من أوراق مهملة فوق الرفوف من وحي الحي “الحومة “3 / 21… بقلم ذ.محمادي راسي
بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :
من أوراق مهملة فوق الرفوف
من وحي الحي "الحومة "3 / 21
&&&&&&&&&&&
غاب البغل الفطن، كما غاب البغلان العاشقان المتجولان في الحديقة طولا وعرضا ، ذهابا وإيابا ،ربما قرأ البغل القارئ ثانية الحلقة الثانية، فقام بإخبار البغلين فورا ، قبل أن يصل وقت السحور ،أو غادرت البغال جميعا إلى حديقة أخرى ،أو أربابها ربطوها كي لا تخرج للتنزه في الريضة ، لأنها تبغبغ ما غرس فيها ـــ أصبحت يابسة عبارة عن أرض موات ـــ تسقي جذور الأشجار ببولها ، وتسمدها بسرجينها وروثها ،نيابة عن المكلفين بالحديقة ، أو أن الأرباب تعرضوا للغرامة والتأديب ،لما تتلفه وتأكله البغال من نجم وعشب …ااا.
البغال الثلاثة احتجت بسبب حرمانها من الحديقة التي لم تعد صالحة ،لذهاب اخضرارها ونضارتها ، فهي مربضها ومربطها وحظيرتها ومكان للعشق والاستراحة ،وتتساءل ؛ لماذا الأغنام ترعى فيها العشب وما لغن من النبات نهارا ..؟؟، أمام الأنظار والقائمين بأمور الحديقة …
الكلاب الضالة تتهارش وتتعاظل في الحديقة ليل نهار، والجالسون فوق الكراسي يقتلونها دوما بالدوس خلال المتعاقبين ، باللعب والدردشة وتناول الشيشة ، والمتسكعون يتخذونها فندقا ونزلا، ينامون تحت أفنان الدفلى ، لا ينبهون ولا يغرمون ، حجج كثيرة أدلت بها البغال الثلاثة ،مما أدى إلى انتصارها واستمرارها ، بسبب ضعف القائمين بشؤون الحديقة ،والغياب والإهمال… .،وأنا أكتب هذه السطور مر قطيع من الغنم بالحديقة كما العادة يرعى بهدوء ، فالبغال لها الحق أيضا في أن تفعل ما تريد في هذه الحديقة المهملة ، إنها فعلا مهملة …
في "الحومة "حديقة شاسعة بها ثلاث آبار وهي حرى وعطشى ،رماها الله بالحرة تحت القرة ،وبها أيضا ثلاث فساقيّ جافة ، طوال الشهور والسنين ، إن سقي الحديقة وغسل الشوارع ،يكفي كما قلت في مقالات سابقة؛ شاحنة ذات صهريج ،وأنبوب ،ومساعد السائق ،و"الغازوال"، لجلب الماء من الآبار المتواجدة بالحديقة ، وإن تعذر الأمر فمن البحر، ذلكم أضعف الإيمان ….وهي طريقة اقتصادية لأن النظافة كلفتها مكلفة وتستدعي المواظبة والاستمرارية ……هذه الحديقة المتواجدة في قلب "الحومة "، لا تشتمل على مراحيض ،فمن العار أن يتغوط ويبول البعض في الهواء الطلق أمام الناس المارين والجالسين …، كل ما لا يجوز جائز ، وكل ما هو حرام حلال في هذه الحومة التي هي جزء من المدينة ، الجاهل هو العالم ،والرويبضة هو الجهبذ والنطّيس …تناقضات ومفارقات والسلطات غافلة نائمة لاهية غائبة عما يروج في هذه "الحومة "وباقي" الحومات."…
هكذا تمر الأيام في هذه "الحومة "بدون جدوى وتذهب سدى ، بين القمار والربغ واللغط ، والدردشة الشاردة السريالية الدونكيخوطية ،و"الشيشة " المهلكة للجسوم ،و"القرقوبي " المفضي إلى "التشرميل " والسجن ، والمتسبب في السلوك العدواني ، ثم الانتقال من مقهى إلى مقهى ، مع الجلوس والمكوث والتلبث …والنظر والانتظار… وتتبع عورات الناس والجيران ….. مقهى بجوار مقهى ،مطعم بجوار مطعم ،….صياح وفوضى وسيبة فوق الأرصفة وفي عقر الحديقة ……أطفال صغار يجلسون في المقاهي… لغياب الملاعب في الحديقة قصد اللعب فيها بطريقة تربوية منتظمة ، وانعدام المكتبات الخاصة بهم قصد القراءة ، فالقراءة هي التاريخ والحضارة والتواصل والمعرفة والتقدم والازدهار والوعي والثقافة ، ملالة يوسف زاي؛ الطفلة الباكستانية أصغر جائزة نوبل للسلام قالت بهذا المعنى :"طفل وأستاذ وقلم وكتاب بهم يمكن تغيير العالم "،دعت إلى التعلم والقراءة ،أطفالنا يضيعون معظم أوقاتهم في اللعب غير المجدي ، والتسكع في شوارع "الحومة "بدون هدف …
في هذه "الحومة "لوحات يصعب فهمها وقراءتها ووصفها ورسمها ،فاللوحات الأرضية بعضها معقدة مريضة نفسيا ،وأخرى مضطربة عقليا من جراء السموم المروجة ، وأخرى مليئة بالألغاز لا يمكن فكها كالحروف الهيروغليفية ، وأخرى جدارية فيها قنافذ ومناجذ وخفافيش ووطاويط ،تبدو تارة من النوافذ وتارة تتخفر ، كأنها تلعب الغميضة ، وتارة تنط وتقفز وتزقزق ، وتارة تدور كأنها لسعتها أم ساهرة … تنظر وهي في مكان حالق إلى اليرابيع والكلاب والجعلان في الحديقة ، وتنظر إلى السطوح والأفنية والشرفات …..لوحات سيئة قبيحة، طغت وبزت اللوحات الجميلة الطيبة الملهمة ،لا يستطيع بيلاسكيس و ديلاكروى وميرو وموريو ودالي وبيكاسو وغيرهم رسمها بالريشة ، ولا يقدر فيكتور هيكو و يوسف إدريس و يوسف السباعي والعقاد المشهور بوصف الموضوعات اليومية وغيرهم وصفها بالقلم .
إنها "حومة " في ضيعة ضائعة مستهلكة مقلدة ، ذات شخصية ضعيفة ، لا رأي لها ،لا تعرف إلا" اشظيح وارديح والتنفيح " والهرج والمرج ، لا تبدع ولا تنتج ، إنها تجتر سلوكات وخيمة ، لا تستطيع الجهر، ولا الاحتجاج ،ولا تغيير المنكر ،لأن في كرشها عجينة ، إنها "حومة "بلا قلب ،ولا وجدان ،ولا وعي ،ولا حس مشترك، عقلها فارغ ،وقلبها مجوف منعدم الحياء والإيمان ، والرأفة والحنان ، طابعها التصنع والتكلف والتبجح ، وغيرها من الصفات السلبية ،التي لا تقودنا إلى ما فيه خير "للحومة " والمدينة.
هذه "الحومة " غاب رجالها الأشاوس الجسر الأبرار الأحرار ، لذا أصبحت ساحتها خالية ،فكثر قليلو الأدب والحياء ،يبيضون ويصفرون ،فانحلت أخلاقها ، وذهبت شخصيتها وعزتها وهيبتها وكرامتها ، مشاهد مخجلة أنى اتجهت وجلست ….. المار بالشارع يرى العزاب في منازل يطلون من النوافذ وهم عراة أمام الجيران ، إنه سلوك تحرشي استفزازي حيواني همجي ، لا يمت بصلة بالأخلاق النبيلة والمعاملة الإنسانية ،ولا يراعي مراعاة حق الجار والجوار ، إن الذي يؤذي جاره جزاؤه سقر ، "وما أدراك ما سقر،لا تبقي ولا تذر"، والبعض من الذين يقدمون على هذا السلوك الذي لا أدري ما هو جزاؤه قانونا ؛ يتناقض مع مهمتهم المنوطة بهم ، عليهم أن يرجعوا إلى الدراسة من جديد، ليدرسوا في مدرسة علوم التربية ، لأجل إعادة التكوين ، قبل الولوج إلى الوظيفة ….،انتهى زمن السيبة و"الفننطزية " والعجرفة والهبنقة "واهبل أتعيش" ، وأنا ربكم الأعلى ، إننا في القرن الواحد والعشرين ، وفي زمن دستور جديد، والمواطن اليوم ليس بمغفل وغر وجاهل ،كما يظن هؤلاء السفهاء في هذه المدينة التي يرونها جاهلة ومدينة التهريب فقط ووو…..؟؟اا ، بل عليهم أن يرحلوا قبل أن يفضحوا كما رحل واندثر السبتان/ و /التنبالة / و/ صاحب التبان/ و/صاحب مرتكب الفحشاء في عاشوراء / و زوزو المفؤود الوافد الجديد،/ وغيرهم من السفهاء الذين كانوا يدعون العظمة ،ويفتخرون بالسلطة والقيادة والزعامة والريادة والمال والجاه ….فالكلب كلب ولو طوقته ذهبا .. والقرد سيبقى قردا وإن لبس الحرير والإستبرق والدمقس ..،.وليس هذا بعشك فادرجي …علينا معشر الكتاب أن نكسر الأقلام ،إذا لم تقم بدورها النبيل النزيه ، والتطهير من شر الطغاة والباغين والظالمين والمتجبرين والمتكبرين والمفشغين والمفجسين ، وهلم جرا وسفاهة وظلما وعدوانا وعيثا وفسادا وطيشا …أطيش من فراشة …ورب طلب جر إلى حرب …" والشر أخبث ما أوعيت من زاد …" الشطر الثاني من بيت طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المظلوم ،وأوله ؛
الخير أبقى وإن طال الزمان به // والشر أخبث ما أوعيت من زاد . وفيه روايات ؛ الخير يبقى / والخير خير / .
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار