الرئيسية البديل الثقافي أسطورة ميدوزا…ميدوزا والقلق الذكوري.. إعداد عبد المجيد طعام

أسطورة ميدوزا…ميدوزا والقلق الذكوري.. إعداد عبد المجيد طعام

كتبه كتب في 27 مايو 2024 - 2:53 م

جريدة البديل السياسي 

أسطورة ميدوزا

ميدوزا والقلق الذكوري

إعداد عبد المجيد طعام

لا توجد شخصية في الميثولوجيا الإغريقية أثارت الرعب مثل ما أثارته ميدوزا ،ميدوزا الشخصية الأكثر تجسيدا في الفن ،والأكثر حضورا في الذاكرة الجماعية ،لماذا اهتمت البشرية بميدوزا؟ ولماذا أثرت على المخيال الفني و الشعبي منذ العصر اليوناني القديم ؟ إن الحديث عن ميدوزا يضعنا في خضم الميثولوجيا الإغريقية ، لنستحضر صراعا مأساويا خلف ضحايا من الآلهة والبشر، كانت ميدوزا من ضحاياه ….

ميدوزا ، ميدوسا ، ماتيس ، تعددت الأسماء لتدل على شخصية واحدة ، شخصية أسطورية خلقتها المخيّلة الشعبيّة للإغريق، تظهر في صورة امرأة جميلة ،أصابتها لعنة أثينا. حسب الميثولوجيا الإغريقية ، آثينا واحدة من أهم وأشهر الآلهة، هي ابنة زيوس إله السماء والرعد ورئيس آلهة الإغريق.،أثينا إلهة الحكمة والحرب، والحرف اليدوية وحامية مدينة أثينا التي سميت باسمها ،أما ميدوزا وشقيقاتها، سثينو وإيورالي، هن بنات فوركيس وكيتو، وهما آلهة قديمة للبحر.

تظهر ميدوزا بعدّة صورٍ في مختلف المصادر القديمة، واختلفت الروايات حول قصتها، لكن أشهرها ما ورد في قصيدة الثيوغونيا (Theogony)للشاعر الإغريقي هيسيودوس، فيها نعرف أن ميدوزا هي واحدة من الأخوات الغورغون، هن مخلوقات بشعة يعشن في العالم السفلي، تحدّث عنهن هومر ، يتميزن بمظهرهن المخيف؛ نصفهن بشري والنصف الآخر مسخ، برأس يحمل أنيابا ولسانا متدلي وأجنحة، لكن ميدوزا تختلف عن أختيها لأنها كائن متعرض ، كما حافظت على جمالها الأخاذ. قبل أن يتحولن إلى كائنات مرعبة كن كاهنات جميلات ، يسهرن على خدمة أثينا في معبدها ، لم تسمه لهن بالاقتراب من الرجال ، فرضت عليهن التحلي بالعفة والابتعاد عن اللذة الجنسية .

كانت ميدوزا الفانية فاتنة ومغرية ،زادتها خصلات شعرها جمالا وروعة، لفتت انتباه إله البحار بوسيدون ، فتنته بجمالها فأضحى يبادلها العشق داخل المعبد،فغضبت عليهما أثينا. انتقاما منها ،قامت بمسخ خصلات الشعر التي أثارت بوسيدون إلى أفاعٍ مسمومة شرسة ومرعبة ، ثم رمت بجام غضبها على إخوتيها ، حولتهما إلى وحوش غورغون ، لكنها لم تغير ملامح وجه ميدوزا ، تركتها بوجهها الطبيعى الجميل، لتغوي الرجال وتحولهم إلى تماثيل من حجر. طردت أثينا الأخوات الثلاثة من المعبد ، عاشت ميدوزا بكهف مطل على البحر ،كانت تغوي الصيادين وتحولهم إلى تماثيل من حجر،غير أن أثينا اضطرت إلى التدخل مرة أخرى ،لتضع حد لميدوزا ، فطلبت من بيرسيوس أن يأتيها برأسها .

حسب الميثولوجيا الأغريقية، لعب بيرسيوس دورا رئيسيا في هذه الأسطورة، لم يرفض طلب أثينا وقبل أن يخوض المعركة التي بدت مستحيلة. جمع العدة والعتاد ، اختارسيفا قوىا حادا ، لتكون ضربته الأولى قاضية ، كما استعار من هرمس نعله المجنح ليسرع في تحركه ،ويطير عند الحاجة ، واستعار أيضا خوذة هادس ، القادرة على إخفائه عن انظار الأخوات الثلاثة ، وأخيرا أخذ معه حقيبة ليحمل فيها رأس ميدوزا المرعب ، ليكون في مأمن مع مرافقيه من عينيها وثعابينها .

وصل بيرسيوس إلى الجزيرة النائية، دخل كهف ميدوزا..أرعبته ومرافقيه عشرات التماثيل لبحارة تحجروا دون أن يفهموا كيف ولماذا ، دخل ومن معه في حذر إلى الكهف، أحست ميدوزا بحركة غير عادية داخل الكهف ، صحت من نومها، وفحيح ثعابينها يزيد المكان رعبا .. أخفى مرافقوا بيرسيوس وجوههم خلف دروعهم ، لكنها تقدمت نحو أحدهم ، من شدة الخوف سقط أمامها ، التقت عيناها بعينيه ،فتحول إلى تمثال من حجر. اشتبك بيرسيوس مع ميدوزا، دارت بينهما معركة ضارية ،كان يستغل الدرع الذي منحته إياه أثينا ليحمي عينيه من عيونها المرعبة.

وردت في الميثولوجيا الإغريقية نهايتان مختلفتان لهذه الأسطورة ،جاء في النهاية الأولى : رأت ميدوزا انعكاس وجهها على درع بيرسيوس وتحولت إلى حجر . وجاء في النهاية الثانية : تقدمت ميدوزا نحو بيرسيوس ، بشجاعة خارقة استجمع كل قوته وإصراره ليضربها ضربة قوية قطعت رأسها ،ثم وضعه بحذر داخل كيس . من دم ميدوزا ولد ابنها بيجاسوس على شكل حصان أبيض مجنح ، ومن جسدها ولد ابنها الثاني كرياسور على شكل خنزير مجنح ضخم.

وهكذا تنتهي أسطورة ميدوزا الشخصية الأكثر بشاعة في الميثولوجيا الإغريقة ، و لأن هذه أسطورة من الأساطير الغنية بالرموز والدلالات، يمكن قراءتها من عدة زوايا ، من جانب التحليل الرمزي والنفسي يمكن أن نقرا تحول ميدوزا إلى غورغون، كرمز للتحول الناجم عن الصدمة والعقاب ، ويعكس أيضا التحول الداخلي الذي يمر به الفرد نتيجة لتجربة مؤلمة.

أما من جانب التحليل الاجتماعي والثقافي، تحيل الأسطورة على تغييب الصراع الاجتماعي ، ونقله من الأرض إلى السماء في شكل إلى صراع أسطورى بين الآلهة/ الألهة ، والألهة/البشر، خلف ضحايا وأدى إلى مآسي ، منها مأساة ميدوزا وسيزيف وأطلس وبروميثيوس ، وكلها تحيل على مآسي اجتماعية … تعكس الاسطورة من جانب آخر الصراع بين القوة والجمال، وهذا ما يعكسه تحول ميدوزا من امرأة جميلة إلى مخلوق مرعب ، هذا التحول خلق توترا بين قيمتي الجمال والقوة، ويدل على أن الجمال الخارجي يمكن أن يخفي قوة داخلية أومعاناة ، نلمس في الأسطورة أيضا الصراع بين العدالة والظلم ،حيث تُعاقب الضحية بدلاً من المعتدي ، وبما أن النظام الإلهي الإغريقي أبيسي وذكوري بامتياز ، كانت المرأة مستعبدة ومستغلة جنسيا ، وغالبا ما تعاقب على جرائم لم ترتكبها ، من هنا نستنتج أن ميدوزا تمثل تجربة المرأة في مجتمع أبوي ذكوري عنيف ، إن اغتصابها من طرف بوسيدون ومعاقبتها بطريقة بشعة من طرف أثينا، يمكن أن نقرأه قراءة اجتماعية ، لنكشف طبيعة المجتمع الإغريقي ، مجتمع ذكوري ، كل السلط في يد الرجل ، مجتمع طبقي يقوم على السخرة والرق والاستعباد ، صنع الآلهة وخلق بينها صراع ليغيب الصراع الطبقي ويديم استغلال المرأة، في هذا السياق تصبح ميدوزا رمزا للقوة الأنثوية التي تخيف المجتمع الذكوري ، لأن تحويل الرجال إلى حجر، يمكن أن يكون تعبيرًا عن القلق الذكوري ، وخوفه من قوة المرأة إذا ما تمردت وثارت على القوانين الذكورية المجحفة .

 

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .