كتاب وآراء

من أوراق مهملة فوق الرفوف 15/21..من وحى الحي “الحومات والمداشر ..”أورارن.. بقلم ذ.محمادي راسي

بقلم ذ.محمادي راسي -جريدة البديل السياسي :

                  

        من أوراق مهملة فوق الرفوف 15/21

“”””””””””””””””””””””””””””””

     من وحى الحي “الحومات والمداشر  

     ====================

 

“أورارن

&&&&&

 

تـــــــوطئة 

             

                    “أورار “،” ثيبقيين “، “سيسو” ، “أرحني “، “أرفرح  “وغيرها مرادفات تدل على العرس ، كما تردد بعض النساء :

أمشحر أوينقر أرفرح  آذا يري// 

آزيخنت  غرك  آموراي  أعــزري .

 الزواج يقال له باللغة الأمازيغية الريفية :”رمرش “،والعرس يقال له :”أورار” وهو اسم مصدر  مفرد ، يعني   الفرح والعرس ، أما “إيرار” فهو مصدر يعني   اللعب ؛ وإرر فعل أمر بمعنى ؛العب ، و”إترار” فهو فعل مضارع  بمعنى يلعب ، و”أورار” يجمع على “أورارن ” بضم الهمزة ، فكل ما كان مضموم الأول مهموزا  يضم أيضا في الجمع ، وما كان مفتوح الأول يكسر في الجمع على سبيل المثال؛ أذرر إذرر ، أغيور إغير  ، وما كان مكسور الأول يبقى في الجمع مكسورا ؛إغزر إغزرن ، وهناك استثناءات  ؛ ك ،يس إيسان ، اسم غير مبدوء بالهمزة، ولكن في الجمع أضيفت إليه في أوله  همزة مكسورة   ، خارج عن القاعدة … كما الشأن في جميع اللغات العربية والإسبانية والفرنسية  ….ثم النظر في مكونات الجملة ؛من فعل واسم وحرف ، والكلمة الإعرابية  من مسند ،ومسند إليه ؛ويسمى كل منهما عمدة لأنه ركن الكلام ، وفضلة ،وأداة …..فأدوات الاستفهام كثيرة ولكن ،علينا أن نضبطها بالقواعد من حيث كيفية ومتى  يجب استعمالها  … ك؛من/ مفتوح الميم مكسور النون ؟،/من /مكسور الميم مسكون النون ؟/، ميرمي ؟/ ميمّي ؟/ ممش ؟/ إمامش ؟ /إمرمي ؟/أرمني ؟مشحر؟: ككم الاستفهامية عن العدد ،يمشحر ككم الخبرية بمعنى الكثرة ،والمتكلم لا يستدعي من مخاطبه جوابا  …اا  هذا ما ننتظره من المهتمين باللغة الأمازيغية الريفية أن يسارعوا إلى وضع القواعد ،فقد مرت أكثر من خمسين سنة ، ونحن ما زلنا ننتظر القواعد التي يجب الاعتماد عليها والرجوع إليها ، وأن تكون باتفاق من مجمع أهل اللغة  ، وعلينا ألا نبقى في مناقشات  لا جدوى منها ،بيزنطية سفسطائية مستغلقة  بين المعيارية والنمطية ، وبين الإقبالية والإدبارية ،والفرارية من المسؤولية  ،والهروبية من ضبط  القواعد ، والإحجامية عن وضع الميزان والمقياس  والأوزان ،ومراعاة مخارج الحروف من الناحية الصوتية ،  كأننا أصابنا الجموح والجمود ، وكأننا في وضعية بين  المد والجزر، أو وقعنا في حيص بيص ، أو اختلط  علينا الحابل بالنابل،  إن البحث العلمي ليس من قبيل اللعب  وحب الظهور ، وخالف تعرف ، والهذرمة والهرطقة …، فلابد من العلم والدقة والإحاطة والتحري والتوخي  والصبر والإلمام والبحث والمنطق والصدق والابتعاد عن العشوائية والاعتباطية والعواهنية ….كانت هذه كلمة لابد منها لأن الحديث يدور حول “أورارن “، والحديث ذو شجون ، وأمور تجر إلى أمور ، والشيء بالشيء يذكر وفق تداعي المعاني والأفكار ، وما يخطر بالبال من خواطر وأوهام وهواجس وهموم وتطلع وتطلعات واستطلاع واستطلاعات ، وإن كان حب الاستطلاع أم البلاء ..

 خير الأمور الوسط // وحب التناهي شطط .   

“أورار” قديما ؛ رمز للتآزر والتكافل والتضامن والتواصل والاطلاع على الأحوال العائلية  ؛بالحديث والسؤال  عن الوضعية الصحية والنفسية والمادية ، بغض النظر عن الفرح والاحتفال والمشاركة من طرف العائلات  والأسر، يستمر أكثر من المهرجان حسب ظروف العائلة ، قد يستغرق اثني عشر يوما في البوادي و”المداشر”  ابتداء من يوم الأربعاء إلى يوم الأحد  من الأسبوع الثاني ، تشارك الفتيات بالغناء والرقص ومدح العريس والعروس ب “رغنوج ” و “إزران ” جالسات أو واقفات ، في جو منسجم يسوده الفرح والتأمل وتذكر الأحباب الظاعنين إلى دار البقاء ، والتغني بالعروس والعريس وبالأمجاد والنسب ،كأنك في سوق عكاظ ، الكل يشارك؛ الرجال النساء الشباب الشيوخ الأطفال ، وفي يوم الجمعة تنجز عملية تهيئة الحناء “أربي أنونتن” والسبت والأحد يومان خاصان  للفرح  والغناء  والأكل ، يقدم الأكل  يوم السبت عشاء  ،وفي يوم الأحد يخصص الغداء للمدعوين ،والعشاء يخصص لأهل العروس ، ثم  “أمندير” يأتي به أهل العروس إلى أهل العريس  في يوم  الثلاثاء ؛اللحم  والفواكه والحلواء و…،وفي يوم الخميس ؛الدجاج  والبيض والفطائر “أتريذ ” والفواكه و..، والعريس يقدم هدايا عبارة عن أقمصة وأعبئة وجلابيب  وأحذية إلى أهل العروس، كعربون عن المحبة والمودة والمصاهرة  …وفي يوم  الأحد تختم الأفراح تتجلى في قيام أهل العريس بزيارة أهل العروس ــ “ثرزفت “ـــ مصحوبة بالهدايا ،  أو ما يسمي ب “أورذي ” ،وبعد شهر أو أكثر  يقوم أهل العروس بإهداء “أمندير أنتهيضار” إلى العريس ،وهناك عادات وتقاليد عديدة ،يصعب تعدادها بالتدقيق والتفصيل، لأننا لا نعرفها ، ربما قد اندثرت  بسبب الإهمال ،واختلاف ثقافة الأجيال ، والتأثر بعادات أخرى ، كما نلاحظ اليوم ؛تراجع وغياب بعض العادات التي لا تنجز في “أورارن”،  ففي هذه الحالة يجب استفسار النساء المعمرات اللواتي لهن معرفة واسعة في مجالات الأعراس والعادات والتقاليد، وكذلك استفسار الرجال الكبار الذين لهم أيضا خبرة في ميدان تنظيم “أورران “. 

“أورار” حاليا؛ خرج عن عاداته  وتقاليده ،وفي كيفية تنظيمه  مكانيا وزمانيا  ، وفي طريقة إخراج “رعظاريث ” ، وفي إعداد الحناء ، وفي الذي سيأتي بالعروس ، والشروط والعادات المعهودة في طريقة دخول العروس إلى بيت العريس ، وشروط ولوازم إجلاس العريس أثناء قدوم العروس …..  الفتيات والنساء أثناء قدوم العروس يرددن :

آيثسرثنغ   آيقات   آيقات //// 

آياماس   أموراي   آيس   رفنر أرقات .

آيثسرثنغ   خو قربوس    ثنعثار //

نوشتد   نوشتد   رنرباح   رنخسار .

إسوضد  أصمّيض    إجرح  ثرمّانت //

آيمورينغ   سوضث   أرثغنّانت .

أشهر آيورينو   شهّر خمس  يذسن //

آيمورينغ     آمو يور جرسن .  

لا يتوفر وصف.لا يتوفر وصف.لا يتوفر وصف.

 

 

وعند وصول المرافقين والمرافقات للعروس قصد زفها إلى العريس،  تردد المرافقات وهن واقفات ؛ أهازيج ممزوجة بالزغاريد ووقع الدفوف :

أتاسع  أربراني ،أتاسع  واجب  أغيرين //

نشن  قنوسد ،  أنيرار  ذرمرح  ذرعوين .

أرخوخ   ذر مّان ،  أمشابّاشن  إزوران //

أمدّن  إصبحن  ، إنك  ذذوران 

آيمورينغ ، ثيسونتاوين  ،أنمرف ///

أشيهذا  أربي، أذانغ  ثجذ ،أنذف ،

     مضامين الأبيات  تنص على فسح الطريق لتدخل العروس ،وترك المجال للفتيات ليرددن  الأغاني في الباحة والهواء الطلق العليل ، فالمصاهرة أصبحت متينة  متشبكة كتشبك جذور الخوخ والرمان ، ثم مدح العريس  مع السماح لأهل العروس  بالدخول إلى الدار، فالأبيات   قافيتها النون والفاء وكلها مصرعة  ،وأحيانا فيها قافية داخلية  مع صور شعرية جميلة مستقاة من الواقع والطبيعة ، وتزداد جمالا أثناء الغناء ، إنها أبيات مطبوعة لا نعرف ناظمها وصلت إلينا عن طريق الرواية والحفظ ، ثم عن طريق الغناء كلما حلت الأعراس ،إنها  تحتاج إلى التدوين لأنها تتعرض للضياع والنسيان والحذف والزيادة والنحل … 

               أورار” رمز التعاون والمساعدة والدعم ماديا ، ” ب “رغرامث” لتغطية مصاريف وتكاليف العرس ، ويقوم جيران “الحومة والمدشر” بإحضار الموائد والأواني والصحون والكؤوس والملاعق  والمآكيل والأفرشة والأحصرة والأباريق والمئكلات والمناديل والطسوت ، لسد الحاجيات الخاصة ب “أورار”، كما يقوم الشباب بنصب المضارب ،”عيشو”  والقيام بتقديم الأطعمة إلى الضيوف المدعوين ، وتهتم الفتيات  بشؤون النساء وبما يخص مستلزمات العروس ،  في هذه الأشغال مشاركة إيجابية قوية ، وحركة فعالة من طرف الجميع ، نشاط وحماس وحيوية ؛كأنهم في مهرجان أوفي  أسبوع ثقافي ، وجميعهم يشعرون أنهم جزء من “أورار” وليسوا بغرباء ودخلاء  عنه .

                   “أورار” كان رمزا  للمشاركة  في الحفل  ب”الشظيح “= “آذور ” ، صف من  النساء في جهة ،وصف من الرجال في جهة أخرى ، والفتيات يرددن “إزران “وهن جالسات أو واقفات ……تعبيرا عن الفرحة التي تعم الأسر والجيران ،  ورمزا للمساهمة المادية والهدايا  “أورذي ” من سكر وعجال وأكباش وغيرها من مستلزمات العرس ، أصبح “أورار” اليوم رمزا للتبجح والبذخ والإسراف والتبذير ، في إحضار مختلف الأطعمة والأشربة بطريقة فيها مبالغة ، تكلف الملايين من السنتيمات إن لم أقل ملايير .. تصرف في يوم واحد ، بالاعتماد على تنظيم الحفلات بطريقة ؛”أتريتور”، وفي بعض الأحيان تنظم الأعراس باقتراب الانتخابات … وبعض الأسر الفقيرة تريد أن تنظم الأعراس بهذه الطريقة المكلفة، وأحيانا تلجأ إلى الاقتراض ، ولا تريد “رغرامث”،التي هي رمز للتعاون والمساعدة والتي كانت هي السائدة والتقليد  والعادة في جميع “أورارن “……لأنها لا ترضى بالمساعدة ..؟؟،وتريد التقليد الأعمى الذي يؤدي إلى التهلكة والإملاق … فتتعرض لأزمة مالية خانقة  بسب الدين ..”.أورار” في العهد القديم يستغرق اثني عشر يوما  حسب الظروف العائلية ،  بتكلفة قليلة ، واليوم يستغرق يوما واحدا وبتكلفة باهظة ، يمكن بها إنشاء مصنع / مكتبة عامة / ملعب واسع / مسجد / مدرسة /  مستشفى / ..وكل ما فيه خير ومنفعة … إنه من الصعب جدا ومن العجب العجاب أن ينفق الإنسان  الملايين في يوم واحد ، إن الأموال جمعها  صعب يتطلب سنوات ، ولكن إنفاقها بغير تبصر وحكمة وحكامة  ورشد وترشيد ؛يتطلب دقائق أو ساعة أو يوما واحدا  …لذلك قيل الاقتصاد نصف المعيشة  ، والدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود ، وخير الأمور أواسطها ،وما أسعدك في داريك ، وأحمدها مغبة ، وخير أهلك من كفاك ،ولا خير في أرب القاك في لهب ، ولا خير في السرف ،ولا سرف في الخير ،الاقتصاد صفة محمودة ، التقتير والشح والبخل وعدم الإنفاق على العائلة … صفات  مذمومة .   

                إن “أورار” عنوان المقاربة وربط العلاقات العائلية بالنسب والمصاهرة  ، والتواصل والسؤال عن الحالة الصحية والنفسية والمادية ،وتمتين أواصر القرابة والدم ، والحياة الزوجية يقوم عليها بناء العائلة والأسرة وتكوين المجتمع ، والرابطة الزوجية هي رحمة ومودة واحترام وتعاون وتشاور ،وفي أحاديث نبوية  إشارات قوية  إلى قيمة الحياة الزوجية ” ، وفي الأثر أن رسول الله صلوات الله عليه قال ؛”لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ” وعن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله “صلعم ” :”خيركم ،خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ، ما أكرم النساء إلا كريم ،ولا أهانهن إلا لئيم “،  وعن ثوبان رضي الله عنه قال :قال رسول الله “صلعم “: ” أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة “.

                              ف “أورار” لا بد من التشهير به ،والإعلان عنه لحكم كثيرة ؛نفسية للقضاء على الرتوب والملل ، بالفرح والسرور عن طريق المشاركة بالغناء، وترديد الأهازيج الشعبية والزغاريد ، ولتثبيت عزوبة العروس ، “أعلنوا نكاحكم واخفوا حجكم ” .وفي حديث أورده الترمذي والبيهقي .وابن ماجة “أعلنوا النكاح واجعلوه  في المساجد واضربوا عليه بالدفوف “، وفي روايات أخرى “أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف ،وليولم أحدكم ولو بشاة ….”.وأحاديث أخرى “أسروا الخطبة وأعلنوا النكاح ” و”أظهروا النكاح واخفوا الخطبة ” وغيرها من الأحاديث وبروايات مختلفة …وأهل الحديث والفقه والشريعة أدرى بهذه الأمور،وأهل مكة أدرى بشعابها  …

اليوم غابت هذه التقاليد والعادات والأعراف التي هي من روابط الأمم والشعوب ،وهي من الثقافة الشعبية التي سبقت الثقافة العامة والخاصة ، ومن التراث الإنساني والذاكرة الشعبية …الزواج هو النواة  الأولى لتكوين الأسرة ، والإسلام اهتم به اهتماما شديدا، وحتى الأديان السماوية أجمعت على أهميته  وقدسيته وعظمته ، وقد سماه الإسلام بالميثاق الغليظ ، ونهى الدين الإسلامي عن الإعراض عن الزواج ،لأنه يفضي إلى هلاك النوع البشري ،ويدعو إلى الانحلال والإباحية والفساد الخلقي والاجتماعي ، كما أن الطلاق سلوك الفاشلين ،وقوله “صلعم “: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق “، وقوله :”تزوجوا ولا تطلقوا ،فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمان “.

                   إن ما نراه من المتشردين والمتسكعين في الشوارع والأحياء ناتج عن تفكك الأسر بسبب الطلاق ، علاوة على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وسوء التربية ؛ كلام ساقط تمجه الأسماع ، مشاهد تشمئز منها النفوس ، لا تقبلها العقول ،ولا تقبل رؤيتها العيون ،  ولا ترضى بها الضمائر الحية ، مشاهد فيها خلل اجتماعي ، وسلوك مشين أنى اتجهت ،  أفل فيها الفعل الخيري  ، بانعدام مؤسسات لإعادة التربية ، وحماية العاجزين والمعوزين …مناظر تشوه القرى والمدن والأحياء و”الحومات والمداشر”،بسبب الإقبال على السموم الفتاكة  من طرف الأطفال وهم في سن الدراسة ، فالزوجان  بعد “أورار” دورهما تربية أطفالهما تربية حسنة ، بالرعاية والمراقبة والتوجيه في كيفية  صرف الوقت الثالث،و ليس الهدف من “أورار” اللعب والفرح والمرح ثم بعده الطلاق ، وتبذير الأموال في التفاهات والحماقات ، كما يحدث لبعض الأسر المتهورة التي تريد حياة الترف والمتعة والنجومية والأبهة  ،فكما قال ابن حزم “الحب ـــ أعزك الله  ـــ أوله هزل وآخره جد”، وقال أيضا :”والحب ــ أعزك الله ــ داء عياء ،وفيه الدواء منه على قدر المعاملة ، مقام مستلذ ، وعلة مشتهاة ، لا يود سليمها البرء ،ولا يتمنى عليلها الإفاقة …..”،   فالحياة مليئة بالمستجدات والمفاجآت والأحزان والمسرات والعراقيل والمشاكل .

            خاتمــــــــــــــة واستنتـــــــــــاج    

                             “أورارن “في القرن الماضي إلى أواخر السبعينيات في القرى و”المداشر والحومات “،كانت تحتفظ على عاداتها وتقاليدها وأعرافها وطقوسها وطريقة تدبيرها وتسييرها ، زمنيا ومكانيا واقتصاديا من حيث تكاليفها  ومستلزماتها ، ولا بد من الحسابات والتخمينات والتقديرات ، ومراعاة شروط المهر، كانت الأسر تتواصل قبل “أورارن” بأسابيع للتشاور في  طريقة الإنجاز والتحضير ،والفتيات يبادرن بالغناء للتعبير عن الفرح والتشهير باقتراب موعد “أورار” ،  وفي نفس الوقت يتم  تجديد العلاقات وصلة الرحم ، والتآزر والتزاور والتضامن والتكافل والتواصل ،وتحديد يوم إجراء العرس .  

ولكن ؛بدأت “أورارن ” تفقد ذاتيتها وهيبتها بدخول موضات جديدة دخيلة مستحدثة ، تدعي التقدم والتحضر والرقي والذكاء ، وثقافة الحداثة والتحديث والعصرنة ،فظهر التبجح والافتخار بالأموال والاكتفاء واليسار والغنى ، وكما يقول المثل الإسباني :”بالمال يرقص الكلب ” ،وأيضا :” مال الراهب يأتي بالغناء في الكنيسة ، ويذهب في الغناء في الخمارة “،  وظهور “التريتور” ، والجوق ، والقاعات الخاصة بالحفلات ، فغابت التقاليد والعادات  والتواصل والتكافل ،فأصبحت اليوم “أورارن ” عبارة عن فيلم أو مسرحية أو معرض للأزياء والأكلات ، وعند الانتهاء من الأكل، وبعد انتظار طويل في الخيمة …؟؟ااا ، كل واحد يذهب إلى حال سبيله ، دون أن يرى عائلته ، ويسأل عن أحوالها النفسية والصحية والمادية ،ولا يتعرف على  عدد أفرادها ، الهدف اليوم من” أورارن” ؛هو حب الظهور والافتخار والتباهي وإثبات الذات والعجرفة ، ليقال إن فلانا بن فلان بن علان بن زعنان ؛ يملك أموالا كثيرة ، ثم يشرع في الترفع عن أهله بغض النظر عنهم ،ويتهرب منهم ،ويزداد أكثر إذا كانوا فقراء بسطاء ، كأنه ولد غنيا وفي فمه ملعقة من ذهب . 

إن “أورارن “يجب أن تنجز بأموال الحلال مع مراعاة الحالة المادية  للعائلة ، والزواج فطرة وجبلة وفق الغريزة الجنسية ، ووفق غريزة حب البقاء ،ومقدس وحلال ،ورزق طيب من خلال النسل ، فيه نظام واحترام وصحة ،لولاه لتساوى الإنسان بالحيوان ، في إرضاء شهواته عن طريق الشغب والفوضى والمشاغبة ،والمشايعة الجنسية التي هي تشجيع على  الفساد والإباحية والانحلال ،هذه الصفات عبارة عن جرائم اجتماعية تؤدي إلى أمراض لا علاج لها كالسيدا وغيرها …، قول رسول الله صلعم :”يا معشر الشباب :من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر ، وأحفظ للفرج “، ولكن “أورارن” في وقتنا هذا تكلف الملايين ، فلابد من خفض المهر، وألا تكون الفتاة غالية المهرــ كالمهيرة ــ فالمهر أو الصداق  هو رمز للارتباط والميثاق ،وهو مال تنتفع به العروس شرعا ، وتنفقه معجلا أو مؤجلا ، و”أورار” الذي لا يشتمل على “سيسو” الذي هو مرادف له ، لا قيمة له، فهو كعقد بلا واسطة ،  أو صدقة بدون حضور فقيه ،ليتلو آيات بينات من الذكر الحكيم ، ويتضرع إلى الله العلي القدير؛ طالبا الرحمة والمغفرة للقائمين  بالصدقة … و”سيسو” يقدم بوصفات عديدة ،ووجبات لذيذة؛ باللبن والحليب واللحم والدجاج واللفت والحمص والجزر والجلبان واليقطين والقنبيط والزبيب والعسل والسمن والسكر والتمر والبيض واللوز والجوز وو ….، أكلة أصيلة عتيقة سارية المفعول ،محبوبة حتى عند الأجانب ، جامعة مانعة  لذيذة ، متنوعة المذاق والطعم والذوق ، فيها بركة وخير وصدقة ،اقتصادية كلفتها غير مكلفة ، أكلة الأغنياء والفقراء، ـــ كالسردين ــأصبحت أكلة عالمية خير من بعض الأكلات الذاهبة طراوتها بمكوثها كثيرا في الثلاجات والمجمدات .

                  علينا أن نتواضع في كل شيء في مشيتنا ولباسنا وأصواتنا وكلامنا وأفراحنا ومآكلنا وجلوسنا …والرجوع إلى الأصل أصل ، ومن جاء على أصله فلا سؤال عليه  ،والشريعة تحثنا على التواضع ، ورفع الله عبدا أو امرأ  عرف قدره وجالس دونه ، ومن تواضع لله رفعه ،  وننهج التوسط في المعيشة ،والاقتصاد في النفقة بدون  بخل وشح ،  والنظر إلى ما سيأتي مستقبلا قد يكون خيرا أو شرا ،لأننا لا علم لنا بالغيب ، أن نكون متواضعين في “أورارن “غير مدعين الغنى واليسر واليسار والافتخار والتفجس   ،  فكم من غني صار فقيرا ،والعكس صحيح ، والزمان ليس فيه أمان، والأنهار لا تبقى دائمة  الجريان …

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار