الأنشطة الملكية

وثائق سرية عن دعم المغرب لفلسطين بعيون الـCIA

جريدة البديل السياسي – متابعة 

رغم أن الملك الحسن الثاني تدخل شخصيا خلال أزمات عربية سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى خلال التسعينيات من القرن الماضي، لفض خلافات حادة بين ياسر عرفات وصدام حسين وحافظ الأسد، خصوصا بين الأخيرين، إلا أنهما بتعاون مع الهواري بومدين خلال السبعينيات، تآمروا أكثر من مرة ضد المغرب، وكانت أصداء تلك المؤامرات تصل إلى الملك الحسن الثاني من بعض مساعديهم. كما حدث عندما تحدث وزير هارب من النظام السوري للملك الحسن الثاني سنة 1978، عن مؤامرات سرية كثيرة خطط لها القذافي مع حافظ الأسد في اجتماعات سرية، وصلت حد التخطيط لتمويل جماعات مسلحة لقلب النظام في المغرب والتخلص من الملك الحسن الثاني الذي استقبل في مناسبات كثيرة نسخا للقمم العربية في وقت كان جل الزعماء العرب يرفضون الحضور لدى بعضهم البعض بسبب الخلافات، ويأتي الإجماع على المغرب باعتباره دولة محايدة في عدد من النزاعات العربية الداخلية، حيث تصالح السوريين مع العراقيين والليبيين في مناسبات كثيرة برعاية الملك الحسن الثاني. لكن كل هذا لم يمنع من أن يتآمر «الأشقاء» ضد المغرب في عدد من المناسبات.

أسرار كثيرة مشابهة بقيت خفية بين سطور تقارير الـCIA الأمريكية التي شهدت بالدور الكبير الذي لعبه المغرب لصالح القضية الفلسطينية رغم مكائد السياسة وصراع الأشقاء الذي وصل حد التآمر.

القذافي مع ياسر عرفات خلال اجتماع للزعماء العرب منتصف الستينيات

«مكائد» باسم قضية الفلسطينيين.. ألغاز غامضة
كانت باريس نقطة لقاء لكل وجوه منظمة التحرير الفلسطينية الذين كانت علاقاتهم المتشعبة ببعض الأنظمة العربية، سيما مع سوريا والجزائر، خلال سبعينيات القرن الماضي.

وفي نفس المدينة، أي باريس، كان بعض وجوه النظام الجزائري أيام الهواري بومدين والليبي على عهد معمر القذافي يتجولون في أفخم الفنادق لبحث اتصالات للتعاون مع وجوه منظمة التحرير الفلسطينية، وتمويل العمل المسلح واستغلاله ضد الوحدة الترابية للمغرب. وهو ما كشفته الأنظمة العربية بعد سقوط رموزها السابقين، وسجلته مخابرات أكثر من بلد أجنبي من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الاتصالات السرية أيام كان عبد العزيز بوتفليقة مغضوبا عليه بعد وفاة الهواري بومدين سنة 1978، انكشفت بتخلي النظام الجزائري عن بوتفليقة المُقال من منصبه في الخارجية (وهو المنصب الذي ظل يشغله منذ بداية الستينيات) حيث صرح لعدد من الشخصيات العربية التي كان يلتقي بها في باريس، مستجديا بتوفير إقامة لائقة له في عواصم عربية، بأنه لعب دورا كبيرا بإيعاز من الهواري بومدين لتوزيع أموال على معارضين عرب، وشحنهم للخروج بمواقف معادية للمغرب ووحدته الترابية.

وقد تحدث بوتفليقة للصحافة الفرنسية بعد منعه من دخول الجزائر (قبل أن يعود إليها رئيسا في بداية التسعينيات لإخراج البلاد من مستنقع الدم بسبب الحرب الأهلية) خصوصا في حوار أجري معه سنة 1985، عن اتصالات وقعت في عهد الهواري بومدين، مع نشطاء من منظمة التحرير الفلسطينية وحثهم على إصدار بلاغات تهاجم المغرب مقابل الحصول على امتيازات مالية من الجزائر، وهو ما رفضه الفلسطينيون واعتذروا لبوتفليقة في فندق بجنيف، وأخبروه أنهم ليسوا أبدا الأشخاص المناسبين لقيادة هجوم ضد المغرب. وهذه المعلومات تطرق إليها ضابط المخابرات الأمريكية السابق «ويليام بلوم» عندما ألف مذكراته في نهاية الثمانينيات وتحدث عن التجسس الذي مارسه على اجتماعات وزراء الخارجية العرب وملاحقته لهم في العواصم الأوربية حيث كان يكتب تقارير مفصلة عن مضامين تسجيلات مكالمات هاتفية من مكاتبهم، ورصد التجييش الذي حاولت الجزائر ممارسته ضد المغرب باستعمال القضية الفلسطينية، لكنها فشلت فشلا ذريعا في استقطاب قيادات تابعة لياسر عرفات الذي فضل عدم طعن المغرب في الظهر، لأن مواقف الملك الراحل الحسن الثاني مع الفلسطينيين كانت راسخة، رغم الهجوم الذي شنه الجزائريون وحافظ الأسد والقذافي ضد المغرب عندما استقبل الملك الراحل في قصر إفران، شمعون بيريز، الذي جلس معه ياسر عرفات أكثر من مرة، للخروج بحل للتوتر الذي عرفته القضية الفلسطينية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. واتضح لاحقا أن موقف المغرب كان حكيما، في مقابل استمرار اتجار أنظمة عربية بالقضية الفلسطينية وتخلفهم عن صرف مساعدات لسكان غزة والضفة الغربية رغم وضعيتهم الإنسانية الحرجة.

هذه المعطيات، تفرض العودة إلى تاريخ دعم المغرب للقضية الفلسطينية، حيث تتوفر معطيات تاريخية وأخرى مادية، تؤكد وقوف المغرب إلى جانب الفلسطينيين منذ القرن 17، على إثر الأحداث التي عرفتها منطقة الشرق بسبب وجود العثمانيين وتدخل البريطانيين وفرنسا من جهة أخرى في إطار الحملات الاستعمارية.

إذ أن المغاربة الذين أقاموا في القدس، شاركوا في المعارك في محطات تاريخية ناصروا فيها الفلسطينيين ودافعوا عن القدس، كما أن تجارا مغاربة سبق لهم التبرع بممتلكات اقتنوها لصالح أسر فلسطينية، ولا تزال وثائق ملكيتهم لها متوارثة إلى اليوم رغم مضي أكثر من قرنين على إبرامها بين أجدادهم وتجار مغاربة كانوا يفدون إلى القدس أساسا بعد مواسم الحج.

وفي سنة 1956، كان الملك الراحل محمد الخامس أول زعيم عربي يدعو إلى تحرير فلسطين والدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى، في وقت لم يسبق لأي زعيم عربي أن دعا من تلك المنصة إلى فتح الملف الفلسطيني وإيقاف الاعتداءات التي طالت الفلسطينيين.

إذ أن الزيارة التي نظمها الملك الراحل محمد الخامس بعد ذلك إلى القدس، كانت خطوة عربية جريئة. ومع الملك الراحل الحسن الثاني ورث المغرب موقعا محترما في معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما تُرجم لاحقا إلى قمم عربية في أزمنة حرجة جدا إقليميا ودوليا.

شبان مغاربة حملوا السلاح في فلسطين.. نادية برادلي المنسية
عندما كان محمد الفقيه البصري، أحد أشهر معارضي الملك الراحل الحسن الثاني ينشط سياسيا في فرنسا، منذ أن حُكم عليه غيابيا بالإعدام سنة 1963 في المغرب. فإن الأعين كانت تتجه نحوه من طرف أنظمة عربية معارضة، حيث عرضت عليه كل من سوريا ومصر والجزائر مساعدات خصوصا في ملف تدريب المعارضين المغاربة المؤمنين بـ«الاختيار الثوري»، وخلفيات الإعداد لثورة 23 مارس 1973، حيث كان المجندون المغاربة قد تدربوا على استعمال السلاح وحرب العصابات في كل من الجزائر، ثم في مخيم الزبداني في سوريا منذ نهاية الستينيات.

وبعض هؤلاء المغاربة الذين تدربوا على حمل السلاح التقوا في باريس بقيادات من جبهة التحرير الفلسطينية، وتحمسوا للقتال في فلسطين دفاعا عن القومية العربية.

حتى أن اليسار وقتها كان مراقبا من طرف استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية لرصد تحركات كل الذين دخلوا الحدود السورية للتدرب.

شبان مغاربة كانوا توقفوا عن متابعة دروسهم الجامعية في الصيف، خصوصا بعد واقعة النكبة العربية سنة 1967 والتي هزم فيها الجيش المصري على يد الإسرائيليين في سيناء، وقرروا الذهاب للقتال دفاعا عن المبادئ التي كانوا يُؤمنون بها. ومنهم من استشهدوا في الأراضي الفلسطينية ويحفظ أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية لوائح بأسمائهم.

لكن واحدة من أشهر القصص المتعلقة بالموضوع، تبقى بطلتها امرأة. يتعلق الأمر بنادية برادلي التي خططت رفقة أختها «غيثة» لتنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية في تل أبيب، الهدف منها تفجير بعض الفنادق وتوجيه ضربة موجعة للإسرائيليين.

كانت هذه الشابة المغربية قد قررت في أبريل 1971 خوض هذه المغامرة مع أختها وشبان فرنسيين كانوا من المدافعين عن القضية الفلسطينية، حيث رتبت الحصول على جواز فرنسي هبطت به في مطار غير بعيد عن تل أبيب، وكانت تحمل معها مواد لصناعة المتفجرات، كان مخططا أن تشكل بها قنابل لاستعمالها في ضرب الأهداف السياحية في تل أبيب.

ما وقع أن نادية برادلي تعرضت للاعتقال في المطار فور وصولها وشقيقتها بجواز فرنسي مزور، ليكشف التحقيق معها أنها مغربية ويتم اعتقالها ويحكم عليهما معا بعشر سنوات سجنا في السجون الإسرائيلية. لكن الشقيقتين استفادتا، على انفراد، من الترحيل عن إسرائيل، حيث توجهت نادية إلى لبنان، بينما بقيت أختها «غيثة» معتقلة لفترة قصيرة قبل أن تلحق بها. بعد أن قضتا ثلاث سنوات في سجون إسرائيل. وأقامت نادية برادلي، رغم تجربة السجن، مع الفلسطينيين النازحين إلى المخيمات حيث بقيت تدافع عن القضية الفلسطينية، حيث أقامت في لبنان لسنوات، ولم تعد إلى المغرب إلا قبل الغزو الإسرائيلي للبنان بنحو شهر، حيث أجبرتها أجواء القصف والحرب على العودة إلى المغرب بعد تلك المغامرة التي تحولت خلالها «نادية» إلى أيقونة عالمية للنضال والتحرر خلال سبعينيات القرن الماضي.

استقبال الملك الحسن الثاني للقذافي الذي تآمر ضد المغرب في مناسبات كثيرة وضعط على عرفات

لهذا كان قادة «العروبة» يتآمرون ضد المغرب
منذ سنة 1961، سنة وصول الملك الراحل الحسن الثاني إلى الحكم، والمغرب تحت مجهر أقوى الأجهزة الاستخباراتية عبر العالم. إذ أن الموساد وضعت المغرب تحت أعين أكثر عملائها أهمية في الميدان، منذ 26 مارس 1963، السنة التي تعين فيها «مير عميت» على رأس الجهاز.

لكن بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية سنة 2014، تقول إن الموساد اهتم بالمغرب ثلاثة أشهر قبل ذلك التاريخ، بشكل غير مسبوق بحكم أن الجهاز اهتم بشكل مؤقت بعمليات ترحيل اليهود المغاربة بشكل سري دون إثارة انتباه الرأي العالمي إلى الموضوع، في نفس الوقت الذي كانت تجري فيه عمليات تهجير لليهود من دول عربية وإسلامية أخرى بشكل سري. كان اهتمام الموساد بالمغرب بعد سنة 1963، بسبب تحول المغرب مع بداية عهد الملك الحسن الثاني إلى قوة إقليمية سياسية مهمة. إذ أن الملك الراحل ومنذ انخراطه في قضايا الأمة العربية والشرق الأوسط، أصبح المغرب قبلة لزعماء عرب لعقد مشاورات بخصوص القضية الفلسطينية.

كما أن الوثائق السرية للمخابرات الأمريكية، كانت تقول إن المغرب مستهدف من طرف أنظمة عربية على رأسها نظام جمال عبد الناصر، وهكذا حاول الموساد، والولايات المتحدة الأمريكية، متابعة التطورات عن كثب لمعرفة مستقبل العلاقات العربية، خصوصا وأن التقارير كشفت وجود تهديدات حقيقية تتزعمها مصر على نظام الملك الحسن الثاني، وتعزز الأمر أكثر عندما تخلى المغرب في منتصف ستينيات القرن الماضي عن كل مخططاته مع الاتحاد السوفياتي ليعلن الملك الحسن الثاني بداية عهد الصداقة مع الأمريكيين ويصبح المغرب رسميا من الدول الحليفة للمعسكر الأمريكي، على عكس أغلب الدول العربية التي كان يسيرها انقلابيون على الأنظمة الملكية السابقة، حيث كانوا يميلون نحو الاتحاد السوفياتي ويحصلون منه على التمويل والسلاح، خصوصا مصر وسوريا والجزائر. وكانوا يستثمرون بعض أموال التسلح والمنح من الاتحاد السوفياتي في تمويل أية معارضة للملك الحسن الثاني في الداخل والخارج، لإضعاف نظامه.

أمام هذا المعطى، كان المغرب موضوع أكثر التقارير السرية أهمية في تلك السنوات. ورغم أن الملك الحسن الثاني تدخل شخصيا خلال أزمات عربية سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى خلال التسعينيات من القرن الماضي، لفض خلافات حادة بين ياسر عرفات وصدام حسين وحافظ الأسد، خصوصا بين الأخيرين، إلا أنهما بتعاون مع الهواري بومدين خلال السبعينيات، تآمروا أكثر من مرة ضد المغرب، وكانت أصداء تلك المؤامرات تصل إلى الملك الحسن الثاني من بعض مساعديهم. كما حدث عندما تحدث وزير هارب من النظام السوري للملك الحسن الثاني سنة 1978، عن مؤامرات سرية كثيرة خطط لها القذافي مع حافظ الأسد في اجتماعات سرية، وصلت حد التخطيط لتمويل جماعات مسلحة لقلب النظام في المغرب والتخلص من الملك الحسن الثاني الذي استقبل في مناسبات كثيرة نسخا للقمم العربية في وقت كان جل الزعماء العرب يرفضون الحضور لدى بعضهم البعض بسبب الخلافات، ويأتي الإجماع على المغرب باعتباره دولة محايدة في عدد من النزاعات العربية الداخلية، حيث تصالح السوريون مع العراقيين والليبيين في مناسبات كثيرة برعاية الملك الحسن الثاني.

لكن كل هذا لم يمنع من أن يتآمر «الأشقاء» ضد المغرب في عدد من المناسبات.

وثيقة سرية تكشف معاناة عرفات مع العرب وتصف الحسن الثاني بـ«المُنقذ»
منذ وفاة ياسر عرفات في نونبر 2004، وقصة وفاته لا تزال موضوع عدد من الكتب التي ألفها صحافيون حققوا من خلالها في وفاته وشككوا في أن تكون أياد وراء التعجيل برحيله عن العالم. والحقيقة أن ياسر عرفات تعرض لمؤامرات كبرى خلال حياته وليس فقط قبيل موته. إذ أنه كان يتجول بين الدول العربية بحثا عن المعونة في عدد من المحطات الحاسمة في القضية الفلسطينية ولم يجد أمامه إلا المغرب في وقت كانت دول عربية أهمها مصر وسوريا وليبيا قد أغلقت أمامه كل أبواب الدعم بسبب مواقف وعداوات شخصية بين كل من حافظ الأسد والملك حسين في الأردن، بالإضافة إلى تبعات غزو الكويت من طرف الرئيس العراقي السابق صدام حسين في مطلع التسعينيات. فهذه الأحداث أثرت في العلاقات الخاصة بين دول عربية، أدى ياسر عرفات بعض ثمنها لأنه، حسب وثائق رفعت عنها السرية من أرشيف المخابرات الأمريكية: «لم يستطع اتخاذ موقف واضح ينحاز من خلاله إلى مناصرة ودعم زعيم عربي ضد آخر».

ياسر عرفات مع قيادي منظمة التحرير الفلسطينية

لقد كان ياسر عرفات يرمي إلى الابتعاد عن الخلافات الثنائية بين زعماء عرب، كانت كل التقارير الدولية تصفهم بالدكتاتوريين ويسعى الغرب إلى قطع العلاقات معهم بسبب موقفهم من الولايات المتحدة، كما أن وجودهم على رأس السلطة لسنوات طويلة كان يطرح السؤال حول مشروعيتهم السياسية.

الوثائق السرية لـCIA والتي انتظر العميل «وليام بلوم» سنوات طويلة إلى أن ترفع عنها السرية لكي يتناولها في كتابه «الـCIA.. التاريخ المنسي». والمثير أنه لم يتناولها من منطق الباحث وإنما من منظور العميل المتقاعد الذي اشتغل في الميدان على تلك الملفات السرية للدول العربية، ثم عاد إليها بعد أن رفعت السرية عن الوثائق ويحكي عن ظروف وقصص الوصول إلى تلك المعلومات السرية التي دُونت في الوثائق من طرفه ومن طرف زملائه الذين اشتغلوا معه في المخابرات طيلة سنوات ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار