لقاء وإهداء وتوقيع … بقلم الأستاذ خالد بوزيان موساوي
جريدة البديل السياسي
لقاء وإهداء وتوقيع
مساء اليوم كان لي لقاء مع المبدع القاص والشاعر والاعلامي المغربي المتميز صديقي العزيز الأستاذ عبد القادر بوراص
والمناسبة صدور مجموعته القصصية “عبرة وعبرة” اصدار 2025 التي اهداني اياها مشكورا مع التوقيع ..
وكان لي الشرف ان يتصدر هذه المجموعة القصصية تقديمي على شكل دراسة أدبية نقدية تطبيقية
و يسعدني ان اشارككم صديقاتي اصدقائي هذا التقديم
خالد بوزيان موساوي: كاتب وناقد مغربي
تقديم المجموعة القصصية:
هذا الكتاب مجوعة قصصية أخرى للقاص المغربي عبد القادر بوراص. حجم متوسط يحتوي على 20 قصة قصيرة. للعنوان الرئيس “عِبرة وعَبرة” أكثر من دلالة؛ جملة إسمية تتكون بمفردتين يجمعهما صدى صوتي وبصري يحيل بلاغيا على الجناس غير التام، ودلاليا على الدروس والعبر الناتجة عن مواقف درامية مستوحاة من رحم الواقع المعيش. لا تطرح نصوص المجموعة إشكالية التجنيس لكون القاص عبد القادر بوراص تمكن من صياغتها ببراعة وبفنية عالية من حيث أسلوبه الشيق في الكتابة (معجما وتركيبا وبلاغة)، ومن حيث احترام بعض القواعد المتوافق عليها بخصوص هذا الجنس الأدبي النبيل: البطل/ المحوري وإن كان عبر ربوع المجموعة ذكرا أو أنثى مفعولا به أكثر مما هو فاعل؛ ومحدودية الفضاء القصصي زمكانيا رغم بعض الامتدادات التي تعلق في مخيلة القارئ؛ ووحدة القضية الاجتماعية مع ما تقتضيه من تشعبات مفترضة مثيرة للنقاش؛ وخضوع البنيات للخطاطات السردية الدرامية المتداولة على شاكلة هرم فريتاغ؛ وعنصر التكثيف الذي لا تقوم للقصة القصيرة بدونه قائمة.
سيكتشف قارئ هذه المجموعة توجهين أدبيين يصطدمان في تنافر وتكامل في ذات الآن: التوجه العجائبي/ الغرائبي والتوجه الوافعي؛ هي إشكالية السرد القصصي بين غرابة المُتَخَيَّل و وقاحة الواقع
1 ـ المنحى العجائبي الغرائبي في المجموعة:
يسرح خيال الكاتب بعيدا في أكثر من قصة بهدف التشويق عبر سلطة الرمز والمجاز باستدعاء أبطال من الزمن الماضي تارة من التاريخ (ابن بطوطة، وعنترة بن شداد، وهتلر) وتارة من عالم الأسطورة (عروس البحر) ومن الخرافة الحيوانية الشبيهة بحكايات كليلة ودمنة (الصرار والنملة)، ومن عالم الخرافات اللصيقة بالعادات والتقاليد المتوارثة الزائفة (الإيمان ببركات وكرامات أولياء صالحين كما في قصة شامة)…
القاسم المشترك بين عنترة وابن بطوطة القادمين من الماضي كما “أهل الكهف” يكمن في رمزية رفض السّلف لما آلت إليه أمور الخلف؛ كلا الشخصيتين تطرحان سؤال الحداثة بمنظور عمراني وحضاري واجتماعي (اإبن بطوطة)، ومن منظور أدبي/ شعري (عنترة بت شداد). اصطدام ورفض؛ وكأن للماضي سلطة الوصاية على الحاضر. الشخصية الثالثة التي تمّ استدعاؤها من الماضي سياسية بامتياز يجسدها قصصيا حضور هتلر الذي انتحر رمزيا للمرة الثانية بعدما اكتشف الآلة الحربية اليهودية الإسرائيلية في حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وهو الكاره الأبدي لليهود… ويستمر المنحى العجائبي الغرائبي عبر قصص هذه المجموعة بتوظيف عروس البحر كشخصية أسطورية في قصة “الصبنيولي الصياد” لإجهاض حلم الهجرة إلى الغرب، والتوظيف الرمزي الإيحائي كذلك للنمل عبر قصة “هجرة النمل السرية” حيث تحضر تيمة الهجرة في بعدها البراغماتي النفعي لدى الدول المستقبلة…
وتصدم الغرائبية بالواقع بشكل أكثر وقاحة مع قصة “شامة” حيث تمّ تجسيد واقع التمدن بربطه بضريح امرأة ذات كرامات كما الأولياء الصالحين، وكأن الكاتب يطرح سؤال إشكالية الوعي الاجتماعي بين واقع التقدم الحضاري والفكري والإيمان بالخرافات والغيبيات…
2 ـ المنحى الواقعي: في هذا المحور تتميز الكتابة القصصية عند الكاتب عبد القادر بوراص باعتماد تقنية المشابهة أو التماثلية حدّ المطابقة؛ سيناريوهات متخيلة لكنها تصف وقاحة الواقع بشكل مأساوي قريب جدا من الحقيقة لتتحول القصص إلى ما يشبه نماذج مقترحة لدراسة حالات من وجهة نظر سيكولوجية وإثنوغرافية واجتماعية. أغلب هذه القصص مرتبطة بظاهرة الجفاف لسنوات عجاف والحلم بالهجرة من القرية إلى المدينة، ومنها إلى غرب أوروبا. ظاهرة يذهب ضحيتها شباب من الجنسين إما هلاكا على قوارب الموت (قصة “قارب الموت المشؤوم*)، وإما انتقاما لرفض الزواج المزدوج من منطلقات دينية متطرفة (قصة “قدر سكينة”). وبالإضافة إلى واقع المرأة المهاجرة التي يتم استغلالها في ضيعات جني الفراولة بإسبانيا، تتطرق قصص أخرى ضمن المجموعة لوضعية المرأة في مواجهة تقاليد بالية مستبدة (كما في قصص “الخميسة”، و “بوح ممرضة مقبلة على التقاعد”، و وأد بركة، و”زين الريّاس”إلخ.).
وليس الذكور من الشباب في قصص المجموعة أحسن حظا من الإناث، فبعدما يفرون من قراهم إلى المدينة هربا من مخلفات الجفاف، يتم استقطاب بعضهم لسذاجتهم أو عدم وعيهم من طرف مجموعات دينية متطرفة (قصة “قدر سكينة” وقصة “ضيف غريب”)، أو من طرف عصابات الاتجار في المخدرات والبشر (قصة “الزربوط المسخوط”).
إضافة إلى تيمات الهجرة ووضعية الشباب إناثا وذكورا، يمكن اعتبار هذه المجموعة القصصية أيضا شاهدة على مجموعة من الأحداث من بينها ما له علاقة بمخلفات الجفاف وزلزال الحوز (قصة “صمت الزلزال”)، ومنها ما له علاقة بالمغاربة المطروين من الجزائر سنة 1975، وإجهاض حلم العودة إلى الأطلال (قصة “لاحونا”).
هكذا وعبر حالات اجتماعية مستلهمة من الوافع تجسدها شخصيات هذه المجوعة القصصية، قد يلجأ القارئ إلى طرح عدة تساؤلات لمأسسة خطاب بهدف التجاوز عن:
ـ الآفاق المستقبلية للشباب،
ـ الحلول الممكنة لمجابهة آثار الجفاف،
ـ مستقبل مؤسسة الزواج،
ـ التطرف الديني والاجتماعي،
ـ الهجرة السرية والاتجار في البشر،
الحداثة والوعي الجماعي …
تيمات وإشكاليات وضعتها هذه المجموعة القصصية للمبدع عبد القادر بوراص تحت مجهر السؤال بأساليب أدبية شيقة جمعت بين العجائبية/ الغرائبية والواقعية الوقحة، في واقع أغرب من العجب.
قراءة ممتعة أتمناها لكم لهذه المجموعة القصصية الرائعة
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار