تفجر جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية  الاحتفاء بـ”بيلماون” كظاهرة فرجوية ثقافية متوارثة، بعدما لاقت الظاهرة انتقادات واسعة،سوءا في ألبستها أو أقنعتها أو سلوكات عدد من شابابها، بين من يتجه إلى ألغاءها وتهذيبها، وبين من يدافع عنها ويدعو لعصرنتها وتحديثها.

ويرى محمد أقديم، الباحث في التراث والثقافة الشّعبية، في تصريح لموقع “لكم”، أن “هناك من يذهب به خياله وأوهامه الى ربط “بيلماون” (بوجلود) باليهود، لا لشيء سوى أنه يتم تشخيص أدوار لليهود فيها تمثيليا، وهذا ما يشكل الخلفية النظرية والاعتقادية لكلام الذين يهاحمونها بغير فهم وقلة علم ، في حين أن هذه الظاهرة الاحتفالية (بوجلود) لا يحتفل بها اليهود نهائيا وليست من عاداتهم ولا من تقاليدهم، كما أنّ الأدوار التمثيلية لليهود فيها أدوار سلبية، تسيئ لليهود أكثر مما تُحسِنُ إليهم”.

 

أقنعة “بيلماون” الجديدة هل هي سلوكات مشينة؟

ودافع الباحث أقديم عن سلوكات وممارسات قد تبدو مشينة تصدر عمن يرتدون أقنعة “بيماون” بقوله: القول بغرابة “بيلماون” عن الثقافة الاسلامية، أو بالاحرى الثقافات الاسلامية، فليس هناك ثقافة اسلامية واحدة ، بل ثقافات اسلامية متعددة ومتنوعة بتعدد وتنوع الشعوب الاسلامية، ثم إن الجميع يعلم ان تاريخ “الثقافة الاسلامية” بالمغرب لا يتحاوز 13 قرنا فقط، وهذه المدة ليست سوى جزءا من تاريخ طويل وعريق لهذا البلد، تاريخ يتجاوز ما هو مرتبط فيه بالكتابة فقط 3 آلاف سنة، وبالتالي فإن “الثقافة الاسلامية” بدورها كانت دخيلة على المغرب ثم تأصلت، والجميع يعلم بأن القرآن لم ينزل بجبل توبقال أو صاغرو، ولا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بُعِث في قبيلة أيتسغروشن أو أيت حدو يوس أو أيت ورياغل، وإنما وصل الاسلام إلى هذه الربوع عبر التوسع والفتوحات، واعتنقه المغاربة تدريجيا عبر 5 قرون، والاسلام لما دخل هذا البلد لم يجده قاعا صفصافا من الناحية الثقافية وأرضا خالية ديموغرافيا، بل وجد شعبا له ثقافات وحضارة وتقاليد وعادات، منها ما تخلى عنه المغاربة طوعا وتدريجيا بعد اعتناقهم للدين الجديد”.

وسار الباحث إلى التأكيد على أن “من العادات والتقاليد ما تمت أسلمته وتهذيبه وتشذيبه لينسجم مع الدين الجديد، ومنها ما انسجم مع الإسلام ولازال مستمرا الى اليوم، ولعل “بوجلود” من التقاليد الاحتفالية والفرجوية التي تمت أسلمتها، ولذلك استمرت عبر عشرات القرون، بل وتم ربطها بإحدى أهم المناسبات الدينية والاحتفالية لدى المسلمين وهي عيد الأضحى، المرتبط بدوره بأحد أركان الاسلام (الحج)، بما هو أحد الاركان التي تشكل قناة للتواصل والاحتكاك والتعارف والتثاقف بين المسلمين من كل بقاع الأرض بمختلف ثقافاتهم وعاداتهم، وفي احترام تام لخصوصياتهم وتنوعهم”.

Peut être une image de 7 personnes et texte

“الكرنفلة” ما بين الثقافي والانثربولوجي

ولم يفت الباحث أقديم التأكيد على أن “ظاهرة بوجلود محلية وقروية بامتيّاز، حيث تختلف في مكوناتها ومشاهدها الفرجوية من منطقة إلى منطقة ومن قبيلة إلى قبيلة، إلى درجة أن هذا الاختلاف يجعلها لا تشترك إلّا في الاسم، وفي ارتباطها بعيد الأضحى وعشوراء أحيانا. ولذا فما يُلاحظ مؤخرا من محاولات تَمْدينِها أو بالأحرى تنميطها وفق قالب احتفالي وفرجوي واحد وموحّد، سيقضي على غناها الثقافي، المتمثل في الخصوصيات المحلية لهذه الظاهرة، كما انّ العمل على كرنَفَلَتها (carnavalisation) باستيراد أنماط استعراضية (أمريكو ـ لاتينية) غريبة على الأوساط الاجتماعية والثقافية التي نشأت فيها، سوف “يُفَلْكْلِرُها” ويقضي جوهرها الثقافي ويُبقي على مظاهرها الكرنفالية الغريبة.

زمن الفتوى انتهى" .. فعاليات أمازيغية تتشبث بطقوس واحتفالات "بيلماون"

ونبّه الباحث أقديم إلى أن “ما يعتري ظاهرة “بوجلود” حاليا من بعض السلوكات، التي قد تبدو مخلة للآدب ومنحرفة أو هي كذلك، لأنها قد تكون طارئة على هذه الظاهرة الاحتفالية، وليست أصيلة فيها، وبالتالي لا يمكن أن تكون مبررا لنعتها بالدخيلة والشيطانية والوثنية والصهيونية، كما لا يجب أن تكون مبررا للدعوة لإلغاءها ولمنعها، مع العلم أن الانحرافات تطال جميع السلوكات والمعتقدات البشرية، بما في ذلك الأديان والعبادات، وليس الظواهر الاحتفالية فقط، وهذا ما كان ويكون موضوعا للدعوات الإصلاحية، ولم يسبق أن كانت الانحرافات التي تطال الاديان والمجتمعات سببا للدعوة إلى إلغاء الأديان نهائيا”.

وشدّد على أنه “يجب أن يكون ما قد يبدو انحرافا في هذه الظاهرة الفرجوية حافزا على تطويرها، والارتقاء بها، خاصة وأن التنوع والاختلاف الذي يعرفه الاحتفال بهذه الظاهرة في مختلف مناطق المغرب، يكشفان أنها ظاهرة حيوية تتكيف مع كل المستجدات، ومتنوعة ومرتبطة بالخصوصيات الثقافية لكل منطقة، وتستوعب كل إمكانيات التطوير والتحسين والتجويد”، وفق إفادات الباحث محمد أقديم.

من جهته، يرى الباحث والناقد محمد بادرة، أن “الواقع الحالي للظاهرة بدأ يتحلّل من طابعه الأصيل حتى أصبحت ظاهرة بوجلود ظاهرة فولكلورية أو كرنفالية بالأساس أكثر منها ظاهرة ثقافية إنسانية”.

Peut être une image de 1 personne

وساق الناقد بادرة لموقع “لكم”،”علامات الانحراف في هذه الظاهرة الثقافية الأصيلة بدخول مجال الفولكلور حيث الإبداع الزائف، وحيث استغلال الظاهرة البوجلودية في الدعاية السياحية والتجارية وحتى السياسية !!. وبذلك نسقط في شباك الأثنولوجيا الاستعمارية. هذه الاخيرة ارتبطت نشأة وتطورا بتاريخ الحملات الاستعمارية وتاريخ بحثها عن مسوغات فكرية إيديولوجية لعنصريتها العميقة حيث كان “علم الإثنولوجيا” يدرس تاريخ وقوانين المجتمعات التي لا تاريخ لها أو التي لم تعبر عن نفسها كتابة، بل بوسائط اخرى ولذلك ترى علماء الاثنولوجيا ينظرون الى الثقافة الشعبية باعتبارها شكلا لاعقلانيا ولا تاريخيا فانتهوا إلى نوع من العنصرية الحضارية تحت قناع الدفاع عن الخصوصية الثقافية للشعوب مبرزين مظاهر شخصيتها واستقلالها لكنهم يخفون في الحقيقة احتقارا لها”.

