جريدة البديل السياسي
قرار مريب من كاتبة الدولة للصيد البحري… الأنشوبة ضحية جديدة للوبيات الاستنزاف.
في خطوة مفاجئة تفتقر إلى الشفافية، أقدمت كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري على إصدار مذكرة تقضي بمراجعة مؤقتة لقالب الأنشوبة (الشطون) من 60 إلى 65 حبة في الكيلوغرام لمدة شهرين، في استجابة واضحة لإملاءات لوبيات الصيد البحري، متجاهلة بذلك كل الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تحتم حماية هذا النوع الحيوي من الأسماك.
. قرار “رفع” القالب ليشمل حجما أصغر من الأنشوبة، تحت ذريعة انخفاض الحجم الطبيعي خلال الموسم، لا يمكن تفسيره إلا كرضوخ مباشر لضغوط المصالح الضيقة للوبي الصيد بالضوء، في الوقت الذي تدق فيه الهيئات البيئية ناقوس الخطر حول التراجع المهول في مخزون الأسماك السطحية الصغيرة بالبحر الأبيض المتوسط، وفي مقدمتها الأنشوبة.
هل يعقل أن تكيّف القرارات والمعايير البيولوجية للمصيدة وفق هوى المستثمرين؟
ماذا عن الدراسات العلمية التي توصي بضرورة صيانة المخزون السمكي من خلال احترام الحجم الأدنى للأسماك المسموح بصيدها؟
القرار الأخير يفتح الباب على مصراعيه أمام استنزاف بيولوجي خطير، حيث يؤدي اصطياد الأنشوبة في هذه المرحلة من نموها إلى منعها من التكاثر وبالتالي الإضرار بالتوازن البيئي والسلسلة الغذائية البحرية بأكملها. لا يخفى على أحد أن لوبيات الصيد بالضوء، بدعم غير مباشر من بعض المصالح داخل الإدارة، تستغل الثغرات القانونية للضغط على الوزارة الوصية من أجل تسويق صيدها اللامسؤول.
هذا القرار الأخير ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من الخيانات البيئية التي ترتكب باسم “المرونة الموسمية” و”المصلحة الاقتصادية”، في حين أن الحقيقة هي استنزاف ثروة وطنية لفائدة أرباح ظرفية.
قرار مراجعة القالب لا يضر فقط بالبيئة، بل يفتح الباب أمام فوضى في استغلال المصائد، حيث بدأت قوارب الصيد التقليدي تتجاوز حدودها الجغرافية والبيولوجية لتتطاول على مناطق الصيد الساحلي واستعمال شباك الصيد الساحلي ومعداتها ورفع من عدد البحارة من أربعة الى ثمانية، خصوصا في ما يتعلق بالأسماك السطحية. هذا الانفلات يهدد استقرار المهنة ويعمق التفاوت بين الصيادين الصغار والمجهزين الكبار، بل ويساهم في تأجيج الاحتقان الاجتماعي داخل الموانئ بين الشرفاء المدافعين على المخزون الوطني واستمرار الاسعار ووفرت المنتوج القانوني و بين الفاسدين من ذوي المصلحة وعديمي الضمير.
أمام هذه التطورات، ندعو إلى فتح تحقيق مستقل حول ظروف اتخاذ هذا القرار، ونطالب بمساءلة كاتبة الدولة عن دوافع التراجع عن المعايير المعتمدة، مع ضرورة نشر كل المعطيات التقنية التي بني عليها القرار، بما في ذلك نتائج الدراسات البيولوجية (إن وجدت) التي تبرر رفع قالب الأنشوبة.
إن الأنشوبة ليست مجرد سلعة تجارية، بل ركيزة أساسية في الأمن الغذائي البحري وفي التوازن البيئي، وأي قرار يمس بمستقبلها يجب أن يتخذ بمسؤولية وطنية عالية، وليس بإيعاز من لوبيات مصلحية تتغذى على الفراغ القانوني والسكوت الرسمي.
تعليقات
0