من منصات الملاعب إلى زنازن السجون.. رؤساء أندية رياضية خلف القضبان
جريدة البديل السياسي
لا يكاد يمر شهر بالمغرب إلا ويرتفع عدد الرؤساء الحاليين والسابقين لمختلف الأندية الوطنية المدانين في قضايا فساد مالي وإداري، ما يعصف بهم خلف قضبان المؤسسات السجنية ويؤثر على سمعة كرة القدم المغربية قبل تنظيم نهائيات كأس العالم سنة 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
وتوالت في السنوات القليلة الماضية أحكام الإدانة ضد رؤساء الأندية المغربية سواء الحاليين أو السابقين، آخرهم الرئيس الأسبق لنادي الرجاء الرياضي، محمد أوزال، الذي قررت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، إيداعه سجن عكاشة، حيث يتابع بتهم “خيانة الأمانة، النصب والاحتيال، وإصدار شيكات بدون رصيد”.
وفي هذا الصدد، قضت المحكمة الزجرية الابتدائية بعين السبع بالدار البيضاء بثلاث سنوات ونصف حبسا نافذا وغرامة قدرها ألف درهم في حق محمد أوزال، رئيس نادي الرجاء البيضاوي السابق، المعتقل على خلفية تهمة تتعلق بخيانة الأمانة.
وبخصوص بالمطالب المدنية، حكمت ابتدائية عين السبع، ليلة الجمعة، بما يناهز 200 مليون سنتيم للمطالب بالحق المدني ممثلا في شركة التأمين، حيث جاءت متابعة أوزال بتهمتي خيانة الأمانة والنصب والاحتيال، وذلك بناءً على شكوى تقدمت بها إحدى شركات التأمين، تتهمه بخرق اتفاق شراكة مبرم بين الطرفين
وفي سابقة في تاريخ التسيير بكرة القدم الوطنية، تسارعت في السنتين الأخيرتين حملة متابعة رؤساء أندية كرة قدم متورطين في قضايا فساد، بعد توقيف رئيس الوداد الرياضي سعيد الناصيري في ملف “اسكوبار الصحراء”، وإدانة رئيس أولمبيك آسفي محمد الحيداوي في قضية بيع تذاكر كأس العالم بقطر، واعتقال الرئيس السابق للرجاء الرياضي، محمد بودريقة بألمانيا، وسلفه عزيز بدراوي، والرئيس السابق لاتحاد الفقيه بن صالح محمد مبديع، لينضافوا لحالات مماثلة من قبيل الرئيس السابق لشباب الحسيمة محمد بوشحاتي والرئيس السابق للمغرب التطواني رشيد التمسماني.
سعيد الناصري.. الملف الأكبر
بعد سنوات على رأس إدارة نادي الوداد الرياضي وقيادته للتتويج بعدد من البطولات المحلية والقارية، انفجر ملف، ما يعرف، بـ”اسكوبار الصحراء”، حيث قررت النيابة العامة متابعة سعيد الناصيري بتهم تتعلق بالتزوير والمخدرات وجنح قانون الصرف وغيرها.
كما قرر قاضي التحقيق متابعة سعيد الناصيري، بتهم تتعلق بـ”جنحة محاولة تصدير المخدرات بدون تصريح ولا ترخيص والمشاركة فيها، والمشاركة في اتفاق قصد مسك المخدرات والاتجار فيها ونقلها وتصديرها، ومحاولة تصديرها، والنصب ومحاولة النصب، واستغلال النفوذ من طرف شخص متوليا مركزا نيابيا، وتزوير شيكات واستعمالها”.
كما تمت متابعة الناصيري من أجل “حمل الغير على الإدلاء بتصريحات وإقرارات كاذبة عن طريق الضغط والتهديد، إخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة، وجنحة المشاركة في استيراد عملات أجنبية بدون تصريح عندما يفوق ما يعادل مبلغ 100 ألف درهم، وجنحة المشاركة في تسديد مباشر بالعملة لبضائع او خدمات داخل التراب الوطني”، ومازالت التحقيقات والمحاكمات مستمرة في هذا الملف.
وأمام هذه الوضعية، عانى نادي الوداد الرياضي منذ اعتقال سعيد الناصيري في العودة لمكانته المعهودة، حيث دخل الفريق الأحمر في أزمة رياضية وإدارية وتسييرية ومالية، قبل أن يعقد عددا من الجموع العامة خلصت لانتخاب عبد المجيد البرناكي خلفا للناصيري، قبل انتخاب رجل الأعمال والبرلماني، هشام آيت منا، كرئيس حالي للوداد الرياضي.
عزيز البدراوي وغياب الشفافية
بعد أشهر قليلة من تقديم استقالته كرئيس لنادي الرجاء الرياضي، سقط رجل الأعمال، عزيز البدراوي، في قبضة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بناءً على تحقيق معمق أجراه قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، على خلفية شكاية سابقة تقدم بها مستشارون بجماعة بوزنيقة، حيث تم إيداعه السجن على خلفية تورطه في قضية اختلاس أموال عمومية وغياب الشفافية في عقد التدبير المفوض.
ويتابع عزيز البدراوي، المستثمر المالك لإحدى شركات تدبير النظافة وجمع النفايات، بتهم ارتكاب مخالفات مالية وإدارية، حيث تم تسجيل الاختلاسات على فترتين الأولى بين عامي 2010 و2017 والثانية بعد عام 2017، ففي فترة ولاية محمد كريمين كرئيس لجماعة بوزنيقة، قام المجلس البلدي بتعديل ميزانية الإدارة المفوضة، حيث تم تخفيضها إلى 8 ملايين درهم (حوالي 800 ألف دولار) بدلا من 14 مليون درهم (1.3 مليون دولار).
واكتشف المجلس في عام 2015 أن المخصصات المعدلة تجاوزت 15 مليون درهم (1.4 مليون دولار)، لتصل إلى 20 مليون درهم (1.9 مليون دولار) في عام 2016. حيث عزى هذا التناقض إلى كريمين، الذي اتهم لاحقا بالتوقيع على وثيقة لتحويل 20 مليون درهم إلى شركة البدراوي المتخصصة في خدمات النظافة، المتعاقدة مع مجلس مدينة بوزنيقة.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات ركزت على عقد التدبير المفوض لقطاع النظافة، الذي تم منحه لشركة “أوزون” المملوكة للبدراوي، حيث تم الكشف عن مخالفات جسيمة في شروط العقد، وتضخم هائل في التكاليف، وغياب الشفافية في عملية التعاقد.
محمد بودريقة ولعنة رئاسة الرجاء
تواصلت لعنة رئاسة نادي الرجاء الرياضي باعتقال رئيسه السابق، محمد بودريقة، بمطار هامبورغ بألمانيا، شهر ماي الماضي، حيث تم عزله من منصب رئاسة النادي الأخضر ومن عضويته بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، معتقلًا على ذمة التحقيق في ألمانيا منذ أكثر من 7 أشهر، بناءً على إشعار بالبحث صادر عن الشرطة الأوروبية “أوروبول”، وذلك استجابةً لمذكرة واردة في هذا الشأن من السلطات المغربية.
وتم اعتقال بودريقة خلال رحلته من الإمارات إلى ألمانيا في بداية شهر يوليو الماضي، بطلب من المدرب الألماني زينباور، الذي اقترح على مسؤولي الفريق الأخضر اللقاء به في هامبورغ الألمانية لإتمام مفاوضات تخص الفريق، كما يواجه بودريقة حكمًا بالإدانة لمدة سنة حبسا موقوف التنفيذ صادر عن المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، على خلفية متابعته بتهمة عدم توفير مؤونة شيكات.
كما قرر حزب التجمع الوطني للأحرار إنهاء مهام محمد بودريقة كمنسق إقليمي للحزب بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، وذلك بعد أشهر من عزله من رئاسة مقاطعة مرس السلطان بسبب تغيبه غير المبرر، كما أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن شغور منصب رئيس الرجاء السابق بعد اعتقاله.
وعلى ضوء ذلك، طوى نادي الرجاء الرياضي، بشكل رسمي، صفحة محمد بودريقة، بعد انتخاب عادل هلا رئيسا جديدا للنادي لأربع سنوات قادمة.
الحيداوي وفضيحة التذاكر
بعيدا عن قطبي مدينة الدار البيضاء، أمرت النيابة العامة المغربية في يوليوز من السنة الماضية باعتقال رئيس نادي أولمبيك آسفي محمد حيداوي، وملاحقته بتهمتي “محاولة النصب وبيع تذاكر بتسعيرة مخالفة لثمنها”، ضمن تحقيقات ما يعرف بـ”فضيحة الاتجار في تذاكر مونديال قطر”، وبعد مرور شهر ، أدانت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الحيداوي، الذي يشغل أيضا منصب نائب برلماني عن “حزب التجمع الوطني للأحرار”، بسنة ونصف سجنا نافذا.
وبعد مغادرته للسجن في مارس الماضي، قضت المحكمة الابتدائية بآسفي، شهر أبريل، بالسجن 8 أشهر موقوفة التنفيذ في حق النائب البرلماني السابق المجرد من عضويته بالبرلمان، محمد الحيداوي، على خلفية تسريب تسجيل صوتي منسوب له، ورطه في تهم “استمالة أصوات الأعضاء الناخبين في المجلس الإقليمي لآسفي”.
كما أدانت المحكمة الحيداوي، إضافة إلى السجن الموقوف التنفيذ، بغرامة مالية قدرها 30 ألف درهم، وحرمانه من التصويت لمدة سنتين، مع فقدان أهلية الترشح لولايتين انتخابيتين، بعدما تم تسريب تسجيل صوتي يتحدث فيه الحيداوي، مع أحد المقربين منه، حول قيامه بجمع القيادات المحلية لحزب الحمامة، قبل يوم اقتراع رئيس ونواب المجلس الإقليمي بآسفي، والمساهمة بمبلغ 200 ألف درهم (20 مليون سنتيم) لكل واحد، من أجل استمالة أصوات الناخبين الأعضاء بالمجلس.
واعترف الحيداوي في التسجيل الصوتي بحصوله على شيكات على سبيل الضمان، من شخصين ذكرهم بالاسم مقابل، منحهم 20 مليون سنتيم، في حين تبرع بنفس المبلغ لعضو تشتغل حاليا نائبة رئيس المجلس الإقليمي لآسفي.
الفساد ينخر المنظومة الكروية المغربية
لم تكن الحالات المذكورة سلفا هي الأولى التي تتعرض للاعتقال، إذ جرى اعتقال عدد من رؤساء الأندية الأخرى في السنوات الأخيرة، أبرزهم الرئيس السابق لشباب الحسيمة محمد بوشحاتي والرئيس السابق لاتحاد الفقيه بن صالح محمد مبديع والرئيس السابق للمغرب التطواني رشيد التمسماني، وسعيد شعو، الرئيس السابق للرجاء الرياضي الحسيمي.
وانتخب البرلماني السابق سعيد شعو رئيسا لنادي الرجاء الرياضي الحسيمي، المنتمي لقسم الهواة، من الدوري المغربي في يوليوز سنة 2008، لكن سرعان ما تخلى عن رئاسة الفريق بعد متابعته بـ”الاتجار في المخدرات”، حيث أصدر القضاء المغربي مذكرة اعتقال بحقه بتهم “تكوين عصابة إجرامية والرشوة والتجارة الدولية في المخدرات”، ما دفع شعو إلى الهروب إلى هولندا حيث يستقر إلى اليوم.
من جهته، قاد وحيد رشيد التمسماني نادي المغرب التطواني خلال الفترة الممتدة بين 1990 و1994، قبل أن يفر إلى إسبانيا سنة 1995 بعد أن ورد اسمه ضمن شبكة للاتجار الدولي في المخدرات وحكم عليه غيابيا بالسجن 10 سنوات، بينما اعتقل بإسبانيا عام 2000 وسلمته السلطات الإسبانية لنظيرتها المغربية وأمضى عقوبة سجنية لكنه استفاد من عفو ملكي عام 2006، وفي غشت من سنة 2022 سلمت السلطات البلجيكية للمغرب التمسماني، لضلوعه مجددا في قضايا الاتجار الدولي بالمخدرات.
إلى ذلك، قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في أبريل من سنة 2023، إيداع محمد مبديع الوزير السابق والبرلماني عن حزب الحركة الشعبية والرئيس السابق لاتحاد الفقيه بن صالح سجن “عكاشة”، وذلك على خلفية التحقيق معه بشأن اتهامات بالفساد وتبديد أموال عمومية، حيث يتهم ومن معه بعدد من التهم من قبيل “اختلاس وتبديد أموال عامة؛ المساهمة في التزوير في محرر رسمي؛ الإرتشاء؛ استغلال النفوذ؛ استعمال محررات تجارية مزورة؛ استعمال محرر عرفي مزور؛ استعمال محررات عرفية وتجارية مزورة والمشاركة في إصدار إقرار صادر عن طبيب أثناء مزاولته مهنته بقصد المحاباة واستعماله”.
ويثير إعتقال أسماء بارزة في تسيير المنظومة الكروية المغربية والديون المتراكمة على أغلب الأندية الوطنية جدلا كبيرا يدفع إلى التساؤل حول كيفية تخليق الحياة العامة من خلال الرقابة على طرق صرف الأموال العمومية ومحاربة كل أنواع الفساد المالي والانحراف، خصوصا في مجال الدعم المالي المقدم للجمعيات الرياضية، فضلا عن إصلاح المجال الكروي المغربي قبل تنظيم مونديال 2030.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار