روبورتاج و تحقيق

في ظل الأزمة: نساء في الشوارع بين مهنة التسول واحتراف الدعارة

مريم العطاف – جريدة البديل السياسي :

أصبحت شوارع العاصمة الشرقية، لا تخلو من نساء يمتهن التسول، نجدهم في مواقف السيارات.. قرب المطاعم.. على الأرصفة.. في الحدائق.. لا ملجأ لهن ولا مسكن، يتخذن بعض الأماكن والحدائق المهجورة مكانا للمبيت، يفترشن الأرض ويلتحفن السماء 

ربما اللقمة، ربما الحاجة، وربما طمع الأسرة أوتفككها، وربما أسباب أخرى تدفع بنساء مسنات وفتيات في سن الزهور إلى طرق أبواب التسول في الشوارع..
في ظل ظروف معيشية صعبة واشتداد حدة الفقر على كثير من الأسر المغربية، وبطقوس وعادات تعدّ في نظر البعض سلوكاً منبوذاً ومتدنياً، لكنها بنظر أصحابها الطريقة والحيلة الوحيدة لكسب رزقهم وسد احتياجاتهم التي تزداد كل يوم، امتهنت الكثير من النساء على اختلاف أعمارهن التسول كمصدر للدخل اليومي.
نساء يافعات، فتيات في عمر الزهور أصبحن صورة متكررة ومشهداً مألوفاً نراه في معظم شوارع المدينة، جمعتهن الفاقة ودفعهن الفقر.. يرمقن الناس بنظرات مليئة بالتوسل والرحمة والعطف يكسبن من خلالها ما يسد به جوعهن. كل شوارع المدينة، تتجمع فيها ثلة من النساء في مختلف الأعمار،

الأسرة دفعتني إلى التسول
سعيدة 17 عاما، إسم مستعار، أقرت بأن والديها مطلقان ولديها ثلاثة إخوة متقاربين في الأعمار.. لم تجد عملا، فهي تحمل شهادة بكالوريا، لكنها لم تستطيع مواصلة تعليمها الجامعي ولم تجد أي عمل – حسب قولها – بحثت عن عمل محترم تسد به جوعها فلم تجد، وحاولت مقاومة ظروف العيش الصعبة ولكن لم تجد من يكفلها ويعيلها حتى إخوتها، فاضطرت إلى التسول. وتضيف سعيدة:”في بادئ الأمر كانت هذه المهنة صعبة، وصادفت حياة مختلفة عن التي كنت أعيشها، ولكن بعد ذلك تعودت وتعلمت من الأخريات في هذه المهنة فنون التسول وبيع الجسد للعيش ومواصلة الحياة التي أكرهها بشدة” .
وتقول عائشة، البالغة من العمر 16 عاما، إن والدها الذي أحيل على التقاعد قبل فترة هو من يأمرها بالخروج إلى التسول في الشوارع وجلب قيمة القوت اليومي، حيث أن راتبه لا يكفي لإعالة بيت يتكون من سبعة أفراد.
فيما تقول نادية، إن والدها يضربها كل يوم إذا رفضت الخروج، ويتحول إلى ثور هائج إذا لم يجد قيمة القوت.. ولا يهمه مصدر المال، بالإضافة إلى تعرضها اليومي للمضايقات من الناس وخاصة الشباب – على حد قولها – فهم لا يرحمون المساكين، ومعظمهم يريد فقط اللهو بالفتيات.
اضطهاد منزلي..
وفي شارع آخر، تجلس إحدى النساء أم لأربعة أطفال، بنت وثلاثة ذكور، اعتادت الجلوس في نفس المكان.. من حديثها اتضح أنها كانت تعيش مع أولادها في منزل كباقي النساء، وبعد طلاقها انتقلت للسكن مع أخيها.
وبمرارة وألم روت لنا معاملة زوجة أخيها لها طيلة فترة إقامتها عندها وتلذذها في إهانتها، فكان لابد لهذه الأم المسكينة بعد رحلة عذاب مضنية أن يكون مصيرها الشارع، إذ لا دولة تحمي مثل هؤلاء ولا ضمان اجتماعي قادر على أن يمنع كرامة وشرف هؤلاء من أن يذبحان على قارعة الطريق.
لم تجد ما تقوله سوى أنها احتضنت ابنتها قائلة إنها لا تنتظر شيئا كونها ناشدت كل من له القدرة على لملمة لحمها وأولادها، بمنحها أي عمل مهما كان.. لكن دون جدوى.
الجسد مقابل.. الأكل
تقول لامية من ضواحي وجدة، في عقدها الثاني، إنها تمتهن التسول كي تسد رمقها من الجوع، وهي لا تكترث بأسرتها، فجميع أفرادها متسولون مثلها، ولا تهتم بالعودة إلى المنزل، لأنه عبارة عن كومة قش تحوي داخلها ثمانية أفراد، فالنوم خارجها مع أي شخص لا يشكل لها أي عائق ولا يشكل لدى أسرتها أي عائق، المطلوب منها أن لا تحمل بجنين أو تخلف طفل حرام.. ما دون ذلك تفعل ما تشاء.. كما تقول.
وتشير لامية إلى أنها تواجه العديد من الإغراءات في اليوم الواحد من أشخاص في مستويات اجتماعية مختلفة.. وتظل طوال اليوم في “همّ” اختيار مع من تذهب، من كثرة أرقام الهواتف النقالة، وفي المساء يتم اختيار الشخص الذي تريد قضاء الليل معه.. وهكذا تمر أيامها وسنواتها.
لذة عابرة، تقدمها فتيات لم يخلقن عاهرات، ولم يكن في يوم من الأيام “بنات جنس أو هوى”.. كنّ سويات كباقي من هن في أعمارهن، لكنه الفقر الذي ما دخل بلدا إلا وقال للكفر خذني معك، فهل من رجلٍ يقتله..؟
النظرة إلى التسول
هذه الظاهرة تمارسها بعض النساء لتحقيق مكاسب سريعة، تعتمد على استدرار عطف المواطنين واندفاعهم لفعل الخير لما في نفوسهم من طيبة مغروسة، فهم يتعاطفون مع المناظر المحزنة ويثيرهم منظر الدموع في أعين الصغار والنساء.
وأشارت المتحدثة إلى أن المتسولات يسلكن طرقا كثيرة للوصول إلى غاياتهن،” ويرجع السبب إلى المكسب السريع والأموال التي تجمعها من هذه المهنة”.
الفتاة عندما تقرر أن تمتهن التسول سرعان ما تنحرف وتصبح فريسة سهلة لضعاف النفوس، حيث أنها تتجول في الشارع مستجدية عطف الناس بأنها فتاة “خلعت عنها ثوب الخجل وكل القيم الأخلاقية”. 

التسول في المساجد احتياج ام احتراف 

ما أن يعلن الإمام الانتهاء من الصلاة وذلك بقوله ( السلام عليكم ورحمة الله) عن يمينه ويتبعها بأخرى عن يساره ، وقبل أن تنتهي من قولك (استغفر الله) ثلاث مرات، إلا وتجد شخصاً ينهض مسرعاً ويبدأ في مخاطبة المصلين ويطلب منهم المساعدة . ويختلف الخطاب لدى كل واحدٍ من هؤلاء فمنهم من تمرس في هذا العمل وأصبح خبيراً في اختيار العبارات الرقيقة التي تجذب عطف الناس إليه ويستخدم كل فنون الخطابة ، وبالمقابل يتدافع المصلون نحوه ويدفعون له الأموال . 

وأحياناً كثيرة تجد أن عدداً من المتسولين وقفوا في مسجدٍ واحد وأصبح كل واحد منهم يعتمد على رفع صوته حتى يجذب أنظار الناس إليه ويحكي كيف أنه يعيش في مأساةٍ ، وترى كل واحد منهم ينظر إلى الآخر بطرف عينه ، وقد تستغرب جداً وأنت تنظر إلى بعض المتسولين وهم في مقتبل العمر وفي أتم الصحة والعافية ، وأحياناً أخرى تجدهم أطفالاً لم يبلغوا سن الرشد يدَّعى كل واحد منهم أن والده توفي وترك له مجموعة من البنات وهو الولد الوحيد .
هذا بخلاف الذين يجلسون خارج المسجد على الأبواب، الصامتون الذين لا يتكلمون.

ظاهرة التسول في الشوارع وأزقة المملكة باتت تدق ناقوس الخطر، فلا تكاد تمر من شارع إلا ويستوقفك أحد المتسولين المنتشرين في كل مكان، غير أن ما بات يقلق أكثر باستفحال هذه الظاهرة في أوساطنا الاجتماعية، طريقة التسول التي تصل في بعض الأحيان للاستفزاز” هكذا علّقت كبيرة، الشابة العشرينية عن انتشار المتسولين في شوارع المملكة.       

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار