بقلم ذ.محمادي راسي
المـــــــــــــديـــــنـــــة
تـــــــــــــــــوطئة :
مدن بالمكان :أقام (وهو فعل ممات) /والممات من اللفظ بضم الميم ما ترك استعماله / والمدينة أتاها ،مدّن المدائن بناها ومصرها ،تمدّن :تخلق بأخلاق أهل المدن // انتقل من الهمجية إلى حالة الأنس والظرف ،تمدين :تنعم ،المدينة ج مدن بسكون الدال وضمه مدن ومدائن :مجتمع بيوت يزيد عددها على بيوت القرية أو المصر الجامع ، …المدين :الأسد ،المدان /اسم صنم ..منجد اللغة .
وعند بعض أهل اللغة ؛ المدينة :المصر الجامع ج مدائن ومدن ، قيل المدينة وزنها فعيلة لأنها من مدن بمعنى أقام ، وقيل مفعلة بفتح الميم لأنها من دان ،ومن جعلها فعيلة همز، ومن جعلها مفعل لم يهمز، كما لم يهمز معايش ، والمدينة أيضا علم بالغلبة على مدينة يثرب ،والنسبة إلى مدينة يثرب مدنيّ وإلى غيرها مدينيّ ،بكسر الدال وسكون الياء الأولى ، وقيل إذا نسبت الإنسان إلى المدينة قلت مدنيّ، وإذا نسبت إليها الطائر وغيره من الحيوان قلت مدينيّ .
المدينة تكون مدينة ؛ بشوارعها الحاملة للأسماء والأرقام ، وأحيائها النظيفة ، والإنارة القوية ، وعماراتها الجميلة بالألوان الناصعة ، وواجهاتها الجذابة ، وعمرانها المنظم المنسجم المنتظم ،وساحاتها الفيحاء ، وشعاراتها التي ترمز إلى خصوصياتها وما تشتهر به ثقافيا واقتصاديا وتاريخيا وفنيا ،وبكل ما يتعلق بطبيعتها وحيواناتها وغلاتها والإنسان ….ومؤسساتها العمومية ،والمصالح الإدارية ، والخدمات ، ومراكزها الثقافية والتجارية ، والمؤسسات الصحية ، والمدارس والجامعات ، والمعاهد الفنية من رسم وموسيقى ومسرح … والمقاهي والملاهي والأندية والمطاعم والفنادق ،وحدائقها الغناء ، ومقابرها المسيجة المنظمة ، والاهتمام بها من حيث الرعاية والصيانة ، وملاعبها الرياضية ومكتباتها ومتاحفها ومحطاتها ؛الجوية والبرية والبحرية ، وبخطوط المواصلات العديدة المختلفة داخلها وخارجها، لنقل الساكنين الذين ينتقلون إلى الأحياء البعيدة ، والمسافرين الذين يسافرون إلى أقاليم داخل الوطن وإلى الدول الأخرى ، ونقل البضائع والسلع بواسطة الشاحنات ، ومراحيضها الكثيرة ، وقنوات الصرف الصحي والتطهير ، ونستطيع أن نحكم على المدينة أنها وصلت إلى مستوى التحضر والتمدن هو ؛ حينما يبحث الساكن بها عن شيء يجده أمامه ، لا أن يذهب إلى المدن الكبرى ،فيما يخص الدراسة والعلاج والاستشفاء وشراء الأدوية ….وأشياء أخرى كالبحث عن الوثائق الإدارية ، وحينما يريد قضاء حاجته البيولوجية يجد المرحاض أمامه، لا أن يتغوط في الخلاء والشوارع والحدائق والأزقة وأمام الناس كالحيوان ….وهذا السلوك نصادفه أحيانا في” مدينتنا “، إن الكلاب في المدن المتقدمة، يراقبها صاحبها حينما يخرجها إلى الشارع ،ويقوم بجمع العاذرة في وعاء بلاستيكي أو ما يشبهه … اااا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد اللغة بين الشعر الذي يرقص إذا كان الوزن منسجما مستقيما ، وبين النثر الذي يمشي دون تعثر واضطراب إذا كان النحو محكما سليما …مواد اللغة يغيب فيها أحيانا القيد والبحر وما جمع في :”لم /أر /على/ ظهر/ جبل/ سمكة ” .
يقولون ؛ إنها مدينة ….
إي والله …
نعم ؛إنها :
مدينة الحرمان ،
حرم أهلها من:
رياضة وثقافة ،
ومسرح وفن ،
منذ زمان …
مدينة تؤلم القلوب،
تنام وتستيقظ ،
على الفوضى
والضجيج والتهريج ،
والهرج والمرج ،
وتؤذي العيون ،
بأدرانها وأزبالها ،
وروثها وعاذرتها ،
كأن العيون ؛
أصابها العمش ،
والقذى والغمص ،
والرمص .
وتقلق العقول ،
تجعلها حائرة ،
متبورة،
مبتورة ،
مشدوهة ،
مدهوشة ،
فتصاب ؛
بالوجم والبكم ،
والعي والبغم،
يقولون؛ إنها مدينة
إي والله ،
بجل ؛ إنها :
مدينة النسيان ،
إلى أن طالها ،
الإقصاء ،
والتقهقر،
والخصاص ،
والعجز ،
والنقصان ،
فأصبحت منسية ،
يقولون ؛إنها مدينة
إي والله ،
جير ؛إنها :
مدينة الحلوان ،
إلى أن حلبوها ،
كالبقرة الحلوب ،
فتركوها جثة ،
بلا روح ،
فأصبحت ميتة ..
مدينة اليتم .
لا أحد يحميها،
وينافح عنها ،
فأصبحت يتيمة .
يقولون ؛إنها مدينة
إي والله ،
إن ؛ إنها :
مدينة البرطلة ،
والغنيمة الباردة ،
والشيشة والحشيشة،
والخلاعة والدعارة ،
والتهور واللعب ،
والجلوس للقمار،
في المطاعم والمقاهي ،
التي تتحول ؛
إلى الملاهي ،
من الصباح
إلى آخر الليل ،
يقولون ؛إنها مدينة
إي والله ،
نحم ؛إنها :
مدينة التهميش،
همشت ؛
ثقافيا ،
فنيا ،
فكريا ،
اقتصاديا ،
سياحيا ،
صحيا ،
اجتماعيا ،
وجماليا ،
رغم أنها جميلة؛
طبيعة وموقعا ،
فجعلوها قبيحة ،
مشوهة مشينة ،
حتى الحدائق ،
لم تعد حدائق ،
أصبحت مراغات
للدواب ،
ومطرحا للأزبال ،
وأنزالا للمتسكعين ،
والغرباء الوافدين ،
يمتهنون التسول …
يشربون الدوليو…
يشمون السولوسيون …
المنتظرين الإبحار…
إلى ديار المهجر …
إلى ما وراء البحار ..
إلى المجهول …
إلى الموت والغرق …
حتى المساحات الخضراء ،
أصبحت صفراء ،
حتى الفساقيّ،
أصبحت جدباء ،
حتى الحدائق،
أصبحت قفراء،
لا ماء ولا منظر،
ولا زهر ولا نور،
ولا شجر ولا طير،
يسعد برؤيته الساكن .
والضيف والعابر …
يقولون ويقولون ؛
سنرجع الحديقة،
جنة خلد ،
والمدينة ،
نظيفة جميلة ،
بمركباتها وملاعبها ،
ووو…..
ولكن لا يفعلون ،
لأنهم ؛
لا يعرفون :
“أن البحر عميق جدا “…
أن المدينة ….
حافلة معطبة العجلات …
ومعطلة الآلات …
وطائرة بلا جناحين …
وباخرة تتلاعب بها
الأمواج والتيارات ….
وبغلة حرون …
لا تريد السير إلى الأمام ..
وضيعة قاحلة ماحلة ،
ماذا بقي لهم أن يقولوا:
وأن يصفوا ويعدوا: بعد ،؟؟؟؟اااا.
” ماذا بقي للأدباء أن يصفوا ،فقوس قزح الذي وصفوه ،قد حلله العلماء ، والقمر الذي تغزل فيه الشعراء غدا سنسكنه ” ؟؟، قسطنطين زريق
إنها أشبه بمدينة صغيرة ….ولكنها قرية كبيرة لأنها لا تتوفر فيها مواصفات المدينة ،سيرجعون في هذه الأيام المقبلة إلى الأسطوانة القديمة المشروخة المليئة بالوعود الكاذبة ،واللتلتة والغموس والحربائية والشيطانية والموتية والتقية والتمويهية والعرقوبية و”البونيفية والبونفاخية ” والنمسية والعفريتية والتمساحية والثعلبانية والأفعوانية …. كأن هذه المدينة مفعاة وبرغوثية وبرغشية ، ….. ،سيرجعون بألوان أخرى جديدة ، خلال خمسة عشر يوما المقبلة، بالتقرب من المواطنين ،والتودد والتوسل والرجاء والاستعطاف بلغة الدفاع والحماية ؛ فيها رقة وشفقة وتضحية وإيثار وحنان واهتمام ..، بعد غياب دام سنوات، عليهم أن يأخذوا بالحكمة القديمة التي تقول :”اشتر من الموتان ولا تشتر من الحيوان ” أي اشتر الأرض والدور ولا تشتر الرقيق والدواب ، وعلى المواطن أن يتذكر ما قاله صلاح الدين خليل الدين بن أيبك الصفديّ :
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا
تسرع ببادرة يوما إلى رجل
وإن بليت بشخص لا خلاق له
فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
ولا يغرّنك من تبدو بشاشته
منه إليك فإن السم في العسل
عليهم أن يتذكروا :”وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان …”، “واليوم كل شي باين واضح وضوح الشمس “…. وأنصحهم بأن يرجعوا إلى الاستماع إلى أغنية؛” رسالة من تحت الماء ” ويعودوا إلى قراءتها ،كي يتعظوا ويبتعدوا عن الخوض في ما لا يستطيعون الخوض فيه ، وأن يرددوا :” لو كنت أعرف أن المسؤولية صعبة جدا ما ترشحت ” …..”أشدك تمشي لزين وانت يارجل مسكين “،لأنهم عاجزون عن تسيير المدينة ، وفاشلون في تحقيق ما تصبو إليه الساكنة من نمو ورقي ورونق وجمال وجمالية ، لما يحيط بهذه المدينة من أحياء و”حومات” و”مداشر” وغابات وجبال وبحار …وما تشتمل عليه من ساحات مقفرة ، وحدائق منسية ،أضحت عبارة عن ضيعات مهملة، و مراغات ومزابل وفنادق ومقاه وملاه ومراع وملاعب ،يشترك في استغلالها الحيوان برعي العشب وهو لا يعي ولا يعرف ، يظنها خلاء وفلاة ، والإنسان يستغلها بطريقة بشعة ؛ من حيث بغبغبة أعشابها ،وكل ما فيها وبطريقة غير قانونية وغير إنسانية .
إن غريزة حب التملك والسيطرة والسلطة والهيمنة… تقود الإنسان أحيانا إلى المغامرة وسوء التصرف بطريقة جنونية ، ينضاف إليها النرجسية المفرطة المحبة للذات ، والإدلال والدالولاء ، الدالة على الجهالة الجهلاء ، والأنانية العمياء التي لا تحب التروي والإيثار، ، هذه الصفات وغيرها السلبية تفضي إلى الفشل والخيبة والسقوط والتعثر والزلة ، وينضاف إلى كل هذا أيضا أن يكون الإنسان جاهلا لا يعترف بجهله ، ومخطئا لا يعترف بخطئه ، والزعيم مالكوم إكس يقول :”أعظم مصائب الجهل أن يجهل الجاهل جهله ” وبناء على ما ذكر وما لم يذكر لأنه لم يتبادر إلى الذهن : مدينتنا ستبقى في وضعية متأخرة متقهقرة متدهورة مزرية متردية ، تسير إلى الوراء أكثر مما تسير إلى الأمام ، لأننا لا نهتم بالساكنة والمدينة والوطن ، وكما قال المهاتما غاندي الحكيم الحليم المحب للسلم والسلام :”كثيرون حول السلطة ، قليلون حول الوطن “، وفي هذه الأيام الأخيرة في وطننا العزيز على حسب ما أوردته جريدة الأخبار العدد : 1177 بتاريخ 16شتمبر 2016م ركن :”سياسية “بعنوان : ” كتاب ومثقفون يطلقون نداء من أجل ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي بالمغرب “توقيع عريضة للمطالبة بوقف حملات التهريج وتحرير المنافسة الانتخابية من أمراض الشعبوية ” ، “بالتزامن مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية التي ستجرى يوم 7أكتوبر المقبل ،أطلق مجموعة من المثقفين والكتاب والمفكرين المغاربة عريضة تحت عنوان ؛” من أجل ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي في المغرب ” طالبوا من خلالها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات المقبلة ، بتحصين المسار الديمقراطي والمؤسساتي للبلاد والعمل على الرقي بالخطاب والممارسة السياسية ” .
إن الحكمة هي العمل على إنقاذ مدينتنا من هذه الوضعية السيئة ، وليس الفرح بالفوز ، وإقامة الولائم والزردات للتنويم والتمويه والإسكات /قبل وبعد / ثم الجلوس على الكراسي في المكاتب لقضاء الوقت في الخزعبلات والتقول والنميمة ، والمدينة تعاني الأمرين والمرتين والمريين ، ولا أحد يستطيع أن يناقش وينبه وينتقد ويجادل ،لأن في كرشه عجينة وغنيمة باردة هنيئة مريئة .
وأخيرا ؛
إن مدينتنا لا تجتذبك إليها ، ولا تستوقفك، ولا تسحرك ،ولا تستهويك وأنت تتجول في شوارعها وقت الفراغ ، ولا ترتاح نفسيا وعقليا وجسميا ، لانعدام النظافة و الجمالية ؛جمالية الحدائق والشوارع والساحات والأرصفة ، فهي مدينة تستدعيك إلى النفور والاشمئزاز والتقزز من جراء مناظر مخزية ، وسلوكات مشينة، لا تمت بصلة إلى المدينة والمدنية والتحضر والتمدن .
تعليقات
0