جريدة البديل السياسي
نا وآخَرٍي / قصة قصيرة
عبد المجيد طعام
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة
أحيانا ومن دون سابق إعلان ، يخرج إلى الوجود “آخَري” السَّاكِن في أعماقي ، فيتوارى “أناي” ويختفي . كنت أظن أنني استطعت أن أمسح من الوجود “آخري” بعد أن لبست “أناي” الذي أظهر به أمام المجتمع . اخترت أنا حداثي تنويري ، ديمقراطي ، تقدمي وعلماني . كنت دوما أشعر بالفخر بسبب اختياراتي الفكرية الثقافية . كنت معجبا بالبروفايل الذي وضعته لي . وكنت متأكدا من إعجاب كل أصدقائي ومعارفي بالصورة التي نحتها لشخصي. لم يكن الصراع بين “أناي” و”آخري” يشكل مشكلة كبيرة لي ، بما أنه ظل مختفيا بداخلي ، لكنني لم أعد قادرا على أن أبقيه سريا . بدأ “آخري”
يطالب بحقه في أن يظهر للعلن.
يريد أن يمارس اختياراته . لم يعد يقبل أن يبق متواريا خلف “أناي” .
آخري معمم ، تقليدي ، سلفي ، ماضوي، لا يقبل الحداثة والتنوير والعلمانية ويرى فيها مجرد قيم غربية كافرة.
ما حز في نفسي كثيرا ، أن آخري اختار اليوم العالمي للمرأة ليتمرد على أناي ، ويمارس حقه في الظهور العلني ، ويرمي بقاذوراته على الطريق . لا أعرف لماذا اختار هذه المناسبة ؟ هناك احتمال أن “آخري” يريد أن يعصف “بأناي” ، ربما يريد أن ينهي وجوده في ذاتي ،ليستفرد بي ، لذا استغل اقتران اليوم العالمي لحقوق المرأة بشهر الصيام المعروف بطقوسه المتجذرة في ثقافتنا ووعينا الجمعي . وهكذا تحركت في “آخري ” نزعته الدينية السلفية …
ليته اكتفى بالظهور ، لقد صمم على أن يفضح “أناي” . تجلبب وتعمم ثم قصد المسجد لأداء صلاة التراويح ، لكنه استغل الخروج الإضطراري للإمام . قمت من مكاني ، أو قام “آخري” من مكانه ، لم أعد أعرف من قام بالضبط ، وبخطى ثابتة تقدم “آخري” وقف بجانب المنبر ،. فجأة وجدت نفسي ، أنظر في الوجوه المحملقة ، واصيح . في الحقيقة لست أنا من كان يصيح ، “آخري” هو من صاح بلساننا: لَعنْتُ هذا الزمن الأغبر ، وذكرت المصلين بما كانت تعيشه المرأة من ذل وهوان في الجاهلية ،وكيف كان الآباء يئدون بناتهم وهن رضيعات ، مخافة الفضيحة والفتنة ، أثنيت على السلف الصالح ،وسَبَبْتُ الخلف ” الطالح” ، وتوعدته بعذاب أليم … ثم توجه “آخري” بلساننا السليط نحو النساء ،وبصوت لا يحتاج إلى مكبر، صحت في المصليات المتحصنات خلف حجاب أسود وحائط إسمنتي سميك ، قلت لهن بهيستيريا مرضية:” أيتها النساء !!! أيتها النساء! اتقين الله واستغفرن ربكن بكرة وأصيلا .. والله إن غالبيتكن مآلهن جهنم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم … لا ترفعن أصواتكن ،إن صوت المرأة عورة، ولا تضعن العطر على ملابسكن فتمسين من الزانيات، ولا ترفضن كلما طلبكن أزواجكن إلى الفراش فتبيت الملائكة تلعنكن… أيتها النساء ! أيتها النسااااااء! إنكن مصدر كل الفتن.. ارحموا البلاد والعباد !! اتركوا المطر يسقي الزرع والضرع ”
كنت أصيح في كل الاتجاهات لا أستقر برأسي على مستقر . كان الزبد يتكون على جانبي فمي ، ألحسه بلساني ، فبدوت كمن يشحذ سيفا يعده لقطع المزيد من رؤوس الفتنة .استمررت في الشحذ وضرب رؤوس النساء إلى أن اِسْتَقْرَرْتُ برأسي المعمم الثقيل في اتجاه الرجال، وقلت لهم بصوت أقل حدة :” والله إن النساء فتنة!! فلا تتركوا الفتنة تخرج من بيوتكم … لا تتركوا الفساد يخرج من بيوتكم … إن اجبرتم على وأد بناتكم فلا تتأخروا !!!! كما فعل أسلافكم الصالحون في عهد الجاهلية ، عهد العفة والنخوة العربية…إن الضرورات تبيح المحظورات … هذه قاعدة شرعية !!! قد يكون الوأد أخف الضررين .. لهذا أفتي بتحليل الوأد في هذا الزمن الأغبر !!! أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم …. !!! ” في هذه اللحظة غادرني “آخري” وتوارى ،عاد لي “أناي” الحداثي العلماني المتنور ، توارى “آخري: وتركني بجانب المنبر ، أنظر في وجوه المصلين ، لا أعرف كيف أنقذ نفسي من هذا المأزق .. “أناي” لا يحفظ القرآن ولا يعرف كيف يصلي بالناس . تسمرت في مكاني ، لا أقوى على الحركة ، ما العمل ؟
تعليقات
0