البديل الثقافي

  فســحــة الأمل  في زمن الضيق ..  والحزن والوجل وفقدان العمل … بقلم ذ.محمادي راسي 

 

بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :

              فســحــة الأمل  في زمن الضيق 

 والحزن والوجل وفقدان العمل   

           """""""""""""

           سرت ضحى في يوم خريفي مشمس حار كأنه صيفي تأخر به الزمن ، جير؛ سرت والشاطئ الطويل الجميل  الخالي ذا الرمال بين ذهبية ناصعة وفضية يققة كأنها الياقوت بمختلف الألوان؛ بين أزرق  وأصفر وأخضر وأحمر ، أو سرقت الألوان من قوس قزح رمز الانسجام والتوافق والائتلاف ،فازدادت جمالا وبهاء حينما انعكست أشعة اليوح على أديم اليم والمسحول ، وشاب السراب  ترقرق مياه البحر فكون لوحة متلألئة شديدة البياض، كأنها تضحك وتبتسم في فضاء شاسع كلوحة موناليزا لدافنشي التي حيرت الفنانين والأدباء والنقاد  بألغازها وأسرارها بين الابتسامة والحزن ….. ، الأمواج ـــ بصوت سرمدي مستمر بين الفتور والقوة ــــ   وهي دائما  مترادفة مزبدة مندفعة متزاحمة كأنها تتشابك أو تتخاصم ،ومتسابقة كسربة خيل في وسط الميدان في مهرجان" الفنتزية ّ  أو"التبوريدة ".

             أمواج تأتي وترجع تصل إلى رجليّ كأنها تقوم بعمل سيزيفي أو كأنها في أرجوحة ، أو تقوم بعمل آلي ميكانيكي أوتوماتيكي  بصوت سيمفوني عجيب ساحر  يصعب محاكاته ،  أو أنها تلعب معهما وتداعبهما فأحس بقشعريرة تمر في جسدي ، أو كأن تيارا باردا مر في عروقي .

            كانت النزهة طويلة بعيدة عن المدينة  لتجزية الوقت ، ودحر الملل والسأم والترويح عن النفس القلقة المتشائمة المضطربة ، من جراء جائحة كرونا التي حار فيها الأطباء وعلماء الأوبئة والتي غيرت العالم ؛اجتماعيا واقتصاديا وفكريا ونفسيا …. بل جعلته يعيش في قلق وربكة وحيرة .

           من خلال الفسحة ؛استرجعت الأيام  السالفة الجميلة الحافلة صيفا  بالمصطافين والسياح والزوار ، وتذكرت أماكن اندثرت بسبب الحوادث الجغراقية وهيجان وفيضان البحر، لقد بقيت أثرا على عين ، شاطئ كتاب  ـــ أو رواية لم ترو بعد ـــ يحمل أسرارا دفينة لا يعرفها الكاتب ولا المخرج ولا الخبير ولا الشاعر …. ، ذكريات مدفونة مع  القدماء الراحلين إلى دار البقاء ، وإن مثلت على صدفه رواية  أجنبية تدور أحداثها بمشاهد وجيزة  بين مليلية وثيزرث أو بوقانا والناظور في القرن الماضي …..ثم لقطة وجيزة ببوقانا  من رواية أمازيغية تدور حول الهجرة السرية،وفي صيف هذه السنة 2020م صورت أيضا ببوقانا  مشاهد وجيزة بأحداث مختلفة  من "رواية " "مغريدو" كما صرح   بذلك  أحد المصورين   .اا.                                                              صيادون يرجعون إلى منازلهم بعد أن تفقدوا شباكهم ….ولكن لا أرى  تلك المنازل التي كانت من طين وتبن ، ولا تلك العرصات ذات الخضر اللذيذة ؛من طماطم وبطيخ أحمر وشمام وفلفل ونعناع وكزبرة وكرفس وبقدنوس ويقطين وخس .. كانت تمثل صورة طبيعية بجيومرفلوجية خاصة  وبألوان متباينة ،وبأحجام مختلفة  ،ذات روائح ذكية فواحة قوية ،  فوق بطاقة جغرافية جميلة   لم تبق كما كانت ،  لأن التربة أصبحت مالحة  بعلة نهب الرمال  والصدف التي كانت تقف سدا منيعا في وجه الأمواج العاتية حينما يفيض ويهيج البحر ، وأين تلك  الآبار العذبة بين البحرين وبعمق لا يتجاوز مترين .؟؟.                                              

          في قفولي نسيت عالمي الذي كنت فيه الطافح بالخيال والهذيان ،وبناء وتركيب ورتق ولصق ، وهدم صور شعرية وأفكار خارقة  من نسج الخيال  بعيدة عن الواقع ، شعرت  بنفسي تنتقل من السكينة إلى القلق  والاضطراب ، وأنا أفكر في الرجوع إلى المنزل ، وأفكر في حالة المدينة التي أصبحت خالية ـــ  بعد أن كانت حافلة بالناس في الشوارع والمقاهي والأسواق ـــ  بسب جائحة كورنا التي لا تريد أن تغادرنا كما غادرت الأوبئة السابقة قبلها ،  منذ وباء أثينا ووباء جيستنيان في بيزنطة …وغيرهما من الأوبئة الفتاكة عبر العصور إلى عصرنا الحالي ….     حرمتنا من التواصل ـــ بسبب الحجر الصحي  والتباعد  الاجتماعي ـــ وزيارة الأقارب ومن العمل والدراسة والنشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي والفني والرياضي والديني ….، تريد أن تدمر الإنسان وتحرمه من الحياة والعيش فوق هذه البسيطة ، فالوهم نصف الوباء ،والطمأنينة  نصف الدواء ، والثقة بالله  أول خطوات  الشفاء كما قيل قديما وبروايات  مختلفة …..ثم طفقت أردد هذا البيت للطغرائي من قصيدتة لامية العجم 

أعلل النفس بالآمال أرقبها /

 ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .

                هل سيفكر الإنسان إذا تفاقمت الأوبئة الفتاكة  مستقبلا في الرحيل إلى كواكب أخرى ، وربما إلى القمر وهو الأقرب ؟،  فقد ذكرت بعض القنوات التلفزية الأمريكية الناطقة بالإسبانية والقنوات الإسبانية   في أواخر شهر أكتوبر من هذه السنة ؛  مشيرة إلى أن محطة "ناسا" أكدت بوجود الماء في القمر ……والله أعلم ، أطلب من الله أن يحفظنا والبشرية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها من كل شر وضرر  ومكروه وتحاسير وعجاريف وحماقيس ، ويعيدنا إلى حياتنا الطبيعية المألوفة،  فالكل يحن إلى الحياة الماضية والذكريات الجميلة ،ويتوق إلى الحرية ، ويشتاق إلى رؤية الأحباب والأصدقاء ،وإحياء العادات والتقاليد والأعراف ،والمشاركة في الأفراح والمواسم والأعراس والأعياد ……  والجلوس في المقاهي والأندية قصد الحوار والمناقشة والجدال والسؤال عن الأحوال ……فالإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردا منعزلا  في هذا العالم لأنه لا  وجود له وهو وحيد ، لذلك فهو حيوان اجتماعي سياسي ناطق …..كما قيل قديما ….مع من سيتحاور ….؟؟ هل سيتكلم مع  الحيوان  بلغة الإشارة ؟ ، وهل سيتحاور مع الأحجار والأشجار والبحار والأنهار والبلد القفار …..؟؟.   

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار