عين على الهامش



البديل السياسي:جمال التودي
في احدى خطبه، دعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله الاحزاب السياسية الى احداث مراكز التفكير من أجل القيام بالدراسات والابحاث، وتكوين النخب السياسية وتأطير المناضلين، بالاضافة الى خلق فضاء للابداع الفكري، وتلاقح الافكار السياسية التي تقتضي الارتكاز على انتاج المعرفة وتطوير اليات الاشتغال السياسي المبني على استثمار التجارب التي راكمتها الاحزاب، وما يقتضيه ذلك من تكييف المستجدات الفكرية مع الرؤية الاستراتبجية لكل حزب وفق التوجهات العقائدية المعاصرة..مما يحتم عليها خلق معايير واحداث “براديكمات” سوسيوثقافية تسهل على تلك الاحزاب بلورة نمادج سياسية يتأتى من خلالها تسهيل اختيار النخب الحزبية التي تستجيب لنوع محدد من البروفيلات من خلال مساهمتها في ولوج الساحة السياسية، وخوض غمار الانتخابات من بابها الواسع..على اعتبار أن الضوابط الاكثر شيوعا في انتقاء الزعامات التي يمكنها الايفاء بالغرض السياسي في الحملة الانتخابية، ينبغي أن يتوفر على احدى الشروط الموضوعية التي تقوم على محددات مالية صرفة (مول الشكارة)، ثم هناك شروط ذاتية تقتضي التوفر على عناصر التأثير على البيئة السوسيوثقافية للمنتخبين في محيطه ومجاله الانتخابي… على اعتبار ان اللعبة السياسية تقتضي تحديد مقاييس متعارف عليها كونيا، فالدول التي تحترم نفسها، تضع معايير دقيقة و شروط موضوعية في اختيار البروفيلات التي تصلح لترأس العملية السياسية و دخول غمار الانتخابات وفق ترتيبات تحترم مكانة الحزب، و ذكاء المواطن، مثل احترام شروط الحنكة السياسية، و التدرج النضالي في الاحزاب، و شروط اخرى تنبني على التحلي بروح المسؤولية و الشفافية… هذه جملة من الاوصاف الممكن توفرها في رجل السياسة الذي يفترض فيه خوض غمار اي تجربة انتخابية و تدبير الشأن العام، غير ان الاحزاب السياسية بمدينة تاونات لها شروط اخرى كما هو الشأن فيما يتعلق بنموذج المهدي المنتظر الذي حاولت بعض الشناقة السياسين تقديمه “كبروفايل” يستجيب للمواصفات التي يمكن الاصطياد بها اصوات غفيرة.. حقا، عوض تعداد مكامن القوة التي تؤطر التوصيف الدقيق لحنكة و براعة “رجالات الدولة”، و المواقف السياسية التي تحدد مسار الزعيم او القائد السياسي، انهالت علينا شردمة من المبشرين بتواجد رجل من طينة “طيور الظلام” بترويج قاموس مغري يميل الى مواصفات “رجل دين” او “شيخ القبيلة” او “فاعل خير” الذي يحيل في المخيال الشعبي على رجل ذو مرجعية تواصلية يحكمها المحدد العقائدي اكثر من الحنكة السياسية، بحيث تفنن البعض و اطلق العنان لسرديات حكائية تضغضغ مشاعير المواطن التاوناتي بوابل من المصطلحات و التعبيرات تعمل على اختراق الحس السيكولوجي لكل الشرائح المؤهلة للإنخراط في العملية الانتخابية، يبشرونهم بسطع نجم سياسي “فوق العادة” ليس كباقي السياسيين، فهو رجل العمل الخيري، ساهم في بناء المساجد و حفر الابار، لا يتوانى في تقديم الصدقات و بناء دور الخيريات، يضيف صديقنا، بان السياسي المنتظر لدخول غمار السياسية “معندوش مع التخلويض”، رجل حقاني، ينصف المظلوم، و يدعم الفقير، و لا يتوانى في تقديم العون لكل الطبقات المحتاجة، فهو رمز العمل الخيري بامتياز، يتقن سياسة القرب… الكل متشوق لمعرفة هذا الكائن المثالي الذي سينزل الى الساحة الانتخابية لتغيير المنكر كيف لا ؟ و هو من يحمل تسبيحا في يده، مرتديا جلباب مغربية اصيلة، و ذو سحنة و وقار، و كان مرشح حزب المصباح، انه الرجل الذي يمتلك “القوة الناعمة” نعومة الصوف في قلب الموازين بالساحة الانتخابية، رغم انه لا يتوفر على الشهادة الابتدائية !! فعلا، لقد نسجت عن هذا الرجل الخارق حكايات منذ سنة 2015، فبمجرد سماع اسمه يتوارى المنافسون عن الانظار، و يتركون كائنات تتقن “فن البروبكندا السياسية” لمواحهة الخصوم و تلميع صورته امام المواطن المغلوب على أمره.. الكل كان يعتقد ان الوافد الجديد، سيكون بمثابة المهدي المنتظر في مجال السياسة، بل سيعمل على انقاذ الاقليم من الفقر، و الظلم و الامية، عفوا لقد انفلت مصطلح
الامية
بين اناملي سهوا، لان الرجل متصالح مع هذا المصطلح الذي يعوضه بمفاهيم اكثر جاذبية في عالم السياسية و الانتخابات من قبيل رجل المال و الاعمال، و البزنيس، مقاول ناجح في تدبير الشركات، وغيرها من المقومات التي تعوضه عن تدني المستوى الدراسي الذي لا يدخل في حساب صناع القرار بالمملكة الشريفة.. هكذا انتشر الخبر كالنار في الهشيم و ان( super man ) الجديد قد يتقدم للترشح و المنافسة الانتخابية عن دائرة “تيسة – تاونات” مرتديا جلباب الاسلاميين عن حزب “اللامبة”، و لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه ارادة العفاريت و التماسيح كما يحلو للسيد بنكيران وصفهم، او جيوب المقاومة، كما اطلق عليهم المرحوم اليوسفي،حينما تتجبر ايادي خفية، يختلط فيها السلطة بالمال و تعطي نتائج معكوسة، بحيث اختفى المرشح الوافد في ظروف غير واضحة لولاية بأكملها، ربما أن المصباح قد انطفأ او خفت اشعاعه في مواجهة فانوس السلطة .. و لكن المفاجأة غير العادية هو إعادة ترديد نفس السمفونية في انتخابات 2021، ليظهر “الكبش الناعم” ذو النعومة الساطعة بين ظهرانينا محلقا بقوة فوق جناح حمامة زرقاء التي لا تحمل من الحرية الا الاسم.. لينبري بعض المرددين للأسطورة المشروخة التي تحاول نفخ الروح في جسد منهوك سياسيا وفارغ علميا و ثقافيا.. النجاح مضمون و بفارق كبير من الاصوات مقارنة بمنافسيه، هنا كبرت الاماني عند سكان تاونات في هذا الرجل المنقذ، الذي سيخرجهم من الظلمات الى النور، و سيجعل منصب البرلماني بنكهة التجديد و توابل رجل التوافقات الذي انسجم اختياره بين قوة المال و قوة السلطة.. لكن بمجرد ان وضعت حرب الانتخابات اوزارها، و ذهب كل منتخب الى مباشرة مهامه التشريعية حتى ظهر الحق و زهق الباطل، و تبددت الشكوك فيما كان يقال و واقع الحال الذي تكشفه الممارسة العملية… فعلا، النتيجة صفرية، و الحصيلة التشريعية للرجل شبه منعدمة، لا سؤال في البرلمان، ولا انتقاذ للسياسات العمومية التي يكتوي بها المواطنين، ولا اقتراحات او مبادرات تشريعية قد تنقذ ماء وجه الرجل الذي كان الكل يراهن عليه لإنقاذ الاقليم من الوضعية المزرية.. بعد مرور وقت ليس باليسير، و اشرفت الولاية الانتخابية على نهايتها، اتضح ان ما قيل حول الرجل كانت مجرد “اساطير الاولين” الذين سوقوا للساكنة الوهم، و تبين بالملموس ان مفهوم “شيخ القبيلة” الذي يدبر شؤون البلاد و العباد بمصطلحات التقية الدينية في التمثيل السياسي يبقى مجرد بربكاندا من طرف البعض يستعملونها للتنويم السيكولوجي قصد الربح الانتخابي ليس إلا.. و الغريب في الامر ان الرجل يحاول تسليم المشعل لأحد ابنائه البررة ، ليتقلد المنصب السياسي بالارث، و كأن المعني بالامر نسي بأن المواريث منظمة بمدونة الاسرة، و ليس بمدونة الانتخابات.. و من “الجهل ما قتل” كما قيل عند العرب قديما.. انه مثال من امثلة البروفيلات السياسية التي تتهافت عليها الاحزاب السياسية باقليم تاونات لدخول معركة الانتخابات.. و لنا عودة لباقي النخب التي يتم صناعتها ابان الفترة الانتخابية.. صناعة محلية بامتياز..!! تخضع صناعة البروفيلات الانتخابية في الدول الديمقراطية الى احترام التوجهات السياسية التي تؤطر الفكر الاديولوجي لكل حزب، من خلال الاصطفاف الى تيار من التيارات التي يختارها التنظيم الحزبي، سواء التيار اليساري أو التيار اليميني او الليبرالي، حسب القناعات والميولات الفكرية السياسية التي يعتمدها الحزب في أدبياته السياسية، لكون تلك التوجهات تترجم التصور الفكري الذي يريد الحزب تنزيله للمقارعة السياسية في المنافسات الانتخابية،من على عكس تماما ما يقع عندنا في هذه البلاد السعيدة التي تضع كل التنظيرات والادبيات السياسية التي ينسجها الحزب جانبا، لتحل محلها عبقرية الرجل السياسي الذي يفرض نفسه على الحزب، قصد خوض المعارك الانتخابية بناء على رزنامة ذاتية لا تمت بصلة للكفاءة أو البرنامج الانتخابي، او التصور السياسي، بل تشمل مقومات اخرى تقوم على تأثيره المباشر على الساكنة، ودرجة تغلغل نفوذه في دائرته الانتخابية، رغم أن المقعد الانتخابي المتبارى بشأنه يتعلق بالمؤسسة التشريعية التي تفرض نوع اخر من الكفاءة والالمام بأبجديات السياسات العمومية، والنباهة الفكرية في اتقان فن الترافع على القضايا الكبرى، من خلال مقارعة كبار الساسة في الحكومة والبرلمان، بعيدا عن سلوك تقديم خدمات “in drive” التي ترتكز على “قفة رمضان” او ايصال المريض للمستشفى، او التدخل للحصول على عقود الازدياد بالجماعة او تغيير مصباح الحي، او تنظيم دوريات كرة القدم، رغم أن هذه الخدمات تدخل في نطاق الحقوق الاساسية و البديهية التي لا تحتاج إلى وسطات او تدخلات من أمثال النماذج السياسية التي تعج بها الساحة السياسية بالاقليم.. هل مثل هذه البروفيلات يمكنها الاستجابة لطموحات و تطلعات الساكنة التي سئمت الاستغلال السياسوي.؟!!


Entrer
تعليقات
0