كتاب وآراء

 من وحي الحي “الحومة “6/ 21… بقلم ذ .محمادي راسي 

 

بقلم ذ .محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :

  من أوراق مهملة فوق الرفوف 

=================

 من وحي الحي "الحومة "6/ 21

===================

              الـــــــــورع 

            &&&&&&

                                 حل بهذه البلدة الغريبة في السنوات السالفة غريبا بائسا يائسا ،أهلكته بنات بئس ،استيأس من الواقع فأصابته اليئاسة ،لا يعرف أحدا ، نزل طاوي البطن وقد أخناه الطوى ،وزاده  البون والنوى ، وأهلكته مضغ الأمور، لا يفكر إلا في  التنانير والقدور ،   لا يملك بلغة ليسد بها رمقه ، ولا عجة بيتزة ، ولا علبة تونة ، ولا عضة جابر بن حبة ،  ، ولا في جعبته لقمة ولا فرنك  ، ولا ذاق لواكا ، بسبب الإنفاض البادي على هندامه ولباسه وهيئته  من مؤشرات أهل البادية ، كأنه "هداويّ مجدوبي "مقشرا متنحسا ، ينتقل من مكان إلى آخر ، من حي إلى حي  ، عله يجد عملا ليقوم بمهنته …، ويحقق غايته ، يبدو أمام الساكنين مؤمنا تقيا،  وحنسا نقيا  ـــ بل حنشا خفيا ساما ـــ  وحنيفا متمسكا بدينه ،  وكلما  حل رمضان إلا واعتكف  في حانوته الصغير ، يبدو للزبن  إنسانا ورعا تقيا  ثقة مؤمنا  عارفا بالله ، يسارع البعض ــ كعمل خيري وإنساني  في شهر رمضان الفضيل ــ  إلى تقديم فطور المغرب إليه  ، يشمل كما هو مألوف عند العامة ؛الحساء "الحريرة "والتمر والزلابية ، لينالوا الثواب والأجر من جهة ، ومن جهة أخرى يريدون الحصول على استراتيجية المكان ، للجلوس معه ليلا…قصد الاستمتاع  بجو الليل الرمضاني والاستماع إلى الأحاديث تارة …ااا ، وماذا تنتظر من الرويبضين …؟، والانتقال إلى الدردشة تارة أخرى ،و"التقشاب" في أغلب الأوقات ، وتتبع عورات الناس إلى الفجر ….اااا.

                                  مع مرور الأيام؛ وبعد أن اشتد عوده ، واعتضد عضده ، وقوي ساعده ،وانحلت  عقده ، وانفرجت كربه ، وانقشعت غممه ،وتبخرت همومه ،وتيسرت أموره ، أصبح برا سرا وفي سرارة ، طفق ينسج علاقات ، ويملك صدقات ، تحول دكانه إلى مقهى  للفاشلين ،  وناد للمتهورين الطائشين ، ودار للشباب والأصدقاء للدردشة والتفكه ، ومستودع للنارجيلة وأركيلة ، وروض للأطفال ، وزاوية يتردد عليها المريدون للطريقة الشيطانية المرشائية ، ويختلف إليها الجائعون الذين لا يملكون قطميرا ،يبحثون عن الخبزة العبّاسية ، ثم يتحولون إلى أباليس بأعمالهم الخسيسة التي يتلقونها على يد الورع  أبي مرة الأمرش الحنفيش ، يلعب مع الشبان الكبار  والأطفال الصغار  في حانوته ،والذين يتوافدون عليه من وقت لآخر ، والعامة في غفلة وغرة ، عما يقدم عليه هذا الورع التقي النقي في حسبانهم  المألوف ، وظنهم  المعتاد المعروف  ….هذا الورع الخداع الذي أدبر غريره ، وأقبل هريره ،وقد هره الناس ،  غادر الحي والحانوت ، ولم يظهر له أثر، وقد استفاد كلما حل شهر رمضان بالتعويضات الغذائية مجانا …. هذا زمن المكر والخداع والغش والتقية ، انعدمت فيه الثقة ،وغابت القيم النبيلة ،وأفلت النية الصادقة الصافية الخالصة  ، لا يمكن أن تعقد فيه الصداقة والألفة ، ولا أن تقوم بالتصدق على أي مسكين قد يبدو لك معدما ، بدون أن تجربه وتراقبه ، نماذج متعددة مرت بهذه "الحومة "وغيرها ،مليئة بالنفاق والهروب والتهرب من أداء الكراء والدين، سجلات أهل الدكاكين حجج ثابتة على عدم الأداء ، وعلى تملصهم وفرارهم كالجبناء ، علاوة على السلوك  المقيت الخبيث النبيث  ، وقد عاثوا فسادا في هذه الحومة والمدينة ……اليوم  لا تستطيع أن تثق في المتسول، لأنك قد تجده في شوارع وأحياء أخرى، بل في مدن أخرى نصابا ومجرما وعربيدا ،وبحالات وهيئات متناقضة، ومفارقات عجيبة، بين الفقر والبذخ والإسراف والتعجرف والتوسل والتسول …… والنزول  بالفنادق  ذات النجوم  العالية ، والجلوس في المقاهي الراقية ،والمطاعم الفاخرة ، وركوب السيارات الفارهة … بل البعض يملكون عمارات شاهقة …..ويأتيك كل غد بما فيه .

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار