قصة حارس بجبل مع مبعوث الملك الحسن الثاني لتفقد جودة البث من أكادير
جريدة البديل السياسي : متابعة
قصة «اللاقطات الهوائية» لتعزيز بث التلفزة المغربية تضمنت حلقات كثيرة من «التشويق». إذ إن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد كلف مسؤول التلفزيون حرازم غالي، وهو أحد المسؤولين المغاربة والذي كان وراء الإعداد لإطلاق التلفزة المغربية بتكليف ملكي. ورافق الملك الحسن الثاني أثناء جولاته التفقدية الأولى لأشغال الإعداد للتلفزة المغربية. كما أن الملك الحسن الثاني كلفه شخصيا نهاية الستينيات بالذهاب إلى إسبانيا لإبرام اتفاق مع مدير الإذاعة الإسبانية أيام حُكم فرانكو، لكي يحصل المغرب بموجب اتفاق بين البلدين على تجهيزات لتعزيز بث الإذاعة والتلفزة المغربية، للرد على هجومات الإذاعة الليبية التي كانت تستهدف الوحدة الترابية للمغرب.
حرازم غالي ربما لم يكن ليُعرف أبدا لدى شريحة كبرى من مغاربة اليوم، بحكم أنه اشتغل إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني في الكواليس، لولا أن ابنه إدريس الغالي، الذي يشتغل حاليا أستاذا جامعيا في البرازيل، جمع سيرة والده في كتاب مثير صدر بالفرنسية قبل ثلاث سنوات بعنوان «Le Maorc, Mon Père et Moi».
الكتاب عبارة عن تجميع لأهم ذكريات حرازم غالي والمهام الوطنية التي كلفه بها الملك الراحل الحسن الثاني، قبل أن يغادر المسؤولية في نهاية السبعينيات ويتفرغ للاشتغال في مجال بيع معدات بث الراديو مع شركات أوربية. وهو ما يؤكد أن الرجل كان شغوفا طيلة حياته بـ «البث».
قصة «لونطين»..
كان الملك الراحل الحسن الثاني قد كلف حرازم غالي مرة بالتعاقد مع شركة عالمية معروفة ومرموقة، لكي يتم تعزيز جودة بث التلفزيون المغربي. خصوصا وأن الملك كان غاضبا في إحدى المرات لأن تقنيي التلفزيون قد عجزوا عن إطلاق البث التلفزي من نقطة كان الملك الحسن الثاني يوجد بها أثناء جولة ملكية، واضطر الملك الحسن الثاني إلى تأجيل بث خطابه إلى أن حل بمدينة فاس، والتي كان إطلاق البث منها صعبا للغاية بحكم صعوبة التضاريس المحيطة بالمدينة والتي كانت تحول ووصول موجات البث التلفزي المباشر إلى الرباط، ومنه إلى بقية مناطق المغرب.
وتكرر مثل هذا السيناريو مرات كثيرة، وهو ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني يكلف حرازم غالي، لكي يشرف على عملية البحث مع الإسبان، بحكم خبرتهم الطويلة في المجال وتجارب مهندسي البث عنهم، لإيجاد حل لمشكل التلفزيون المغربي.
ولم يكن هذا الحكم بهدف التقليل من جودة التلفزيون المغربي وقتها، أو كفاءة تقنيين بالتلفزيون والراديو في ستينيات القرن الماضي، بل بالعكس، إذ إن الإعلامي محمد بن ددوش أكد بدوره أن التلفزيون المغربي منذ إطلاقه كان يتخبط في مشاكل عديدة بسبب ضعف المعدات التقنية.
حرازم غالي كان وراء إطلاق حملة لبناء مجموعة من اللاقطات الهوائية في مناطق متفرقة من المغرب، لكنه كان أمام مشكل يتعلق بتعيين حراس في الجبال والمناطق التي نُصبت فيها اللاقطات الضخمة، والتي كانت كلها خارج المدن. إذ إن اللاقطات التي تم اقتناؤها من الخارج بصفقات مهمة، بُنيت لها قواعد إسمنتية ضخمة ورُكبت فوقها، وبني بالقرب منها «استوديو» صغير خصص لسكن الحارس المكلف بحراسة اللاقط الهوائي الضخم، المحاط بسياج حتى لا يتسلقه أحد.
لكن المشكل أن العمالات رفضت أن تُعين من يحرس اللاقطات الهوائية حسب المناطق، وكانت الإذاعة والتلفزة المغربية مُجبرة على تدبر الأمر.
وفعلا تم إقناع مدير التلفزيون وقتها بتوقيع عقود عمل لترسيم عدد من الحراس الجدد. لكن المشكل أن هؤلاء الحراس لم يُدمجوا كليا، ولم تصل أوراقهم إلى وزارة المالية، وبالتالي لم يكن ممكنا أداء أجورهم. وبقي وضعهم معلقا.
زيارة إلى أكادير
من المثير أن الملك الحسن الثاني قرر في إحدى المناسبات أن يزور منطقة أكادير. وكانت مهمة حرازم غالي، أن يسبق الملك الحسن الثاني إلى هناك ويشرف شخصيا على إعداد أجواء الاستقبال الملكي حتى يُنقل على شاشات التلفزة بدون مشاكل.
وهكذا قرر حرازم غالي، أن يتفقد أولا اللاقط الهوائي الذي تم تنصيبه في واحدة من أعلى قمم المنطقة، ويتعلق الأمر بقمة جبل «تيزي نتاست».
عندما وصل هذا المسؤول المغربي، الذي أشيع فورا أنه مسؤول مقرب من الملك الحسن الثاني، تم الإعداد في أكادير لتسهيل زيارة حرازم غالي إلى قمة «تيزي نتاست» المرتفعة عن البحر بأزيد من 1400 متر، والتي كانت تبعد عن أكادير بقرابة مئتي كيلومتر شرقا.
فوجئ حرازم غالي خلال تفقده مكان اللاقط الهوائي للتأكد من جاهزيته لإرسال البث المباشر للاستقبال الملكي في أكادير إلى الرباط لكي يبث على التلفزيون، عندما تحدث مع الحارس، وهو أحد رجال المنطقة كُلف بمهمة الحراسة لسنوات، ليكتشف أن الرجل لم يكن يحصل نهائيا على أي تعويض طيلة المدة التي قضاها حارسا للاقط الهوائي. وهو خطأ كانت إدارة التلفزيون تتحمل مسؤوليته كاملة.
ما صدم حرازم غالي هو درجة نظافة المكان، ونظافة الغرفة المخصصة لمبيت حارس اللاقط الهوائي وشدة ترتيبها، رغم أنه لم يكن ينتظر زيارة الوفد القادم من الرباط والذي يترأسه حرازم غالي بنفسه، ورغم أنه لم يكن يحصل على أي تعويض نهائيا، لكنه واظب على مهمة الحراسة.
عندما عاد حرازم غالي إلى الرباط، كانت قصة الحارس في جبل «تيزي نتاست» تشغل باله، وهكذا قرر بعد مشاورة مع مسؤولي التلفزيون وقتها، أن يُطلق جائزة الموظف المثالي في التلفزيون المغربي. ومنحت تلك الجائزة، بتوجيه من حرازم غالي طبعا، إلى ذلك الحارس في جبل «تيزي نتاست» اعترافا له بمجهوداته التي قام بها رغم أنه لم يكن يتقاضى أي أجر عن مهمة الحراسة التي تجاوزها إلى الاعتناء باللاقط الهوائي وتنظيف وترتيب الغرفة التي كانت تضم التجهيزات الكهربائية التي تجعل موجات التلفزيون تصل إلى أجهزة التلفاز في منطقة سوس والنواحي.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار