جريدة البديل السياسي |أسر ومحاكم

نفقة الاغتصاب .. اجتهاد قضائي غير مسبوق يعيد الأمل للأطفال ضحايا العلاقات غير الشرعية

60e85dd6d8fbd

جريدة البديل السياسي

في خطوة قضائية وصفت بالسابقة في مجال قضاء الأسرة بالمغرب، قضت محكمة النقض بتاريخ 15 أبريل 2025 بنقض حكم استئنافي صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، في قضية تتعلق بطلب تعويض لفائدة طفل ولد نتيجة اغتصاب.

هذا القرار غير المسبوق، أحيى الأمل في إمكانية الاعتراف بحقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، وخاصة ضحايا جرائم الاغتصاب، في الحصول على تعويضات تغطي حاجياتهم الأساسية.
ويأتي هذا الاجتهاد القضائي في سياق النقاش الدائر حول مراجعة مدونة الأسرة، ومن شأنه أن يكرس مبدأ المسؤولية البيولوجية للأب تجاه أبنائه، بغض النظر عن الوضع القانوني للعلاقة التي نتج عنها الحمل، بما لذلك من انعكاسات قانونية واجتماعية على قضايا مشابهة في المستقبل.

تفاصيل القضية والحكم
القرار الصادر تحت عدد 225/1 في الملف المدني رقم 227/1/1/2025، والذي اطلعت “الصحراء المغربية” على مضمونه، نص على أن المولود الناتج عن علاقة جنسية غير شرعية، من غير رضى من الموطوءة غير المتزوجة، يستحق التعويض في إطار جبر الضرر، غير أنه لا يستحق النفقة على غرار الولد الشرعي.
وتعود وقائع القضية إلى فتاة مصابة بإعاقة ذهنية، تعرضت لواقعة اغتصاب نتج عنها حمل وولادة طفل. وقد قضت المحكمة الابتدائية بإدانة الجاني بسنة واحدة حبسا نافذا. بعد ذلك، تقدمت الأم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة للمطالبة بتعويض مادي لفائدة ابنها، مؤكدة على مسؤولية الأب البيولوجي في تلبية احتياجاته الأساسية، رغم عدم وجود علاقة شرعية.
المحكمة رفضت الطلب، واعتبرت أن البنوة غير الشرعية لا تترتب عنها آثار قانونية، ولا تمنح الطفل غير الشرعي حق النفقة. واستأنفت المدعية القرار، غير أن محكمة الاستئناف بالحسيمة أيدت الحكم الابتدائي.
محامية الضحية، الأستاذة سعاد الإدريسي، طعنت في القرار أمام محكمة النقض، مستندة إلى مبادئ العدالة وحماية حقوق الطفل. فاستجابت المحكمة للطعن، وأصدرت قرارها القاضي بنقض الحكم الاستئنافي، وأوردت تعليلات قانونية واجتماعية مؤسسة على مبادئ أساسية:
1. تأكيد صلاحية المحكمة في إعادة تكييف الطلبات بما يخدم مصلحة العدالة.
2. التشديد على أن العقوبة الجنائية لا تعفي الجاني من المسؤولية المدنية.
3. اعتبار الحمل الناتج عن الاغتصاب ضررا مؤكدا يمس الطفل.
4. التنصيص على أن الطفل لا يتحمل وزر ظروف ولادته ولا ذنب له في ما وقع.
بناء على ذلك، قررت محكمة النقض إحالة الملف على محكمة الاستئناف بفاس للبت فيه من جديد بهيئة مغايرة. ومن المنتظر أن تأمر المحكمة بإجراء خبرة جينية للتأكد من الأبوة البيولوجية، وفي حال تأكدها، قد يتم الحكم على الأب بدفع تعويض شهري لفائدة الطفل إلى غاية سن الرشد أو سن الخامسة والعشرين إذا كان يتابع دراسته.

مواقف حقوقية
بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، قالت: “هذا الحكم يمثل تقدما مهما في الاعتراف بحق الطفل المولود من اغتصاب في النفقة حتى سن الخامسة والعشرين، وهو مطلب دافعنا عنه كحركة نسائية وجمعيات حقوقية. لكنه لا يزال قاصرا عن معالجة الجوانب الأخرى للجريمة، خاصة أن القضية تتعلق بفتاة معاقة تعرضت لانتهاك جسدي ونفسي خطير. العقوبة التي حصل عليها المغتصب (سنة حبسا نافذا) لا تتناسب مع فداحة الفعل، وكان ينبغي أن تكون أشد. كما أن التعويض المالي، رغم أهميته، لا يمحو الأذى النفسي والوصمة الاجتماعية التي ستلازم الأم وطفلها. نحن نطالب بتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الاغتصاب، خاصة عندما تكون الضحية من ذوات الإعاقة والاحتياجات الخاصة. وتوفير دعم نفسي وقانوني شامل للضحايا وأطفالهن. وإقرار الخبرة الجينية كوسيلة قانونية لإثبات النسب في مثل هذه الحالات. وما أشدد عليه هو أنه حان الوقت اليوم كي تتحمل الدولة مسؤولياتها في هذا الجانب وتتكفل بشكل كبير بالطفل”.
من جهتها، علقت الزاهية أعمومو، المحامية والحقوقية بهيئة الدارالبيضاء، بالقول: “نعتبر هذا القرار اجتهادا قضائيا جريئا وعلامة فارقة في حماية حقوق الأطفال المولودين من جرائم الاغتصاب. فهو يرسخ مبدأ أن المسؤولية البيولوجية تبقى قائمة حتى خارج إطار الزواج الشرعي، وأن العقوبة الجنائية (السجن) لا تغني عن التعويض المالي الذي يضمن حياة كريمة للطفل. لكن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق العملي: كيف ستجبر الأبوة البيولوجية إذا أنكر المغتصب العلاقة؟، إذ نطالب بإدراج الخبرة الجينية كدليل قاطع في مثل هذه القضايا، لأن للطفل حقا أساسيا في معرفة هويته، إلى جانب حقه في النفقة. هذا القرار يجب أن يكون بداية لتعديلات تشريعية أوسع تضمن حقوق جميع الأطفال، بغض النظر عن ظروف ولادتهم”. نتمنى مستقبلا بنضالات المجتمع المدني والحقوقيين أن تكون هذه الخبرة الجينية معمولا بها في إطار الاختصام وفي إطار العلاقات الخارجة عن مؤسسة الزواج، إحقاقا للحق وإحقاقا لحق الطفل في الهوية.

نحو ملاءمة شاملة
يمثل قرار محكمة النقض خطوة نحو ملاءمة التشريع الوطني مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الطفل، ويؤسس لتوجه قضائي جديد قد يكون له دور حاسم في بلورة مقترحات تعديل مدونة الأسرة، بما يضمن الحماية القانونية الشاملة لجميع الأطفال، دون تمييز.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة البديل السياسي