البديل الوطني

“مافيا العقار” تهدد هوية دمنات.. مطالب بتدخل عاجل لإنقاذ ما تبقى من تاريخ المدينة

جريدة البديل السياسي

في مدينة دمنات التاريخية التابعة لإقليم أزيلال، يتجسد مشهد من مشاهد الفساد والجشع الذي يهدد مستقبل هذه الحاضرة العريقة، التي تحمل في طياتها مئات السنين من التاريخ والثقافة.

ويرى العديد من أبنائها أنها ضحية لجشع ما يعرف في الأوساط المحلية بـ”مافيا العقار” التي تضم منتخبين وسماسرة وتجار وموظفين، والتي أتت خلال السنوات الأخيرة على الأخضر واليابس دون اكتراثٍ للقيم التاريخية أو الاجتماعية للمدينة.
ويقول متتبعون إن هذه العصابات استغلت لفترات طويلة ثغرات قانونية وتواطؤ بعض المسؤولين لتحقيق مكاسب مالية على حساب التدمير الممنهج للبنية التحتية والهوية العمرانية للمدينة.

لكن ما يثير القلق أكثر هو محاولاتها استغلال سذاجة البعض، خاصة أولئك الذين يعملون في قطاع البناء، من خلال تصوير ممارساتها الإجرامية على أنها “فرص استثمارية” أو “حلول للأزمة العقارية” في المدينة، وفقا لتصريحات مواطنين لجريدة “العمق”.
وبينما يواجه السوق العقاري في دمنات ركودا اقتصاديا واضحا، يقول متتبعون إن العصابات تروج بأن الأسباب وراء هذا الركود هي جهود السكان المحليين والحقوقيين الذين يناضلون ضدها ويطالبون بحماية حقوق المواطنين وجمالية المدينة أيضا. وهم بذلك يحاولون إقناع العمال المحليين بأن محاربة مافيا العقار تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وبالتالي يُشجعونهم على الانخراط في عمليات البناء غير المشروعة أو المشاركة في مشاريع عقارية مخالفة للقوانين.

ويرى متتبعون للشأن المحلي في المدينة أن أسلوب “المافيا” يعتمد على تضليل فئات اجتماعية ضعيفة، ويضعهم في موقف صعب بين الوقوف ضد الفساد العقاري وبين الحاجة الماسة للعمل وكسب قوت يومهم. وبذلك تتحول فئة من السكان إلى أدوات في يد هذه العصابات، مما يعمق المشكلة ويمهد الطريق لمزيد من الانتهاكات على الأرض.
وفي هذا السياق، يقترح حقوقيون عدم وضع الجميع في سلة واحدة، إذ إنه من المهم أن تدرك السلطات أن الحلول لا تكمن فقط في محاربة مافيا العقار، بل في وضع حلول عملية لتشجيع المواطنين الذين يملكون أراضي لكنهم يواجهون صعوبة في الحصول على الأوراق القانونية اللازمة للبناء لتجاوز هذا المشكل اذي أملته الظروف التاريخية للمدينة وبعض ممارسات المافيا أيضا في وقت من الأوقات.

وفي السياق ذاته، أكّد الفاعل الحقوقي في صفوف الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أيوب الحجاجي، أن مدينة دمنات تواجه أزمة حقيقية بسبب أنشطة مافيا العقار التي تعمل على استنزاف موارد المدينة وتدمير هويتها التاريخية والثقافية.
ودعا الحجاجي السلطات المحلية والإقليمية إلى التدخل الفوري والفعال لوضع حد لهذه التجاوزات، من خلال محاسبة المتورطين وتعزيز الرقابة على الأنشطة العقارية.

كما طالب بتوفير حلول عملية للمواطنين الذين يواجهون صعوبات قانونية تتعلق بأراضيهم، لضمان تحقيق العدالة وحماية الحقوق مع الحفاظ على جمالية المدينة وطابعها العمراني.

وختم الحجاجي تصريحه بالتأكيد على ضرورة استكمال المبادرات التي انطلقت سابقاً لمحاربة هذه الظاهرة، مشدداً على أن مدينة دمنات تستحق مستقبلاً أفضل يتماشى مع قيمها التاريخية وطموحات سكانها.”

ويشير أحد المواطنين في تصريح لجريدة “العمق” أنه يمتلك بقعة أرضية لكنه اشتراها بعقد موثق لدى محام بالمدينة لكنها وثيقة لا تتيح له إمكانية الحصول على الوثائق اللازمة قصد تشييد منزل لأبنائه، وأوضح أن الكثير من المواطنين يعانون من المشكل ذاته وبالتالي يجب على السلطات أن تجد حلا لهذه المعضلة وعدم معاقبتهم بسبب ممارسات مافيا العقار التي يعرفها الجميع في دمنات بما في ذلك السلطات المحلية.

وفي المقابل، أقر المواطن الذي رفض الكشف عن هويته، أن المافيا تسببت في كثير من المشاكل لهذه المدينة “الجميلة”، موجها نداء لعامل الإقليم الجديد بضرورة العمل على التمييز بين المافيا التي تعمل بأساليب خارج القانون حيث تتهرب من تجهيز أراضيها وبيعها بالطرق القانونية، مكتفية في وقت سابق بشهادات إدارية تعفيها من الإجراءات التي تحافظ على جمالية المدينة وتضخ أموالا في ميزانية الدولة وتوفر فرص شغل حقيقية.

وخلص المتحدث إلى أن ما يحدث في دمنات اليوم هو نتيجة لتراكم سنوات من الفساد والتهاون في تطبيق القوانين. لكن هذا لا يعني أن المدينة لا تملك فرصا للانبعاث من جديد. يمكن للمدينة أن تجد طريقها نحو المستقبل إذا تم اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة مافيا العقار، وفي نفس الوقت، توفير حلول حقيقية للمواطنين الذين يواجهون مشاكل قانونية تتعلق بأراضيهم.

ويأمل الدمناتيون أن يواصل العامل الجديد حسن بنخيي المعين حديثا بإقليم ازيلال ما بدأه العامل الأسبق محمد عطفاوي الذي تولى خلال تحماه المسؤولية بالإقليم زمام المبادرة لمكافحة هذه العصابات، إذ عمل على تعزيز الرقابة على العقارات، بل قام بإعفاء أحد رجال السلطة بسبب الملف ذاته، مما أعاد الثقة نسبيا إلى الساكنة.

ودعا مواطنون ضمن تصريحات لجريدة العمق العامل الجديد لإنقاذ هذه المدينة من هذه “العصابة” وفتح تحقيق في الكثير من “الاختلالات” التي وقعت في دمنات بسبب ممارساتها “غير القانونية” والتي تعرفها السلطات المحلية وأعوانها وكل الأجهزة الموجودة في المدينة، وفق تعابيرهم.

 

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار