جريدة البديل السياسي – بقلم حليمة صومعي
من يمثل من؟ سؤال في عمق السياسة الحزبية
في خضم الحراك السياسي الذي يشهده العالم، وفي ظل ما نعيشه من تحولات حزبية وارتباكات داخلية، يطفو على السطح سؤال محيّر، لكنه في جوهره عميق: هل الشخص يمثل الحزب؟ أم أن الحزب هو من يمثل الشخص؟
سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل بين طياته تعقيدات تُعرِّي واقع الأحزاب، وتكشف عن مدى عمق الممارسة الديمقراطية داخلها.
في المنطق الديمقراطي السليم، الحزب يُفترض أن يكون مؤسسة جماعية، تُبنى على التعدد، تُؤطِّر الأفراد، وتُعبّر عن الإرادة الجمعية لمنخرطيها ومؤيديها. وفي هذا النموذج، فإن الشخص، مهما بلغ من كاريزما أو موقع، يظل خادمًا لبرنامج الحزب، ناطقًا باسم مبادئه، لا العكس.
لكن حين ننتقل من النظرية إلى الواقع، يتغير المشهد. فكم من حزب تحوّل إلى صورة زعيمه؟ وكم من مشروع جماعي تلاشى حين انسحب “الشخص القوي”؟
في كثير من الدول، لا سيما داخل التجارب العربية، تختزل الأحزاب في شخص واحد، وتُفرغ من مضمونها المؤسساتي. يصبح الزعيم هو الحزب، وصوته هو البيان، ومزاجه هو الموقف السياسي.
والمفارقة المؤلمة، أن هذا الواقع لا ينتج سوى أحزابٍ بلا روح، لا تصمد أمام الرياح، ولا تبني بدائل حقيقية. إنها أحزاب “الظل”، تُحكم من فوق، وتُحرك من خلف الستار، وتُدفن عند أول اختلاف داخلي.
إن الفارق الجوهري بين الحزب كمؤسسة، والحزب كشخص، هو الفارق بين الديمقراطية والسلطوية، بين البناء الجماعي والانفراد بالقرار، بين السياسة كأداة للتغيير، والسياسة كوسيلة للتموقع.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى أحزاب تعيد الاعتبار للفكرة، لا للفرد. أحزاب تنبني على البرامج، لا على الولاء للأشخاص. لأن مستقبل الشعوب لا يُبنى على الأفراد مهما عظموا، بل على مؤسسات قوية، تُحاسب وتُراقب وتُجدد نفسها من الداخل.
إنها دعوة لإعادة النظر، لا في الأشخاص، بل في البُنية ذاتها: كيف نُنتج الحزب؟ ولمن؟ وهل نريد أن نصنع مستقبلًا من خلال أفراد، أم نؤمن بأن التغيير يبدأ من بناء مؤسسات تتجاوز الأشخاص نحو الوطن؟
تعليقات
0