ملفات ساخنة

«فتيات يائسات» تحت ابتزاز المشعوذين!

جريدة البديل السياسي :

لجأت له كي أحل مشكلتي الدراسية.. لجأت لها كي تخبرني بفارس أحلامي..، توجهت لها لأني أعاني من مشكلة اتضح فيما بعد أنها نفسية…”، قصص كثيرة تختلف تفاصيلها وطلباتها، بيد أنها تجتمع في سلة واحدة “الشعوذة” التي قبلت بها العديد من الفتيات، ذهب بعضهن ضحية ابتزاز وتحرش وأحياناً أبعد من ذلك، وانتهى مستقبل الأخريات المهني أو الدراسي أو العائلي، فيما نجا من التجربة فتيات تمكن من إعادة تأهيل أنفسهن، وعدن لحياة طبيعية سعيدة.

رباب: هدفهم الجنس وأنا أول ضحايا «مشعوذ القطيف»!

تقول “رباب” كما تحب أن نسميها، وهي إحدى ضحايا ما عرف بقضية “مشعوذ القطيف” المحكوم حالياً بالقصاص: “توجهت له بعد أن اقتنعت أن لدي مشكلة لا يستطيع أن يحلها إلا هذا الرجل الذي كان يوهمنا بأنه مؤمن ومتدين”، مضيفة “انتهى بي المطاف للجنس معه ومع رجال آخرين كان يجلبهم لي”.

كذبة “حبيب القلب”!

وتقص “ضحايا الشعوذة” مأساتهن، إذ تقول “فاطمة 25 عاماً”: “لم أتجاوز عامي ال19 حين توجهت لفتاة تكبرني بنحو خمسة أعوام، وتمكنت من إقناعي بأن حبيب القلب وفارس الأحلام يمكن أن أعرفه بعد جلسة استنزفت مالي”، مضيفة: “قالت لي بأن الفنجان يخبرها بأن فتى أحلامي أبيض البشرة وعريض المنكبين وفي نفس الوقت ليس سميناً وجسمه معتدل وتفكيره ذكي”. وتتابع: “كانت دائماً ما تتحدث عن نفسها وكأنها تملك أسرار النجوم البعيدة”، مشيرة إلى أنها صدقتها، وتضيف: “كنت مراهقة وأحمد الله أني لم أنجرف لهذا الطريق الذي ذهب ضحيته الكثير من الفتيات اللاتي نسمع عنهن”. وعن قناعتها الحالية تقول: “أنصح كل فتاة كانت في سن المراهقة أو ناضجة بعدم التوجه للمشعوذات أو المشعوذين”، مستدركة “صحيح أن هناك مشاكل في الحياة قد تعتقد الفتاة أن المشعوذ هو الذي سيحلها لها، فتجد نفسها مندفعة نحو الشعوذة، إلا أن ذلك ليس صحيحاً، ومن واقع تجربتي يمكنني القول ان كل ما قالته لي المشعوذة الشابة كان كذباً واكتشفته مع مرور الوقت والسنوات”، مشيرة إلى أن المشعوذات يلعبن على عامل الزمن ويجدن التحكم به وخداع الضحية.

الخنيزي: «الثقافة الشعبية» غذّت «الخزعبلات» والعالم يتاجر ب «السحر» ونحن أول من يشتري!

مواقف صعبة

ولا تعتبر “رباب” التي استطاعت إنهاء تعليمها الجامعي والحصول على وظيفة الفتاة التي يتوقف عندها “قطار الشعوذة”، إذ أن هناك مهتمين بمكافحة الشعوذة يؤكدون أنها لا تسير في النور، بل إن قضاياها تحصل عادة في الظلام المطبق، بعيداً عن أعين الناس، ويقول “علي” الذي ينشط في مكافحة المشعوذين وأعمال السحر عبر التواصل مع “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”: “هناك فتيات وقعن ضحايا للمشعوذين والسحرة الذين يأخذون منهن أغلى الأثمان المادية ثم يقوم المشعوذ بابتزازهن”، مضيفاً “إن المشكلة تكمن في أن الفتاة تتجه للمشعوذ وهي لا تعرف أنه مشعوذ وسيوصلها إلى مناطق مظلمة كأن يمارس معها العلاقة المحرمة ويصورها ويبتزها، ويشرك المزيد من الرجال في معاشرتها، وهذا أسوأ أنواع المشعوذين”. ويتابع: “إن الفتاة تلجأ عادة للمشعوذ وهي تعتقد أنها تفعل الصواب، ثم تجد نفسها مستمرة في الطريق الخطأ حتى لو تركها المشعوذ”، مشيراً إلى أهمية أن تحاول الفتاة أن تخرج من “الحلقة المفرغة” التي وضعها فيها المشعوذ عبر الالتجاء لجهات موثوقة مثل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي تلعب أدواراً هامة في مكافحة الشعوذة والإطاحة بالمشعوذين الذين يستغلون النساء مع ضمان التستر عليهن. ويرى بأن بوح الفتاة لأحد تثق به في أسرتها مثل والدها أو أخيها يمكنها من التخلص من شباك المشعوذ الذي سيسعى بالتأكيد لابتزازها، ويضيف “إنه لن يتوانى في ابتزازها والحصول على جسدها مدى حياتها، بل هناك ممن يذهب أكبر من ذلك فيجعلها تغوي الفتيات الجدد”.

فاطمة: اكتشفت كذبة «حبيب القلب» وتداركت نفسي أخيراً

تحليل نفسي

وليس بعيداً عن قصد المشعوذين بغرض إيجاد حلول لمشاكل نفسية يعاني منها الأفراد يتجه قسم من الأشخاص لفك السحر عنهم عبر المشعوذين الذين يرى فيهم الضحية قوة خارقة، يقول المختص النفسي “جهاد الخنيزي”: “إن هناك فارقا بين المتوجهين للمشعوذ لفك السحر – حسب قناعته الخاصة ومن أفتى بجواز فك السحر بالسحر – وبين من يعاني من مشكلة عادية، فالأخير قد لا يعلم بأنه أمام مشعوذ خطر، أما المقتنع بأنه مسحور، فإنه يرى في المشعوذ قوة خارقة، وأنه يستطيع تسخير الجن، كما أن الثقافة الشعبية تغذي مثل هذه الجوانب”، مضيفاً: “إن قوة الحاجة، ووجود الفواصل الضعيفة بين الدين والسحر، وتداخل العوالم كلها عوامل تجعل المحتاج للخدمة يذهب للشخص الخطأ”. ويتابع شرح نفسية الضحية، إذ يقول: “يشعر بأن المشعوذ لديه عنصر الروحي في المادة، وأن الضحية خائف ويائس من الواقع، كما نجد التباساً في فمه للنص الديني”، مضيفاً أنه “يميل جزء من الناس إلى تفسير الانتكاسات التي يمرون بها على أنها جزء من مخطط شيطاني يمارسه آخرون تستخدم لها رموز وقوى وأرواح غيبية نشطة في عالم الأسباب البشرية، بهدف إحداث أضرار تقع عليهم مباشرة أو على من هم قريبين منهم بهدف معاقبتهم، ويطلقون عليها مسمى السحر، ويساند إيمانهم بقوة السحر وتأثيره وجود ثقافة شعبية متلونة بتصورات من الفكر الديني مع قوة الحاجة والشعور بالخوف واليأس من الواقع وحجم تأثير المشكلة في حياتهم الأسرية وطباعة كميات كبيرة من الكتب التي تروج للحلول السحرية، وفي الغالب فإن هذه الظاهرة منتشرة وسط الطبقات الاجتماعية المتنوعة، إذ يعتقدون أن هذا الكون مترابط وتتداخل فيها القوى الروحانية والشيطانية”.
مشعوذة تستدرج إحدى ضحاياها بلعبة الورق»

ويرى “الخنيزي” بأن من يقول بأن المشعوذ يملك نوعاً خارقاً من الطاقة خاطئا، ويقول: “إن الدراسات العلمية التي بدأت تتحدث عن العالم كطاقة منبعثة ومتحركة ومؤثرة تختلف عن السحر الذي يقوم على التصرف في القوانين والأسباب، فمجال السحر هو إحداث تصرفات في هذه القوانين خلاف الواقع على عكس مفهوم الطاقة الذي يعني اللغة التواصلية بين الكون والإنسان، أوالإنسان والإنسان وبالتالي فإن مجال الحديث عن الطاقة هو التأثير المعنوي أو الروحاني الذي ينبعث من الشعور والتفكير والكلمات والأفكار والحقائق والرموز، وأغلب ما يسمى بالسحر هو الاعتقاد بأن هناك كلمات ورموزا صوتية ومواد تجلب القوى الشيطانية وتخضعها لمطالب الساحر الذي يكون متصفا بالشعوذة”.

وعي المرأة

وعن سبل إقناع الناس للامتناع عن التوجه للمشعوذين والسحرة يشدد “الخنيزي” على أهمية “الوعي” الذي يعتبر الحجر الأساس في مكافحة كل أنواع الشعوذة وكتبها التي يقبل عليها بعض الأشخاص، إذ يقول: “إن لجوء قسم من الناس وبالأخص النساء للاستعانة بالسحرة والمشعوذين والدجالين متصل بنقص المعرفة العلمية والعقلانية والثقافية تجاه ما يتعرضون له من مشكلات اجتماعية ونفسية وصحية”، مضيفاً “إن الأعراف التي تمارس اضطهاداً على المرأة وحقوقها في التعبير ونيل حقوقها القانونية يجعلهن فريسة لهؤلاء المشعوذين”، داعياً إلى بث روح الثقافة القائمة على الممارسة العقلانية للتدين لا الدين العاطفي والسحري، ويتابع: “إن ذلك يستوجب نشر هذه الثقافات المتعددة والتفريق بين الطاقة الايجابية والسلبية وما يمكن أن تحدثه في حياة الشخص وبين الاستسلام لمقولات وفكر المفسرين السحرة التي تميل لتضخيم المشكلات وربطها بأسباب لا يستطيع المحتاج الحكم على واقعيتها أو رفضها وقبولها”.

نظرة العالم للسحر

ويشرح النظرة العلمية للسحر، ويقول: “إن العلم يعتبر نفسه من حيث الأساس في قطيعة مع التفسير السحري والديني للكون والحياة، ويعتقد أن هذه الاكتشافات التي حدثت في القرون الثلاثة الأخيرة جاءت نتيجة رفض هذا المنهج، وقد وجدت محاولات مختبرية تجريبية لممارسة السحر والتسخير الروحي للأرواح والجن لم تصل لنتائج قطعية وبالتالي يعتبر السحر والتسخير مجرد مقولات لا يمكن الحكم عليها علمياً”، مستدركا “توجد منظمات وجمعيات تختص بهذا الشأن في العالم الغربي المتحضر تعتقد بأنها قادرة على إحداث هذا الاتصال والتسخير وهي منظمات رسمية وفاعلة وتصدر مجلات وكتباً عن السحر والاتصال بالعوالم الأخرى غير المكشوفة بما فيها الاتصال بالجن وقد استقبلت مؤسسات الإنتاج الفني هذه الرؤى وصاغتها في أفلام ومسلسلات كهاري بورتر، والساحرات الثلاث، ونحن أول من يشتري تلك المنتجات، كما وجدت قنوات إذاعية تخدم طلبات السحر والمتنبئين بالمستقبل، ويلاحظ أن هؤلاء يستندون في أعمالهم لكتب دينية تتحدث عن السحر مخلوطة بفكر شرقي قديم عن الكهان والرموز السحرية والطلسمات والماسونية مثل النجمة والصليب المقلوب والهلال والسحر الفرعوني والسحر العلوي والسحر السليماني والسحر الأبيض والأسود وسحر الكبالا اليهودي وسحر الجريموار الأوروبي وغيرها، ويوجد في كثير من الديانات منتج سحري تمارسه بعض الفرق والمذاهب كما تمارس تجارة السحر كأحد أنواع الأنشطة الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية التي تدر أرباحاً للكاهن والساحر”.
طلاسم وعقد وشعر بقايا «رحلة الشعوذة» التي لا تنتهي

أرباح طائلة

وعلى الرغم أن المشعوذ يدير عمله بعيداً عن الأضواء، ما يجعل مراقبته صعبة، إلا أن الأرقام التي يرويها ضحايا المشعوذين تشير بوضوح لتمتع المشعوذ المشهور بثروات طائلة تصل للملايين، وبخاصة أنه يتقاضى نحو 20 ألف ريال إن صادفه زبون غني، فيما يتعمد أخذ مبالغ صغيرة (500 ريال) على الشخص العادي، طلبا للكثير من الزبائن اليوميين، فيما تكشف الإحصاءات أن ساحراً هندياً اعتقلته الحكومة الهندية تمكن من جمع ثروة قدرت بمئات الملايين، ما مكنه من شراء طائرة خاصة والعيش في شكل باذخ جداً، أما في المجتمعات العلمية مثل الغرب، فجنى سحرة أموال طائلة بسبب تقديم السحر كوجبات ترفيه للناس في السيرك، وتحويل ذلك لبرامج تلفزيونية.

قتل الساحر وتعزير المشعوذ

من جانب آخر يفرق القضاء بين أحكام السحر والشعوذة، ويقول القاضي في محكمة القطيف الكبرى الشيخ “مطرف البشر”: “إن ثبت على شخص أنه يمارس السحر، فإن حكمه ليس تعزيراً، بل ضربة بالسيف كما ورد في حديث الرسول عن الساحر، أما فيما تعلق بالشعوذة فإن الحكم يكون تعزيراً”، مشيراً إلى أن الحكم يعتمد على نوعية القضية وتاريخ المشعوذ ومدى الضرر الذي لحق بالناس من شعوذته، ويضيف “إن كان المشعوذ مشهوراً مؤذياً فإن الحكم سيكون أشد، والعكس صحيح”.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار