جريدة البديل السياسي -بقلم: حسن كرياط
ما أضعفك أيها الإنسان، وما أعجب غرورك حين توهم نفسك أنك فوق نواميس الكون، خارق للعادات، سيد الأسرار، ومالك الحقيقة. تنظر في المرآة فلا ترى إلا وهماً مدهوناً بألوان الكِبر، وتسمع صوتك فتوهمه حكمة بينما هو صدى لجوفٍ فارغ.
تتخيل أنك استثناء في هذا الوجود، بينما أنت تكرار باهت لعادة لم تفهمها، لنمط غلبك، ولزمن يطويك كما طوى من سبقك. تتشدق بالتميّز، لكنك تنسى أن التميز لا يُولد من القول بل من السلوك، من طهارة القلب، ونبل التعامل مع الآخر.
تغتر بنسبك، وجاهك، ومكانتك، ثم تكتشف أنك نقطة عابرة في مجرى الحياة، ذرّة على هامش التاريخ، واسم سرعان ما يُمحى من ذاكرة الناس. تظن أنك العالم العارف بخفايا الأمور، لكنك في جوهرك جاهل تائه، يتخبط في ظلام الوهم، ويأبى أن يعترف بجهله.
تتحدى القانون، وتتمرد على العرف، وتظن نفسك فوق الحساب، لكنك تنهار عند أول وقفة أمام محكمة الضمير، أو أمام ربٍّ لا تخفى عليه خافية. هناك تتقزم، وتنكشف، وتدرك أن حجمك الحقيقي لا يقاس بالكلام، بل بالصدق، بالتواضع، وبما تركت من أثر نقيّ في دروب الآخرين.
تزعم أنك المرشد والدليل، وفي الحقيقة لا تحمل سوى ضلالة تتدثر بثوب الزيف، وتفاهة تتزين بخيوط خادعة من الوعظ الفارغ. وفي لحظة صدق نادرة مع نفسك، تكتشف أنك لا تساوي شيئًا في ميزان الوعي، وأن كل تلك الأنا المتضخمة لم تكن سوى ظلّ لصورة مشوهة.
أنت رقم بين أرقام، عنوان على ورق، هوية باهتة في زمن كثرت فيه الوجوه وانعدمت الملامح. زمن طغى عليه حبّ الظهور، وتمجيد الأنا، والرقص على مسارح الخداع.
ما أصغرك أيها الإنسان… ولدت صغيرًا، ستموت صغيرًا، وستُبعث في ضعفك ذاته. ولن يبقى منك إلا ما صدق، وما طهر، وما أنار فيك نورًا خافتًا وسط ظلام الغرور.
تعليقات
0