كاريكاتور البديل السياسي

غلاء الأسعار يقتل الفقراء ليعيش الأغنياء

جريدة البديل السياسي :

بعد سنوات من تضخم متحكم فيه، سجل المغرب خلال السنة الجارية نسبة تضخم هي الأعلى منذ سنة 1995، حيث يتوقع أن يصل 5,3 في المائة مع نهاية السنة الجارية.

وكان معدل التضخم في المغرب خلال السنة الماضية في حدود 1,4 في المائة، و0,7 في المائة سنة 2020، ووصل في أدنى معدل له سنة 2019 إلى حوالي 0,2 في المائة.

وإذا كان التضخم قد طال جميع البلدان تقريباً، فإن حجم تأثيره يختلف من مجموعة بلدان إلى أخرى، وهو ما دفع عدداً من الحكومات إلى اتخاذ إجراءات متعددة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.

وترجع هذه الموجة من التضخم إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وهو ما جعل البلدان المستوردة للموارد الأساسية تتضرر بشكل كبير، كما هو الحال بالنسبة للمغرب.

ويستورد المغرب جميع حاجياته من المواد البترولية من الخارج، مما جعله عرضة لتقلبات السوق، كما تضرر من أسعار الغذاء لكونه يستورد نسبة لا بأس منها من الحبوب من عدد من الدول، ضمنها أوكرانيا.

وفي الوقت الذي أقدمت فيه عدد من الدول عبر العالم على اتخاذ إجراءات عدة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين أمام القفزات المتوالية للتضخم، تحركت الحكومة المغربية بحذر لتفادي التأثير على الميزانية.

وأمام ارتفاع المحروقات اكتفت الحكومة بتقديم دعم مالي مباشر لمهنيي النقل الطرقي لتفادي ارتفاع أسعار نقل المسافرين والبضائع، حيث ناهز هذا الدعم حوالي ملياري درهم.

وبالنسبة للمواد الأخرى، أضافت الحكومة 16 مليار درهم إلى صندوق المقاصة لدعم غاز البوتان والسكر والقمح اللين، ليصل إجمالي الدعم لسنة 2022 أكثر من 30 مليار درهم.

وإذا كانت هذه المواد أساسية في سلة استهلاك الأسر المغربية، فإن ارتفاع المحروقات أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين بسبب محدودية الدعم الموجه إلى مهنيي النقل.

وفي نظر عبد السلام الصديقي، الأستاذ الجامعي ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية السابق، فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أمام ارتفاع الأسعار “تظل غير كافية وجزئية”.

وذكر الصديقي، في حديث لهسبريس، أن هذه الإجراءات لم تتم “ضمن رؤية شاملة ومحكمة بشكل جيد، كما أن الحكومة لم تفتح النقاش حول أزمة الأسعار والطرق المتاحة لمواجهتها”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن ملف ارتفاع أسعار المحروقات مهم جداً لأنه يؤثر على جميع المواد، وقال إنه يستوجب على الحكومة معالجته من خلال إجراءات، منها خفض الضرائب.

ولفت المتحدث الانتباه إلى أن دولاً عدة أوروبية لجأت إلى خفض الضرائب المفروضة على المحروقات، كما قدمت دعماً مباشراً للمواطنين لمواجهة غلاء الأسعار، وهو ما رفضت الحكومة اعتماده في المغرب.

كما أورد ضمن الإجراءات التي يجب على الحكومة اتخاذها مناقشة أرباح شركات توزيع المحروقات ومواجهة المضاربات بشكل صارم لأن عدداً من المواد شهدت ارتفاعاً في الأسعار بدون مبرر.

وفي نظر الصديقي، فإن إعادة تشغيل مصفاة “سامير”، الخاضعة للتصفية القضائية، من بين الحلول المقترحة، خصوصاً أن نسبة كبيرة من ديونها في ملكية الدولة، أي أنها في آخر المطاف ملك لدافعي الضرائب.

الدعم المباشر للفئات المتضررة

يمر الاقتصاد العالمي بموجة تضخمية استثنائية أسبابها متعددة، جزء منها هو نتاج لأزمة “كوفيد-19″، التي تفشت منذ 2020، والجزء الثاني مرتبط بتبعات الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي شملت روسيا من قبل الغرب.

وقال إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي، إن “كل هذه التداعيات أدت إلى خلق ارتباك كبير في تزويد الأسواق الدولية، خصوصا ما تعلق بالبترول والغاز والحبوب”.

وأضاف أن “كلفة نقل السلع ارتفعت بشكل كبير عقب الارتباك الغير مسبوق في سلاسل الإنتاج والنقل، خصوصا من الصين نحو باقي دول العالم”.

وأوضح الفينة، في حديث لهسبريس، أن ما يعيشه العالم اليوم “ساهم في ارتفاع أسعار عدد من السلع، وهو الأمر الذي أدى إلى خلق موجة تضخمية غير مسبوقة ستؤدي إلى دخول الاقتصاد العالمي في ركود كبير قد يستمر سنوات”.

ولم يُستثن الاقتصاد المغربي من هذا المسلسل التضخمي نتيجة ارتباطه الكبير بالأسواق الدولية، وفق إفادات الخبير الاقتصادي، الذي أكد أن هذا الارتباط سوف يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي الوطني.

وفيما يخص استجابة الحكومة، قال الفينة إن بإمكانها تحفيز الاقتصاد واتخاذ إجراءات ضريبية مشجعة لفائدة الأفراد والمقاولات في وضعية صعبة. وعلى غرار ما تم تطبيقه في عدد من الدول المتقدمة، اقترح المتحدث اللجوء إلى تقديم دعم مالي مباشر للفئات الاجتماعية المتضررة.

سعر الفائدة الرئيسي

في آخر اجتماع لمجلس بنك المغرب، في يونيو المنصرم، تم الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في 1,5 في المائة، وهو السعر الذي تقترضه به الأبناك من لدن البنك المركزي ويؤثر بشكل مباشر على معدل الفائدة المطبقة على اقتراض المقاولات والأسر.

قبل اجتماع بنك المغرب، كانت أغلب البنوك المركزية عبر العالم، منها الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، قد قررت رفع سعر الفائدة الرئيسي لكبح جماح التضخم، وهو ما يسلكه بنك المغرب بالنظر إلى كون التضخم مستورداً وليس داخليا.

ويوضح الخبراء أن المغرب يواجه ضغوطاً تضخمية خارجية، وليس نتيجة ارتفاع الطلب الداخلي وتجاوزه للعرض، وهي حالة يمكن لبنك المغرب أن يواجهها برفع سعر الفائدة وانخفاض السيولة، وبالتالي انخفاض الطلب وانخفاض الأسعار.

وتبقى إمكانية تدخل بنك المغرب في حالة التضخم المستورد محدودة، لأنه في حالة تم رفع سعر الفائدة ونتج عنه انخفاض في الطلب، ستبقى الأسعار مرتفعة؛ لأنها تتعلق بمواد لا ينتجها المغرب، بل يتم استيرادها من الخارج، مثل المحروقات، وبالتالي سيكون رفع سعر الفائدة مضرا بالاقتصاد.

ويعتبر بنك المغرب أن الظرفية الحالية ما زالت استثنائية، وبالتالي يجب إبقاء دعم النشاط الاقتصادي لتفادي استفحال الأزمة وارتفاع تكلفة القروض بالنسبة للمقاولات والأسر، كما يتوقع أن يعود التضخم إلى مستويات عادية خلال السنة المقبلة.

سيكون اجتماع مجلس بنك المغرب يوم 27 شتنبر المقبل حاسماً فيما يخص سعر الفائدة الرئيسي، وسيبين ما إذا كان التوجه الذي تم اختياره بعدم رفع السعر لا يزال كافياً، أم أن الأمر يحتاج تعاطياً آخر حسب تطورات الوضع الاقتصادي العالمي والوطني.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع جريدة البديل السياسي لمعرفة جديد الاخبار