Peut être une image de 1 personne

وسار الناقد بادرّة إلى أن “من ابرز المفاهيم التي انتجوها واستخدموها للتمييز بين ثقافتهم أو “علمهم” وثقافتنا نحن كان هو مفهوم (الفولكلور). كما أن مسؤولية الباحث النزيه في هذا المجال الفنّي الّشعبي الخالص لا يقتصر على مجرد رصد مواد الإبداع الشّعبي، وإنما يجب أن تتجاوز ذلك إلى غربلة تلك المواد للتمييز بين المأثور الحقيقي والإبداع الزائف والمأثور الشعبي المستغل في الدعاية التجارية والسياحية والسياسية.. هذا الاستغلال يشكل خطرا يهدد هذا التراث الشعبي الأصيل”.

Peut être une image de 1 personne

ودعا الناقد إلى “الحذر من استعمال مثل هذا المفهوم (الفولكلور- الكرنفال..) لأنه يحمل منحى عنصريا واحتقاريا للثقافة الشعبية بل يستخدم كأساس للاستهلاك وكمادة إعلامية أو تجارية أو سياحية أو حتى سياسية وليس كمأثور ثقافي إنساني حقيقي؟”، وفق توضيحاته.

أنتروبولوجي: هذه طقوس تحضر للإعلان عن بداية التجديد في السنة

أما الأنتروبولوجي الحسين أنير بويعقوبي، الأستاذ الجامعي بكلية اللغات والفنون التابعة لجامعة ابن زهر، فيرى أن “هذه الطقوس تحضر للإعلان عن بداية التجديد في السنة، والخروج من مرحلة لمرحلة جديدة. ولا يرتبط بيلماون بعيد الأضحى إلا في المغرب، كنوع من التفاوض بين ممارسة قديمة جدا، ودين جديد، انتهى بالاتفاق بربط طقس بيلماون الما قبل إسلامي، بعيد الأضحى (الإسلامي) الذي تتوفر فيه الجلود. وبذلك تمت أسلمة هذه العادة. فإجازة رأس السنة الأمازيغية تتم أيضا عبر إجازة الطقوس المرتبطة بها.

Peut être une image de 7 personnes

واعتبر الأنتروبولوجي بويعقوبي ذلك “بكون استمرار الجسد في كونه مجالا للإبداع، من الوشم إلى الحناء إلى المساحيق التقليدية إلى الماكياج إلى تسريحات الشعر إلى اللباس إلى عمليات التجميل إلى ثقب الأذن والأنف أو تقوية العضلات إلى الكرنفال”، وفق تعبيره.

أرحموش يرد على “تحريم” سكنفل 

بدوره، ردّ أحمد أرحموش، وهو حقوقي وناشط أمازيغي، على تصريح أدلى به لحسن سكنفل، ابن سوس، بصفته رئيس المجلس العلمي للصخيرات تمارة، “حرّم فيه احتفالية ساكنة سوس الكبير بالموروث الثقافي ” بيلماون/ بودماون” ، واعتبره مخالفا لدين الله عقيدة وشريعة وأخلاقا.

وقال أرحموش موضحا في اتصاله بموقع “لكم” “أعتقد أنه على الحكومة أو من يعنيه الأمر وقف هذا مثل هذا الغباء السّياسي”، في إشارة إلى “فتوى” سكنفل بتحريم “بيلماون”.

وأوضح أرحموش قائلا: “لن أناقش سكنفل، ولست هنا لأقنعه بمشروعية وأصالة هذا الموروث وعمقه المغربي والأفريقي، لكن أريد أن أسأله: هل رخصت له الدولة للتحدث باسمها لتحريم ما أحله الله؟”

وزاد أرحموش متسائلا: “هل هناك تكليف رسمي من الجهة التي يمثلها للتحريض على الفتنة وزعزعة عقيدة أهل سوس؟ و هل يعبر عن موقف وزارة الأوقاف التي يشتغل تحت وصايتها، وربما بأمر منها اضطر إلى الإدلاء بالتصريح المذكور؟ وهل تم تغيير اختصاصات الوزارة المعنية والمجالس العلمية التابعة لها، لتخول لنفسها الالتحاق بجوقة تبخيس المظاهر الجمالية والفتية للعراقة الامازيغية، لغاية تطهير مجال أمازيغي من مظاهر ثرائه الثقافي؟ وهل أصبح الإفتاء في القضايا العامة اختصاصا مشتركا بين المجلس العلمي الأعلى ورؤساء المجالس العلمية للأقاليم؟”

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .